الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ميدفيديف «الإصلاحي»... سيناريو بوتين!

22 مايو 2011 20:58
في الوقت الراهن ينشغل المراقبون بمن سيتبوأ القمة في معركة اختيار الرئيس القادم لروسيا. في الوقت ذاته يتزايد الانشقاق بين رئيس الوزراء فلاديمير بوتين والرئيس الحالي"ديمتري ميدفيديف" - كما يقول أحد الخبراء المعروفين في موسكو. ويؤكد لنا صحفي واسع النفوذ أن ميدفيديف قد أصبح رمزاً للتغيير على الرغم من أن هناك عدداً محدوداً من الروس هم فقط الذين يراهنون عليه كإصلاحي موالٍ للغرب. وهذا تحديداً هو ما يحتاج إليه بوتين في إطار استعداده لخوض انتخابات مارس 2012: أن يعتقد العالم أن هناك منافسة بينه وبين ميدفيديف في موسكو.. وأن يعتقد العالم أن ميدفيديف لديه فرصة للفوز في تلك الانتخابات.. وأن يأمل هذا العالم أن ميدفيديف زعيم ليبرالي. ولو كانت المنافسة من أجل السيطرة على روسيا عرضاً من عروض تلفزيون الواقع، لجاز لنا أن نطلق عليها مسمى "البقاء" لأن مخرج اللعبة"بوتين" نفسه يسعى إلى جعلنا جميعاً في حالة تخمين، ويسعى إلى أن يمنحنا جميعاً الأمل في رؤية رغباتنا وقد تحققت. وأصحاب التيار المحافظ في روسيا يودون أن يعود بوتين إلى الكريملن، أما الليبراليون والغرب فيودون أن يؤمن ميدفيديف فترة رئاسة ثانية ويصبح رئيسا فعلياً، أما عن المسألة التي نقصدها وهي تحويل ميدفيديف إلى رمز للآمال الإصلاحية فإنها كانت أكبر خدعة لبوتين حتى الآن. ربما تكون معتقدات ميدفيديف أكثر ليبرالية في الحقيقة من معتقدات صديقه الكبير الذي جاء به إلى السلطة، وربما يكون فريق كل رجل منهما - وهو الأمر الطبيعي في هذه المرحلة - منهمكاً في شد الحبل في اتجاهه من أجل ترجيح كفته، ولكن من المؤكد أن سحابة الدخان التي يثيرانها مقصود بها إضفاء مصداقية على الحملة - التي تتظاهر - بالسعي لإبقاء خليفة بوتين في السلطة. ولكن ليس هناك دليل على أن هناك أي سلطة حقيقية تمضي في الوقت الراهن في الاتجاه الذي يريده ميدفيديف. فالصورة السائدة عنه هي أنه مصلح ليبرالي موالٍ للغرب لكن لو نظرنا إلى سجله في الحكم سنجد أنه على الرغم من أنه -كرئيس- قد دعا إلى الحرية، وحكم القانون، إلا أنه سعى في الآن ذاته إلى زيادة صلاحيات جهازين من أجهزة إنفاذ القانون، كما سعى لتمديد فترة ولاية الرئيس (إلى ست سنوات)، كما اتخذ موقفاً سلبياً من المحكمة التي تمت بناء على تهم ملفقة لقطب النفط الملياردير "ميخائيل خودوركوفسكي"، كما أنه سمح باستخدام العنف في فض التجمعات التي احتشدت دفاعاً عن الدستور واحتجاجاً على ضرب المعارضة، كما أشرف على تقديم تشريع يوسع من قدرة الدولة على القمع. وميدفيديف لا يكف عن مهاجمة الفساد، في حين أن الفساد في عهده قد وصل إلى مستويات غير مسبوقة حيث يقال إنه قد تحول إلى أسلوب حياة، والرشوة قد وصلت إلى ما يقرب من 300 مليار دولار سنوياً. كذلك يتحدث ميدفيديف عن تحسين المناخ الاستثماري في حين أن الدوائر المقربة منه قد ارتكبت من المخالفات ما يحول دون تحقيق هذا الهدف. صحيح أنه قد أبعد العناصر الموالية لبوتين من رئاسة مجالس إدارات الشركات الكبرى في روسيا.. ولكن أليس هو الذي اختار العناصر البديلة؟ أما هؤلاء الذين يأملون أن ميدفيديف سوف يتبع خطأ أكثر ليونة في السياسة الخارجية فعليهم أن يتذكروا أن الرجل كان حريصاً على تقديم نفسه كـ"رئيس حرب" وتولى المسؤولية بالفعل عن الحرب الروسية ـ الجورجية، وهدد أوكرانيا ورئيسها السابق "فيكتور يوشنكو"، وبدأ النزاع مع اليابان حول جزر"الكوريل"، وتنبأ عندما رأى الثورات العربية بأن هناك" قوى معينة تعد نفس الشيء لروسيا". بعد كل ذلك لا بد أن نطرح السؤال: ما السبب الذي يدعو الناس للاعتقاد بأن ميدفيديف سياسي إصلاحي؟ أن آمال قيامه بتحريك آلية التحويل الديمقراطي تسمح لمؤيديه بالاستمرار في تقديم الولاء لسلطات الدولة دون أن يفقدوا كرامتهم. ومثل هذا الشيء سيكون أصعب كثيراً بالنسبة لهم إذا ما اعترفوا بأنه ليس هناك فارق حقيقي بين ميدفيديف وبوتين فيما يتعلق بنظام الحكم الذي يديرانه. أما بالنسبة للدوائر السياسية الغربية، فتأمل أن يتمكن ميدفيديف الإصلاحي من وضع أساس لسياسة" أعادة الضبط"، لأنه من دون تلك الآمال التي يعقدونها على الرجل سيكون مصير تلك السياسة هو التقويض. المشكلة بالنسبة لروسيا أن جميع المحاولات الرامية لفرض الإصلاح عليها من أعلى لم تؤد سوى لإطالة أمد نظام القوة المشخصنة الذي قاد البلاد تاريخياً إلى مصائر محتومة. والمفارقة هنا إن إطالة أمد ميدفيديف في السلطة قد تؤدي إلى توجيه ضربة قاصمة لآمال اللبرلة أكثر مما لو عاد بوتين مرة ثانية إلى الكريملن. بوتين ليس لديه خطط للرحيل، وليس لديه مكان يذهب إليه، وبالتالي ليس لديه من خيار سوى أن يعود مرة أخرى رئيساً للكريملن. وقرار بوتين الأخير بتكوين حزب "جبهة عموم روسيا الشعبية" وتولي رئاسته يعتبر أوضح المؤشرات حتى الآن على أن نهاية ميدفيديف السياسية قد اقتربت. فضلاً عن ذلك فإن امتناع ميدفيديف عن تجاوز نمط تصريحاته المألوفة خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في الثامن عشر من مايو يبين بوضوح أن ليس لديه طموحات سياسية، وأنه ليس على استعداد لتحدي بوتين. أما هؤلاء الذين يراهنون على محصلة الانتخابات الرئاسية القادمة فعليهم ألا ينسوا أن بوتين هو الرجل الذي يدير شبكة الرهانات. ليليا شيفتسوفا زميل أول بمؤسسة كارنيجي للتعاون الدولي فرع موسكو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©