الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

البطل في الإبداع الإماراتي حائر بين الأسطورة والماضي والحاضر

البطل في الإبداع الإماراتي حائر بين الأسطورة والماضي والحاضر
21 مايو 2011 22:54
أبطال الروايات والقصص في السرد الإماراتي يختلفون من حيث البناء النفسي والاجتماعي للشخصية، يأتي الاختلاف حسب البيئة والمكان والزمان، بين الصحراء والبحر والمدينة الحديثة، فما بين روايات البدايات واليوم ثمة تحولات كبيرة، ثمة اختلاف في الكثير من عناصر البنية، ففي حين تنبنى شخوص وأبطال روايات الكاتب علي أبو الريش في الإطار الأسطوري وأبعاده الملحمية، تتجه رواية ناصر الظاهري مثلا إلى البطل “الحديث” والواقعي، كما تنبنى بعض الروايات الآن على البطل التائه والمغترب، بل يذهب البعض إلى رواية بلا بطل محدد، أو ليكون المكان أو الزمان هما البطل. “الاتحاد” رصدت آراء بعض المبدعين حول: ما هي ملامح البنية النفسية للبطل في السرد الإماراتي؟ وما الذي يسهم في تشكيل هذه البنية؟. نبدأ من ثنائية الصحراء والماء حيث تشكلت شخصيات وأبطال روايات علي أبو الريش الذي صنع أبطاله في خضم هذين العالمين، فهو لا يريد أن يغادرهما، ويرى أن “للصحراء أسطورتها، وللرواية حكايتها مع الرمل المتحدر من تاريخ الأرواح، وجغرافية الأجساد”. ويضيف “وما شخصية البطل في الرواية إلا من تلك الورطة اللذيذة والمتلاحقة في تفعيل الحكاية من بدئها حتى خاتمتها. وأيا كان شكل الرواية من حيث أجناسها ومدارسها، يبقى البطل الأسطوري يهبط بوابله على المفردة والثيمة، حتى يقض مضجع من يؤلف ومن يقرأ”. وفي ما يتعلق ببطل رواية الصحراء فهو بالنسبة إلى أبو الريش كما يقول “شكل من أشكال السحر، وفعل من أفعال إعادة تشكيل الرمل، ونحت قرص الشمس، بعرق المتشظين عشقا للأنا، والحالمين بالماء والبرد، ولأن الصحراء واسعة، باتساع قلب امرأة، فإن للبطل في روايتها حواره الداخلي ووعيه المتخفي في مضارب الجملة، ولا شعوره القابض على النار والثلج، ما يجعل البطل أو الشخصية هو الرواية في حد ذاتها، وهي الحكاية الأولى منذ بدء الخليقة، ومنذ وضوح الجدلية السابقة عن خيانة الجسد للروح، وسقوط التفاحة من علو الحلم، ثم بروز القوة الخفية للمرأة ككائن يصنع الحكاية ويمضي متزملا بابتسامة، بطل الرواية نسخة من مولد موسى وتيهه في الصحراء، ثم عودته إلى الماء، لتنشق عنه الأسطورة، وتطور العصا إلى ثعبان، والثعبان جزء من الصحراء، شيء من الأسطورة، بعض من القوة الخارقة للبطل”. وإذا كان هذا ينطبق على عالم الروائي أبو الريش نفسه، وربما بعض الروايات والنصوص السردية الأخرى، فإن ثمة رأيا يذهب باتجاه تنوع المشهد اليوم، واختلاف بناء الشخصية، فالكاتب إبراهيم مبارك يعتقد أن ثمة تغييرات مهمة جرت منذ رواية “شاهندة” التي اعتبرت رائدة الرواية في الإمارات، حيث الشخصيات تقوم على بناء بسيط، بينما بطل الرواية والسرد الآن يقوم على بنية مركبة تتصارع فيها صور الماضي مع هذه الحداثة الصادمة، ويقول مبارك “نحن أمام عالم يفتقد البطولة الفردية، ولذلك فالعمل الإبداعي قد تتداخل فيه الشخصيات وتتصارع بحيث لا يكون هناك بطل مطلق في النص، هناك اليوم تنوع وحراك يمثل جموعا لا يمكن اختزالها في بطل مفرد” ويضيف مبارك “انظر إلى الحراك العربي اليوم، لن تجد هذا البطل المفرد القائد، وفي الرواية تظل البطولة تقوم على مستوى وعي الكاتب، فهو الذي يصنع البطل وملامحه. ومن جهة أخرى فهناك أعمال روائية أو قصصية يكون بطلها الزمان أو المكان، حيث يحفر الكاتب في مرحلة زمنية معينة ليرسم معالمها، أو يحاول نبش ملامح مكان ما ومعالمه ليقدمه في عمل فني. فالحداثة لم تعد تستوعب تلك البطولة المطلقة التي نعرفها، وهذا كله بفعل مؤثرات أساسية ربما كان أبرزها التحولات المتسارعة التي أصابت مجتمعاتنا، فخلقت صدمة كبيرة بين الماضي والراهن”. ولنتبين المزيد