الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مدارس بخارى قلاع علوم الدين الصامدة في وجه التحديات

مدارس بخارى قلاع علوم الدين الصامدة في وجه التحديات
28 نوفمبر 2008 01:34
بخارى إحدى أقدم المدن في آسيا الوسطى، تمتعت منذ نشأتها الأولى بنوع من القداسة الدينية، فاسمها مشتق من اسم بخار الذي لايزال يعني في لغة المغول معبد النوبهار البوذي، أما في عهودها الإسلامية فقد كانت أحد أهم مراكز العلم في العالم الإسلامي حتى عرفت في مصادر الترك ببخارى الشريفة، حيث ينسب إليها الإمام البخاري صاحب أصح كتاب في الحديث النبوي، وأنشئ بها العديد من المدارس الدينية ذات العمارة والزخارف المتميزة· وقد فقدت دور العلم الأولى في المدينة التي تقع حالياً في جمهورية أوزبكستان، بسبب إصرار جنكيز خان على إحراق المدينة جزاء مقاومتها الباسلة للجحافل التترية، ولم تبدأ حركة الإعمار إلا منذ منتصف القرن السابع الهجري ''13م'' عندما تم إنشاء مدرستي الخانية والمسعودية· وتعد مدرسة أولوج بيك، حفيد تيمورلنك أقدم مدارس بخارى القائمة، وكان أولوج على طرف النقيض من جده الأسطوري، فلم يشتهر كحاكم ومحارب، وإنما كواحد من ألمع العلماء والباحثين والمناصرين للعلوم والفنون· وخلال حكم أولوج بيك تم تشييد العديد من المساجد العظيمة والمدارس، كما شيد الحاكم التيموري مرصداً ضخماً في سمرقند ليجري به دراساته الفلكية، وحقق أولوج بيك بفضل حبه العميق للعلم ومواهبه الفائقة وطموحه، نتائج باهرة كمؤسس ومدير لمدرسة الفلك المشهورة في أرجاء العالم· وشيدت مدرسة أولوج بيك في بخارى عام 820هـ ''1417م'' ضمن خطة الملك التيموري لإنشاء مدرستين أخريين معها، إحداهما في سمرقند، والثانية في جيزدوان إحدى ضواحي بخارى· ورغم أنها تعتبر مدرسة صغيرة، فإنها متوازنة التصميم ومتكاملة العناصر بالنسبة لتقاليد العمارة التيمورية في تلك الفترة، وهي ذات تصميم تقليدي يتألف من صحن أوسط وإيوانين متقابلين يقعان على المحور الطولي· أما الجانبان الآخران من الصحن، فبهما مبان مؤلفة من طابقين من حجرات ذات قباب، ويبدو أنها كانت تستخدم كخلاوى لإقامة طلاب المدرسة· وتطل مساكن الطلاب على الصحن بواجهة معقودة· وتغطي مسجد المدرسة قبة، تمتاز جدرانها بالزخارف الرائعة الكثيفة وهي مكونة بشكل رئيسي من زخارف هندسية وكتابية استخدمت في تنفيذها بلاطات خزفية مزججة وتم ترميم بعض هذه الأجزاء في عام 1585م· وتتميز واجهة المدرسة بوجود مدخل كبير معقود مع أبراج صغيرة للمآذن على الجانبين، وتفصل بينهما حجرات صغيرة كانت تستخدم لأغراض مختلفة كالتدريس، واختار أولوج بيك أفضل الخطاطين في بلاطه ليكتب بأعلى مدخل المدرسة نص الحديث النبوي الشريف ''طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة''· وتحتفظ مدرسة أولوج بيك ببابها الأصلي المؤلف من مصراعين خشبيين وصنعا بحشوات معشقة في بعضها، وتزدان هذه الحشوات بزخارف نفذت بالحفر وباسلوب التطعيم بالعاج والباب مصفح أيضاً بأشرطة من البرونز· واحتفظت كتب التاريخ باسم المهندس المعماري الذي صمم هذه المدرسة وأشرف على بنائها، وهو إسماعيل بن طاهر بن محمود الإصفهاني، وهو ابن للمعماري الإيراني الشهير