الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصين وتايوان: من الخلاف إلى تشابك المصالح

الصين وتايوان: من الخلاف إلى تشابك المصالح
27 نوفمبر 2008 02:18
في الماضي كانت تايوان تعتمد على دعم الرؤساء الأميركيين للحفاظ على وجودها المستقل في عالم يشهد تمدداً متزايداً للنفوذ الصيني، لكن الخطوات الأخيرة نحو علاقات أكثر دفئاً بين البلدين قد تعني أن تايوان لن تكون في حاجة ماسة إلى باراك أوباما عندما ينصّب رئيساً، كما كان عليه الحال في السابق· ففي مطلع الشهر الجاري أصبح ''تشين يو-لي'' أبرز مسؤول صيني يزور الجزيرة منذ هروب ''شيانج كاي -شيك'' من البلد الأم واحتمائه بتايوان في عام ،1949 حيث استمرت زيارة ''تشين''، رئيس ''جمعية العلاقات عبر مضيق تايوان'' إلى تايبيه خمسة أيام، لتسجل مرحلة جديدة من الدفء الدبلوماسي تجتازها العلاقات بين الدولتين بعد ثماني سنوات من التوتر الذي ميز فترة الرئيس ''نشين تشو-بين'' ذي التوجه الانفصالي· وعلى هامش الزيارة الأخيرة، وقع الجانبان أربع اتفاقيات شملت جملة من القضايا المشتركة، مثل مد الخطوط الجوية والبحرية بين الطرفين، وإقامة خدمة للبريد على ضفتي المضيق، ثم الاتفاق على معايير مشتركة للسلامة الغذائية· ومع أن الصين سعت على مدى العقود الماضية لإقامة خطوط ملاحية مفتوحة ومباشرة بين البلدين وشبكة للاتصالات، فضلاً عـــن خدمــــة البريـــــد وفتـــح الرحلات بين الجانبين··· كطريق يفضي إلى الوحدة، ورغم الاستثمارات التايوانية المتزايدة في الصين، فقد ظلت تايبيه متحفظة إزاء انفتاح بكين خوفاً من توسع النفوذ الصيني داخل تايوان· وبسبب هذه المخاوف ظلت عملية الربط بين الجانبين مؤجلة لوقت طويل، لما يطرحه التفاوض المباشر من تنازلات مشتركة عن بعض الرموز السيادية التي تصر عليها تايوان، وتستميت الصين في رفضها، أو التساهل إزاءها· لكن الزيارة الأخيرة للمسؤول الصيني البارز إلى تايبيه تشير إلى النضـــج الذي بلغته العلاقـــات الثنائية بعد اتفاق البلدين على تنحية خلافتهما جانباً، وتأجيل القضايا المسببة لتلك الخلافات لأكثر من ستين عاماً، والتركيز بدلاً من ذلك على المصالح المشتركة بين بكين وتايبيه· فقد دأبت الصين طيلة السنوات السابقة على التصرف مع جارتها الصغيرة بناءً على اعتقاد راسخ بأنها (أي الصين) قادرة على استعادة تايوان إلى أحضان ''الوطن الأم'' عبر التعــــاون الاقتصــــادي الذي من شأنـــه إقنـــاع الشعـــب التايواني في النهايـــة بفوائــــد الوحــــدة· وبالطبــــع لم تتخلَ الصين أبداً عن تهديدها بضــــم تايوان بالقوة، إذا ما أعلنت هــذه الأخيرة استقلالهـــــا· وفيما تعتبر الخطوة الأخيرة بربط الاتصال بين البلدين، انتصاراً حقيقياً للصين، استطاعت تايوان أيضاً جني العديد من المكاسب؛ مثل خفض تكاليف التجارة والاطمئنان على الاستثمارات التايوانية في الصين· بيد أن التقارب الاقتصادي بين البلدين لا يعني انتفاء الخلافات السياسية التي استمرت لأجيال متلاحقة، فتايوان لم تتمكن بعد من إقناع الصين بسحب صواريخها الموجهة نحوها، كما أن مشاركة تايبيه في المنظمات الدولية ستبقى رهناً بموافقة الصين ورغباتها· وفي المقابل مازالت الصين بعيدة عن نيل مطالبها السياسية، حيث تصر تايوان على التمسك بسيادتها مفندة المخاوف لدى بعض الفئات الشعبية التي نزل أعضاؤها إلى الشارع في تايبيه متهمين الرئيس ببيع البلاد إلى الصين· ويفضل معظم التايوانيين أن تكون الزيارة الأخيرة للمسؤول الصيني الكبير تكريساً لاستقلالهم عن الصين واعترافاً بسيادتهم الوطنية، لاسيما وأن استطلاعات الرأي أشارت إلى أن 72% من التايوانيين يعتبرون تركيز المفاوضات مع الصين على القضايا العملية هو أفضل الطرق لتسوية النزاع الصيني التايواني· والحقيقة أنه ليس هناك في مواقف النخبة التايوانية ما يشير إلى احتمال قبولها مبدأ الصين الواحدة الذي تروج له بكين، أو الحصول على وضع إداري مستقل على شاكلة هونج كونج دون الوصول إلى الاستقلال التام، حيث تحتم ضرورات الاستقرار الداخلي على الرئيس التايواني الاستمرار في نهج التقارب الاقتصادي مع الصين، لكن من دون التفريط في سيادة بلاده· وتكمن الدلالات الحقيقية لهذه الخطوة الأخيرة بين البلدين والاتفاقات الموقعة بينهما، فيما تشير إليه من تحول جديد في علاقاتهما يهمش الخلافات السياسية على حساب التواصل التجاري وإنشاء بنية تحتية قادرة على تعزيز الرخاء لدى الشعبين· وفي هذا الإطار ربما يتم تجاوز الدعوات المتعصبة، سواء من قبل تايبيه ومطالبها الاستقلالية، أو من قبل الصين وتهديداتها المتكررة بضم تايوان، تحقيقاً للمصالح المشتركة التي ترسي قواعد جديدة قائمة على الاعتماد المتبادل بين الدولتين وعلى تشابك علاقاتهما الثنائية· سد جولدسميث-تايوان ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©