الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حياة الفراغ ليست طاهرة

حياة الفراغ ليست طاهرة
3 فبراير 2016 21:48
شذريات تقديم واختيار - رضاب نهار لم يكن الكاتب والطبيب الروسي أنطون تشيخوف (1860 – 1905) كئيباً أو متشائماً. كان فقط يفهم الحياة كما هي عليه، ويفهم كيف للإنسان فيها أن يتبدّل ويتلوّن مع تلوّن الظروف وتبدّل المواقف، وكيف للسياسة أن تتدخل لترسم تفاصيل العلاقات بين أبسط البشر وأكثرهم بعداً عنها. لذا فإن أعماله الأدبية وصفت ببراعة الإبداع وتقنياته الواقع المعيش في تلك الفترة وتنبأت بما قد يكون، حتى أننا نجدها تصف ما نعيشه اليوم وما سنعيشه غداً، ربما.. وعلى الرغم من أن أعمال تشيخوف تندرج تحت عنوان الكتابة الواقعية أو الكلاسيكية، إلا أنها تخلو من الحبكة التقليدية المتضمنة لوجود الذروة في الحدث. حيث كان المزاج العام للشخصيات هو المسيطر على الكتابة عنده، واصفاً من خلاله أفق الإنسان وطموحه ووحدته في عالم رهيب، كئيب ومزدحم بالبشر. ولطالما شعرنا بوجوده بين شخوص مسرحياته وقصصه، وكأنه واحداً منهم، وفي أحيان كثيرة كان يشبههم جميعاً. كتب تشيخوف القصة والمسرحية، ولا تزال أعماله إلى اليوم تُقدّم في السينما وعلى خشبة المسرح، وحصل وترجمت إلى لغات عديدة.. فمن «بستان الكرز» إلى «عنبر رقم 6» و«وفاة موظف» إلى «النورس» و«الدب» و«الخال فانيا» و«الشقيقات الثلاث» وغيرها الكثير، نعيش أدوارنا وحكاياتنا، لكن بأسماء أخرى وبأمكنة وأزمنة مختلفة. ينبغي تصوير الحياة لا كما هي عليه، ولا كما يجب أن تكون، بل كما تتبدى في الأحلام. *** لقد عشت حياة متنوعة شائقة، وأنا راضٍ عنها، ولكن لو أني شعرت السمو الروحي الذي يتملك الفنانين أثناء الإبداع، لاحتقرت فيما يبدو قشرتي المادية وكل ما هو مميز لهذه القشرة، ولانطلقت بعيداً عن الأرض محلقاً إلى العلا.. *** النساء لا يغفرن الفشل. *** عندما بدأت، كانت الكتابة بالنسبة لي محض عذاب. فالكاتب الصغير، عندما يكون سيء الحظ، يبدو لنفسه، أخرق، مضطرباً، زائداً عن الحاجة، وأعصابه متوترة، مرهقة. وتراه يحوم مشدوداً حول الأشخاص ذوي العلاقة بالأدب والفن، غير معترف به، غير ملتفت إليه، يخشى أن ينظر مباشرة وبجرأة في الأعين، كأنما مقامر ولوع لا نقود لديه. *** من أجل سعادة أن أكون كاتبة أو ممثلة أنا مستعدة أن أتحمل كراهية الأقارب، والفاقة، وخيبة الأمل، أن أعيش في غرفة سطح وآكل الخبز الأسود فقط، أن أعاني عدم الرضا عن النفس ومن إدراك عيوبي، ولكن في مقابل ذلك كنت أطالب بالشهرة.. الشهرة الحقيقية. الصاخبة.. *** لقد وهِب الإنسان عقلاً وقوة مبدعة لكي يضاعف ما أعطى له، لكنه إلى الآن لم يبدع بل دمّر. *** كل شيء ينبغي أن يكون جميلاً في الإنسان: الوجه، والثياب، والروح، والأفكار. *** إن حياة الفراغ لا يمكن أن تكون طاهرة. *** في الروايات المثالية فقط يعلّمون الفلاحين ويعالجونهم. *** أن تعرف ثلاث لغات.. ترف لا لزوم له في هذه المدينة. ليس حتى ترفاً، بل زيادة لا لزوم لها، كالإصبع السادس. إننا نعرف أشياء زائدة كثيرة. *** كان الرومان أصحاء لأنهم