طاهر الإصفهاني الذي حمله تيمورلنك من تبريز للعمل في البلاط التيموري بسمرقند· وتعد مدرسة ميرعرب أو أمير العرب نسبة إلى مشيدها الشيخ عبدالله اليمني، واحدة من أبرز مدارس بخارى الشهيرة، وكان الرجل صاحب نفوذ كبير في بلاط الأتراك الاشتراخانيين الذين ورثوا الأوزبك الشيبانيين في حكم بخارى أوائل القرن العاشر الهجري ''16م''· وشيدت مدرسة مير عرب حوالي عام 943هـ ''''1535م، وسرعان ما أصبحت واحدة من أكبر المدارس في بخارى، إذ كانت تضم مئة خلوة لإقامة الطلاب وتدل بقاياها على تقدم في هندسة البناء خلال تلك الفترة، وهو ما يتجلى بوضوح في القبة الرائعة التي تغطي قبر ''ميرعرب''، وقد بقي منها بعض الزخارف والكتابات المنفذة بالفسيفساء الخزفية المتعددة الألوان على جدران وعقود وحنايا بناء القبة، التي ترتكز على أربعة عقود متقاطعة· ويعد ذلك من التقاليد المعمارية الموروثة عن عمائر التيموريين وتحفل الجدران الداخلية للمدرسة برسوم الازهار والأوراق النباتية المنفذة أيضاً بالفسيفساء· مدرسة ميرعرب ملتقى الدعاة في آسيا الوسطى قيض لمدرسة ميرعرب أن تلعب دوراً مهماً خلال العهد السوفييتي في تأهيل وتخريج القيادات الإسلامية، وهي اليوم من المراكز التعليمية الكبرى في جمهورية أوزبكستان، ويقصدها للدراسة أبناء المسلمين من جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية ومناطق الفولجا والقوقاز· وبقدر ما وفّر ذلك استمراراً تقليدياً لدور المدرسة التاريخي، بقدر ما أصبحت مدرسة مير عرب رمزاً للإخوة الحميمة بين مسلمي التركستان بغض النظر عن قومياتهم، إذ يدرس بها تلاميذ من أذربيجان وداغستان وقيرغيزيا وقازاخستان وطاجيكستان وتركمانيا وتتاريا واوزبكستان· ورغم تعدد لغات الدارسين، فهم لا يواجهون أي صعوبة في الدراسة لحصولهم على علوم أولية قبل الالتحاق بمدرسة ميرعرب، وهي علوم دينية تدرس بالعربية ولإصرارهم على تحصيل العلوم الدينية، وهو ما يسهل استيعابهم للغة العربية كلغة علم وثقافة للمسلمين كافة· ويسعى الأساتذة في هذه المدرسة لغرس الوعي والمعرفة وحب العلم في نفوس الطلاب وتربيتهم بروح إسلامية خالصة، ويعد تجويد تلاوة القرآن الكريم مادة رئيسية في مناهج المدرسة، ثم مادة تفسير القرآن والأحاديث النبوية الشريفة وأحكام الشريعة والتاريخ الإسلامي· ويبدأ العام الدراسي بمدرسة ميرعرب في شهر سبتمبر وينتهي في يونيو من كل عام وتعطل الدراسة في شهري يوليو واغسطس فقط نظراً للحرارة الشديدة لمناخ بخارى في هذا التوقيت· ويتدرب طلاب السنوات النهائية عملياً داخل المسجد التابع للمدرسة على الإمامة وإلقاء الخطب والمواعظ· وبعد الانتهاء من الدراسة يعين بعض الخريجين كأئمة في المساجد، ويعمل بعضهم في الإدارة الدينية التي تشرف على إدارة شؤون المدارس والمساجد، وقد يلتحق بعض الخريجين من مدرسة ميرعرب بالجامعات الإسلامية العريقة خارج أوزبكستان مثل جامعة الأزهر بالقاهرة، وجامعة القرويين في المغرب، والجامعة الإسلامية في ليبيا، ويذهب البعض الآخر لمزيد من الدراسات المتقدمة في معهد الإمام البخاري للدراسات الإسلامية في العاصمة الأوزبكية طشقند
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©