الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عليك بالجزيرة يا مارادونا

عليك بالجزيرة يا مارادونا
19 مايو 2012
آخر مباراة تابعتها بالكامل كانت قبل عشر سنوات، وفي الحقيقة لم أعد أبالي إن لعبوا كرة قدم في بطولة كأس العالم أم اكتفوا بالرقصات الاستعراضية في يوم الافتتاح ثم منحوا الكأس لأي منتخب بالقرعة، ومع هذا، فإنني أتوقف عند أي خبر أو موضوع أو لقطة تلفزيونية يكون فيها مارادونا. هذا الاهتمام بمارادونا يجعلني أرجوه أن يبتعد عن شيء اسمه كرة قدم، ويشتري جزيرة في جزر العالم بدبي ويعيش عليها مع من يحب ويرسل لوسائل الإعلام العالمية كل يوم خبراً واحداً لا تتغير صيغته: أقول لأحبائي إنني بخير. حضر مارادونا قبل سنة إلى دبي لتدريب نادي الوصل، ولسوء حظه أن ناديه لم يكن موفقاً في هذا الموسم، ولم يحرز الدوري ولا الكأس ولا أي بطولة تتعلق بكرة القدم. وأعتقد أن مارادونا كان يقف أمام المرآة بعد نهاية كل جولة يبتعد فيها الوصل عن المقدمة، ويتساءل: أنا دييغو أرماندو مارادونا، أسطورة الكرة، وأفضل لاعب في العالم الذي لم يكن هناك لاعب أفضل منه من قبل ومن بعد، وحتى هذه اللحظة لم يجرؤ أحد على القول إن ميسي أو أي بطيخ آخر هو أفضل من مارادونا. هل أعي هذه الحقيقة أم أنني لم أعد مارادونا؟ أنا مارادونا الذي انتشل فريقاً «كجرة» يدعى نابولي وأحرزتُ معه، أو له بلا تواضع، الدوري الإيطالي، والكأس، والسوبر، وكأس الاتحاد الأوروبي، وعاد الفريق إلى مستواه الحقيقي ضمن فرق «الأي شيء» بعد رحيلي عنه. أنا مارادونا الذي ذهبت جماهير نادي نابولي بعد إحراز تلك الانتصارات العالمية إلى مقابر المدينة، وراحوا يسألون الموتى بشكل جنوني: لماذا متم قبل أن تروا مارادونا ماذا يفعل لنادي مدينتكم؟ أنا مارادونا اللاعب الوحيد في العالم الذي يعرف الجميع أنه هو وحده الذي أحرز للأرجنتين بطولة كأس العالم في المكسيك سنة 1986، حتى لم يعد أحد يتذكر أن هناك عشرة لاعبين آخرين كانوا يجرون في الاتجاه الذي أجري فيه. أنا مارادونا الذي لم يعد للإعجاب بي أي معنى، فأنا الأمر الواقع في الكرة، واللاعب الضرورة، وحين يأتي مدرب شهير ويقول: بصراحة كنت من المعجبين بلعب مارادونا، فإن كلامه يكون مضحكاً، كأن يقول شخص أنا أؤيد استنشاق الأوكسجين، أو أنا من المعجبين بالكرة الأرضية. ويواصل مارادونا مراجعة نفسه أمام المرآة: ماذا أفعل في نادي الوصل الإماراتي بالله عليّ؟ ماذا أفعل في نادي يعرف الجميع بأنه ليس النادي الأفضل حالياً في الإمارات؟ وربما مارادونا لا يفكّر بهذه الطريقة، وربما استطاع أن يفصل بين مارادونا اللاعب ومارادونا المدرّب، لكن إن لم يكن يفكّر أمام المرآة كما أتخيّل فهو إنسان غير طبيعي، ولا يعرف من هو بالضبط. والمشكلة ليست في نادي الوصل، فلو درّب مارادونا نادي الوحدة مثلاً، فإنه سيفكّر من جديد، أو يجب أن يفكّر: وهل يستطيع نادي الوحدة التغلّب على نادي برشلونة الإسباني مثلاً، ليس في مباراة واحدة قد تكون بالصدفة، وإنما في عشر مباريات متتالية؟ وأكرر، المشكلة ليست في أندية الإمارات، وإنما في مارادونا، فلو اتجه فوراً إلى برشلونة لتدريب هذا الفريق الأفضل في العالم كما تقول موسوعة «ويكيبيديا»، فهل يضمن أن يبقى هذا الفريق منتصراً إلى ما لا نهاية، ليكون نسخة منه باعتباره المنتصر إلى ما لا نهاية؟ ألن يقف كالعادة أمام المرآة: ما الذي أفعله هنا؟ لماذا أدرب فريقا كان هو الأفضل من دوني؟ وإن اتجهتُ لتدريب الفريق الثاني في المجد، ريال مدريد كما تقول الموسوعة، فهل يليق بي كمارادونا أن أدرّب فريقاً هناك فريق أفضل منه بينما ليس هناك لاعب أفضل مني؟ ولنفترض أن برشلونة أقسم على مارادونا أن يدرّبه، فهل هناك لاعب في هذا النادي أفضل منه؟ ألن يشعر جميع اللاعبين بأنهم «لا شيء» أمام عظمة مدربهم حين كان لاعباً؟ هل سيجد أفضل لاعب في هذا الفريق، ميسي كما يقولون، الرغبة في اللعب تحت إشراف مدرب هو يعرف يقيناً بأنه مهما قفز وتنطط في الملعب فإنه سيبقى اللاعب «نمبر تو» في تاريخ الكرة؟ وهل يمكن أن يخطر ببال ميسي أن مدربه مارادونا يشعر بالرضا عن أدائه؟ إن خطر بباله فإن ميسي فعلاً يستحق الضرب، وإن لم يخطر بباله فإنه سيبقى يشعر بعدم الرغبة في اللعب مع مارادونا. وما دام ميسي يشعر بهذه المشاعر تجاه مارادونا، فإن اللاعبين العاديين سيشعرون بالخجل من التفنن بالكرة أمام مارادونا. وكل اللاعبين ينتقمون من المدربين، على الأقل بينهم وبين أنفسهم، وهذا ما يساعدهم على المضي في اللعب وعدم إعلان اعتزالهم الكرة، إذ كلما صرخ المدرب في وجهه أو وجّه إليه كلاماً قاسياً، فإن اللاعب يقول في نفسه وهو ينظر في عيني المدرب: الكلام بـ«بلاش» يا أبا كرش، تستطيع وأنت تجلس مع اللاعبين الاحتياط أن تثرثر في الكرة، لكن أين كانت شطارتك حين كنت لاعباً؟ هل تعتقد أننا لا نعرف أنك لم تكن اللاعب الأفضل؟ كنا نراك ونحن صغار وأنت «تشوت آوت». لكن الذي يلعب تحت إشراف مارادونا لا يجرؤ على مخاطبته حتى بينه وبين نفسه، ماذا سيقول مثلاً: وما أدراك أنت باللعب يا مارادونا؟ هل جرّبت الجري 90 دقيقة في الملعب؟ هل أحرزت هدفاً مثل الناس في حياتك؟ مارادونا يا عزيزي، عليك بالجزيرة. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©