الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شاعر وقمار

شاعر وقمار
27 نوفمبر 2008 01:04
''كان التلعفري مع تقدّمه في الأدب وبراعته ابتُليَ بالقمار، ووقع له بسبب القمار أمور منها أنه نُوديَ بحلب من قبل السلطان: من قامر مع الشهاب التلعفري قطعنا يده، فضاقت عليه الأرض، فجاء إلى دمشق ولم يزل يستجدي ويقامر حتى بقي في أتون من الفقر''· هكذا يحدثنا كلّ من ابن تغري بردي في ''النجوم الزاهرة''، وابن شاكر الكتبي في ''فوات الوفيات''، واليونيني في ''ذيل مرآة الزمان·'' ويجمع المؤرّخون الذين أوردوا أخبار التلعفري على أنه كان شاعراً لاهياً بلغ به حبّه للقمار مبلغاً عظيماً جعله يتلف كلّ مالٍ يقع بين يديه· وقد بلغ من شدّة ولعه بالقمار أنْ قامر بثيابه وأخفافه فذهب مثلاً ولقّب بالتلعفري المقامر· الراجح أن العلاقة بين لحظة ترقّب القصيدة ومغالبة الكلام ومجاهدته كي ينقال ولحظة ترقّب الربح في القمار علاقة وطيدة لكنها علاقة ليلية سرية· والراجح أيضاً أن حال الترقّب هذه وما تثيره في النفس من انفعالات لجوج هي التي اقتادت دستوفسكي على الدرب ذاته وأوقعته في ضنك العيش نفسه· بهذا تشهد الرسائل التي كان دستوفسكي يبعث بها إلى أخيه كلما خسر ما بيده من مالٍ ولم يعد يملك حتى ما به يشتري طابعاً بريدياً· لقد كتب دستوفسكي روايته الشهيرة ''المقامر'' وصوّر فيها ما يحياه المقامر من انخطاف وانجذاب، من طموحات وانكسارت ومرارات· أما التلعفري فإنه على ولعه بالقمار لم يستسلم للمدح طلباً لعطايا الملوك وذوي السلطة والمال· وأشعاره التي وصلتنا تدور كلها حول أطوار حياته، ذلك أنه كان شاعراً يقول الشعر في شجون نفسه· لذلك تجلّت براعته فيما قاله من خمريات وغزل وحنين إلى الأوطان· كان من الشعراء الذين يدينون باغتراف اللذّات من معادنها· ثمّة في وعي الشاعر نوع من الترابط العضوي بين لذّة الحبّ والوصال ونشوة الخمرة وعقر الدنان· وثمّة أيضاً نوع من الوعي المأسوي بأن الحياة تعبٌ كلّها والعمر كنزٌ ناقصٌ كلّ لحظة، ولا شيء مثل لذّة الحبّ والخمر يمكن أن يطرد الهمّ ويشيع في حياة المرء بعضاً من مسرّة· لذلك ينفتح موضوع الغزل وتشراب الخمور على بعد وجودي بموجبه يصبح التهالك على الملذّات شكلاً من أشكال مواجهة رعب الوجود· ولذلك أيضاً ترتسم شخصيته على أديم نصوصه صورة شخص نذر حياته للشعر والمجون والخلاعة والقمار· يقول محدّثاً عن حاله: أقْلَعْتُ إلاَّ عن العُقارِ وتُبْتُ إلاَّ منَ القمَاِر فالكَأْسُ والقمْرُ ليسَ يَخْلُو منها يَمينِي ولا يَسَارِي ورغم تهالكه على الملذّات وخروجه على قيم المدينة وقيم ناسها نال إعجاب أهل زمانه وإعجاب مؤرّخي الأدب، حتى إن البعض منهم التمس له الأعذار، فكتب ابن تغري بردي: ''وأنا مسامح التلعفري على القمار، لحسن ما قاله من رائق الأشعار··· وديوان شعره لطيف في غاية الحسن وهو موجود بأيدي الناس''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©