الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مساعدة المحتاجين والمنكوبين أولى من حج النافلة

مساعدة المحتاجين والمنكوبين أولى من حج النافلة
28 نوفمبر 2008 01:30
الحج سياحة المؤمن إلى أطهر أرض، والركن الخامس في العقيدة الإسلامية لمن استطاع إليه سبيلاً، فرضه الله تعالى على المسلم البالغ المستطيع مرة واحدة في حياته، وما زاد على ذلك يعتبر تطوعاً أو حج نافلة، غير أن كثيراً من المسلمين يكررون حج النافلة بينما يهملون فرائض أخرى، وعندما تقدم النافلة على الفريضة يصبح هناك خلل يستدعي المراجعة، والتباس يتطلب توضيحه للناس· من سماحة الإسلام أنه فرض الحج على المسلم مرة واحدة في العمر، حيث قال - صلى الله عليه وسلم ''يا أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا''، فقال رجل: أفي كل عام يا رسول الله، قال: ''لو قلتها لوجبت، الحج مرة، فما زاد فهو تطوع''· أخْرَجَه أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ· يعلم حكمة هذا التيسير من تمكن من أداء الفريضة في الأعوام الأخيرة، حيث رأى تدافع الحجاج وتزاحمهم، بل عدم تمكنهم من تأدية بعض المناسك إلا بالإنابة أو بشق الأنفس· وإذا كان هذا أحد الوجوه لحكمة فرض الحج مرة واحدة في العمر، إلا أنه ثمة وجوه أخرى لهذه الحكمة، منها توسيع سبل الخير أمام المسلمين الموسرين، فالإسلام يدعوهم إلى التجارة الرابحة مع الله والإنفاق في سبيله، حتى يفوزوا بثواب الله العظيم، فيقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم· تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون· يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم· وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين) (الصف: 10-13)· ولدينا العديد من وجوه الخير قد يفضل ثوابها أجر حج التطوع، ومع ذلك نرى الكثيرين من أغنياء المسلمين يتطوعون بالحج مراراً بعد أن أدوا حج الفريضة، ظناً منهم أنه لا قبول لعمله، ولا سبيل لمرضاة ربه إلا بالتطوع بالحج مرة بعد مرة· ويؤكد الدكتور محمد عبد الرحيم البيومى الأستاذ بكلية القانون بجامعة الإمارات، أن هؤلاء وأمثالهم ممن اختزلوا الإسلام بما يحويه من بر وخير فى عمل واحد فريد ويغيب عنهم أن هناك فرائض اجتماعية أوجب عليهم من حج النافلة· ويرى أنهم محاسبون ومسؤولون أمام الله تعالى عن تقصيرهم فى هذه الواجبات التى بإمكانهم المساهمة فى إقامة أركانها بفضل أموالهم التى ينفقونها فى حج النافلة، مشيراً الى أن من يحج مرة بعد مرة، وهو غافل عن جار محتاج أو مكلوم علم بحاله وفى قدرته إغاثة لهفته وإقالة عثرته فإن الله تعالى يسأله عنه، موضحاً أن ''حجة النافلة لن تغنى عن هذا السؤال شيئاً''· وينبه الى أن واقعنا الإسلامى يعانى من غياب كثير من الفرائض الاجتماعية، أو على الأقل من سوء فهم لها، مبينًا أن هذه الفرائض فرضها الله تعالى علينا بقوله (وتعاونوا على البر والتقوى)، وقوله (ولا تنسوا الفضل بينكم)، وقوله تعالى (وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم)، وكما يقول النبى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذى رواه مسلم: ''مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى''، ويقول - صلى الله عليه وسلم- في حديث رواه البزار ''ما آمن بى من بات شبعان وجاره جائع إلى جواره وهو يعلم''· ومفهوم الجار هنا يتجاوز الملاصقة فى البنيان، ليشمل كل مسلم علم الموسرون به وبعثرته فحق عليهم أن يهبوا لنجدته فى شتى البقاع ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، لذا فإن توجيه نفقات حج النافلة والتطوع الى هذه الأمور من أحب الأعمال وأقربها إلى الله تعالى- كما يقول الدكتور البيومي- لأن الدين الذى شرع الحج وفرضه على المسلمين نزل لمصالح العباد أجمعين، ويحيا الجميع تحت مظلّةِ عدالته· ويوضح أن العديد من النصوص الدينية، تبين فضائل الأعمال التى تعادل أجرها ثواب الحجة، ومن ذلك ما رواه الإمام الترمذى ''مَنْ صلّى الصبح في جماعة ثم جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلّى ركعتين كان له مثل أجر حجة وعمرة تامة'' قال النبي ''تامة تامة تامة''· كما أن شهود صلاة الجمعة يعدل حجةَ تطوّع، قال سعيد بن المُسيِّب: ''هو أحبُّ إليّ من حجة نافلة''، وروى أبو داود في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ''مَنْ تطهّر في بيته ثم خرج إلى المسجد لأداء صلاة مكتوبة فأجره أجر الحاجّ المحرم، ومَنْ خرج لصلاة الضحى كان له مثل أجر المعتمر''· ويناشد الدكتور محمد البيومى من يتطوع كل عام بحجة أن يوظف نفقاتها للمساهمة في حل مشكلات أمته من فقر وجهل ومرض، مشيراً الى أن عبدالله بن المبارك قد عاد من طريقه إلى الحج عندما رأى عائلة فقيرة محتاجة فأعطاها ما معه من مال وعاد إلى وطنه وقال: هذا خير من حجّي هذا العام· ويشير إلى أن الله لا يقبل نافلةً حتى تؤدى الفريضة، وما أكثر الفرائض الغائبة التى أهملها المسلمون اليوم، فلو أن مئات الأُلوف الذين يتطوّعون سنوياً بالحج والعمرة، رصدوا ما يُنفقون من حجهم وعمرتهم لإقامة مشروعات إسلامية، أو لإعانة الموجود منها، وتم تنظيم ذلك بشكل جيد، لعاد ذلك على المسلمين عامة بالخير، فضلاً عن أن حجاج النافلة يساهمون في الازدحام الشديد الذي يروح ضحيته حجاج كثيرون من عام الى آخر· أعمال خيرية أجرها أكبر من ثواب حج التطوع ورد عن الحسن أنه أمر ثابت البناني بالمشي في حاجة شخص فقال: إنى معتكف، فقال: ألا تعلم أن مَشْيك في حاجةِ أخيك المسلم خير لك من حجَّةٍ بعد حجَّة· ومما يؤيد ذلك ما ورد في فتح القدير من قول النبى صلى الله عليه وسلم ''من قضى لأخيه المسلم حاجة كان له من الأجر كمن حج واعتمر''· وجاء في جامع العلوم والحكم عن الفضيل بن عياض: ما حجٌّ ولا رباطٌ ولا جهادٌ أشدُّ من حبس اللسان، ولو أصبحتَ يهمُّك لسانك أصبحت في همٍّ شديد· وحذّر علماءُ الأمة وفقهاؤها من الغرور الذي يصيب كثيراً من النفوس، التى تحرص على إظهار عبادتها وقرباتها متجاهلة إنفاق الأموال فيما يعود بالنفع على الأمة التي تصطلى بنار الجوع والفقر والمرض· وجاء رجل ليودع بشر الحافي قائلاً: عزمتُ على الحجِّ أفتأمرني بشيء؟ فقال بشر: كم أعددتَ للنفقة؟ فقال الرجل: ألفي درهم، قال بِشْر: فأي شيء تبتغي بحجِّك؟ تزهداً أو اشتياقاً إلى البيت أو ابتغاء مرضاة الله؟ قال الرجل: ابتغاء مرضاة الله، قال بِشْر: فإن أصبتَ مرضاة الله وأنت في منزلك، وتنفق ألفي درهم، وتكون على يقين من مرضاة الله أتفعل ذلك؟ قال الرجل: نعم! قال: اذهب فأعطها عشرة أنفس (أشخاص) مدين يقضي دينه، وفقير يلمُّ شَعثه، ومعيل يغني عياله، ومربّي يتيم يفرحه، وإن قويَ قلبك تعطيها واحداً فافعل، فإنَّ إدخالك السرور على قلب المسلم وإغاثة اللهفان وكشف الضرِّ وإعانة الضعيف أفضل من مائة حجة بعد حجة الإسلام· وإذا كان ما ذكره بشر أفضل من مائة حجة بعد حجة الإسلام في وقت كانت تمتطى فيه ظهور الإبل للحج، ومن ثم كانت المشقة له سمة وعنواناً، فكيف وقد أصبح في أيامنا سياحةً وترفيهاً لا يكاد يُصدّق؟ الإغاثة فريضة ذهب بعض العلماء الى أن حج الفريضة لا يلزم أُمةً منكوبة·· فكيف بحج النافلة؟! ويطالب الدكتور عبد الغني الغريب طه عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الإسلامية في كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات، كل من حج مرة قبل ذلك، أن يوجه نفقات حج التطوع إلى المحتاجين إليها سواء في وطنه أو خارجه لمساعدة المحاصرين في غزة أو اللاجئين الذين شردتهم الحروب والنزاعات في كثير من بقاع العالم الإسلامي، وكذلك المنكوبين بسبب الفيضانات والكوارث الطبيعية، من خلال الهيئات الرسمية التي توصل هذه المساعدات لهم كهيئة الهلال الأحمر الإماراتية، فلا يجوز أن يموت مئات المسلمين جوعاً ومرضاً، في حين يتزاحم الناس على حج النافلة، ويتباهى البعض بأنه حج عشر مرات· ويؤكد أن إغاثة امثال هؤلاء فريضة، بينما حج التطوع لا يعدو أن يكون نافلة، ولا يجوز أن تقدم نافلة على فريضة، موضحاً أن التبرع بتكاليف حج النافلة في سبيل الله أفضل من تكرار الحج، وهنا يحصل الإنسان على ثوابين، ثواب التبرع بالأموال في سبيل الله، وثواب ما نواه بقصد طاعة الله وإقامة الشعائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©