كانوا يعرفون كيف يكدحون وكيف يستريحون. *** أعتقد أن كل ما على الأرض ينبغي أن يتغير شيئاً فشيئاً، وهو يتغيّر بالفعل أمام أعيننا. وبعد مائتي سنة أو ثلاثمائة، أو حتى ألف – ليست العبرة بالمدة – ستحلّ حياة جديدة، سعيدة. ولن نشارك في هذه الحياة بالطبع، ولكننا من أجلها نعيش الآن، ونعمل، وحتى نتعذب، إننا نخلقها. وفي هذا وحده يكمن الغرض من وجودنا، بل وسعادتنا إذا شئتم. *** أعتقد أن الإنسان ينبغي أن يكون مؤمناً، أو ينبغي أن يبحث عن عقيدة، وإلا فحياته فارغة، فارغة.. أن تعيش دون أن تدري لماذا تطير اللقالق، ولماذا يولد الأطفال، ولماذا النجوم في السماء.. إما أن تعرف لماذا تعيش، وإما فكل شيء تافه. *** في الحقيقة فأي فرق هناك بين ما يجري الآن وما جرى من قبل! وسوف يمرّ وقت قليل، حوالي مائتي أو ثلاثمائة عام، وسينظرون إلى حياتنا الراهنة أيضاً بمثل هذا الخوف والسخرية، وسوف يبدو لهم كل ما لدينا الآن أخرق وثقيلاً، وغير مريح جداً وغريباً.. *** عندما تأخذ السعادة خطفاً، قطعة قطعة، ثم بعد ذلك تفقدها، مثلي، تجد نفسك شيئاً فشيئاً قد أصبحت فظاً، حقوداً.. *** ما السبب في أننا، وما إن نبدأ الحياة، حتى نصبح مملين، باهتين، غير ممتعين، كسولين لا مبالين، بلا فائدة، تعساء.. *** سيمر زمن ونرحل نحن أيضاً إلى الأبد، وسينسانا الناس، سينسون ملامحنا وأصواتنا وكم كان عددنا، لكن آلامنا ستصبح أفراحاً لمن سيعيشون بعدنا، وستحلّ على الأرض المسرة والسلام، وسيذكرون بالخير ويباركون أولئك الذين يعيشون الآن. *** البشرية تتقدم وهي تطور قواها. وكل ما هو صعب المنال الآن سيصبح في وقت ما قريباً، مفهوماً، ينبغي فقط أن نعمل، وأن نساعد بكل قوانا كل من يبحث عن الحقيقة. *** يسمون أنفسهم مثقفين ثم يخاطبون الخدم بـ «أنت»، ويعاملون الفلاحين معاملة الحيوانات، ويتعلمون بصورة سيئة، ولا يقرأون أي شيء بجدية، ولا يفعلون شيئاً على الإطلاق، وعن العلم يتحدثون فقط، ولا يفهمون في الفن إلا القليل. والجميع لا يتحدثون إلا عما هو مهم ويتفلسفون، بينما على مرأى منهم جميعاً يأكل العمال أسوأ طعام، وينامون دون وسائد، ثلاثون أو أربعون شخصاً في الغرفة الواحدة، ومن حولهم البق، والعفونة، والرطوبة، والقذارة الأخلاقية.. ومن الواضح أن كل الأحاديث الجيدة عندنا لا تهدف إلا إلى صرف أنظارنا وأنظار الآخرين.. *** إذا لزمت الصمت ستشعر بالاطمئنان أكثر. *** أنا شخص مثقف، أقرأ شتى الكتب الرائعة، لكني لا أستطيع أبداً أن أحدد الاتجاه، وما الذي أريده في الواقع، وهل أعيش أم أنتحر في الواقع، ومع ذلك أحمل معي دائماً مسدساً. *** القدر يعاملني دون رحمة، كالعاصفة مع مركب صغير. *** أيتها الطبيعة الساحرة، أنت تتوهجين ببريق خالد، رائعة ولا مبالية، أنت التي نسميك أمنا، تجمعين بين الوجود والعدم، أنت تعيشين وتدمرين.. *** أن نتجنب تلك التوافه والأوهام التي تعوقنا عن أن نكون أحراراً وسعداء.. هذا هو هدف حياتنا ومغزاها. الشذريات مأخوذة من: النورس، الخال فانيا، الشقيقات الثلاث، بستان الكرز.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©