من عناصر الصورة، ننتقل إلى الجانب النقدي الراصد للمشهد السردي، قصة ورواية، من خلال ناقدين متابعين بصورة جيدة لهذا المشهد، ونبدأ بنقد الجانب الروائي في ما يخص شخصية البطل مع الناقد السوري عزت عمر الذي يقول على المستوى النظري أن “البعد النفسي في الرواية مرتبط بالشخصية الروائية وزمانها ومكانها وبالنظام الرمزي المؤسّس والمعبّر عن ثقافة الروائي في هذا الصدد، لاسيما وأن الرواية حقل معرفي لعالم متخيّل يستمدّ معطياته من خلال الواقع المترع بقضايا إنسانية ترتبط باللحظة الوجودية وجملة ما ينفرز عنها من قلق واغتراب وصراع وعنف ممارس وغير ذلك”. ويخصص في ما يتعلق بالرواية الإماراتية أن “الرواية الإماراتية في معالجتها لهذا الجانب عكست الكثير من المؤثّرات النفسية على سلوك الشخصيات التي ظلّت تعاني من العنف الناجم عن الهيمنة الذكورية المتجليّة في شخصية “النوخذة” والنظام الإنتاجي الظالم في زمانها كما في روايات علي أبو الريش، حيث يقف “النوخذة” في مواجهة بحّارته ويمارس بحقّهم أبشع أنواع العنف بما في ذلك تهشيم الروح الإنسانية التي تتجلّى في الكرامة تحديداً، والأمر ذاته كان قد طرح في الرواية الإماراتية الأولى “شاهندة” من جانب اضطهاد الناس والحطّ من شأنهم بتصنيفهم كعبيد ورغبة الشخصيات في التحرر من هذا النظام الضاغط، ليتشكّل صراع ينعكس على شخصيات الرواية ويؤثّر في مصائرها”. ثم يفرد عزت عمر مساحة خاصة للحديث عن كتابة المرأة فيقول “أما بالنسبة للرواية النسائية فقد عبّرت كثير من الشخصيات النسائية عن معاناتها النفسية الناجمة عن سطوة التقاليد الذكورية قبل وخلال قيام دولة الاتحاد، كما في رواية “طروس إلى مولاي السلطان” لسارة الجروان، وفي رواية “عيناك يا حمدة” لآمنة المنصوري. غير أن طفرة التطوّر الكبير التي طالت البنية المدينية والثقافية والمعرفية دفعت الرواية الإماراتية نحو آفاق جديدة رصدت حال الإنسان في ظلّ مجتمع الرفاهية الجديد ودخول المرأة عالم المال والأعمال وما انفرز عن هذا العالم، الجديد عليها، من تبدّلات قيمية تتجلّى في أشكال: التباهي والمجاملات والحسد والنميمة كما في رواية صالحة غابش “رائحة الزنجبيل” التي رصدت بكثير من الدقّة خفايا النفس الإنسانية المصابة بهذه الأدواء من جانب، والذوات التي حافظت على طيبتها وأصالتها من جانب آخر”. وفي الختام يقول “تتيح الرواية الإماراتية للباحثين في الشأن النفسي والانتروبولوجي الكثير من القضايا المرتبطة بالسلوكيات الإنسانية في أزمنة وأمكنة مختلفة، وتكشف في الوقت نفسه عن ارتباط هذه السلوكات بالقيم الثقافية والفلسفة الشعبية وتحوّلاتها المتسارعة وأثرها على الشخصيات الروائية”. وعلى مستوى البطل في النصوص القصصية كان الحديث للقاص والناقد إسلام أبو شكير الذي يرى أنه “مما يلفت الانتباه في الشخصية القصصية في الأدب الإماراتي أنها ظلت محكومة بثنائيات تضغط عليها، وتسهم في تشكيل معظم ملامحها النفسية والسلوكية والفكرية، ومن هذه الثنائيات (الخير والشر، الماضي والحاضر، الأنا والآخر، البداوة والحضارة). ونتيجة لذلك تبدو الشخصية متصلبة في مواقفها، متخذة لنفسها خطاً واحداً تلتزمه، وتكاد لا تحيد عنه. فهي شخصية واضحة الملامح، ومن السهولة بمكان أن تحكم عليها، وتعبر عن انحيازك لها، أو رفضك لها، تبعاً لوجهة نظرك فيما تلتزمه من مواقف. لكن أعمالاً متأخرة في الأدب القصصي الإماراتي قدمت نماذج مختلفة نسبياً، لا سيما في أعمال الجيل الجديد من المشتغلين في الفنون السردية، حيث بدت الشخصية القصصية ذات ملامح مركبة، قربتها من طبيعة الإنسان، كما أن هذه الأعمال حررت الشخصية من قبضة المؤلف، وخففت عنها عبء تجسيد وجهة نظره أو موقفه، فانطلقت الشخصية تعبر عن ذاتها هي، ما جعلها أكثر واقعية، وأقرب بالفعل إلى مفهوم الشخصية القصصية”.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©