الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكايات من التراث

حكايات من التراث
28 نوفمبر 2008 01:38
حكى الثوري قال حدثني جبلة بن الأسود، وما رأيت شيخاً أصبح ولا أوضح منه· قال: خرجت في طلب إبل لي ضلت فما زلت في طلبها الى أن أظلم الظلام، وخفت الطريق، فصرت أطوف وأطلب الجادة فلا أجدها· فبينما أنا كذلك إذ سمعت صوتاً حسناً بعيداً وبكاء شديداً، فشجاني حتى كدت أن أسقط عن فرسي، فقلت لأطلبن الصوت ولو تلفت نفسي، فما زلت أقرب إليه إلى أن هبط وادياً، فإذا راع قد ضم غنماً له الى شجرة وهو ينشد ويترنم: وكنت إذا ما جئت سعدي أزورها أرى الأرض تطـوي لي ويدنو بعيدها من الخفرات البيض ودّ جليســها إذا ما انقضــــت أحـــدوثة لو تعيدهــــــا قال: فدنوت منه وسلمت عليه، فرد عليّ السلام وقال: من الرجل ؟ فقلت: منقطع به المسالك أتاك يستجير بك ويستعينك· قال: مرحباً وأهلاً أنزل على الرحب والسعة فعندي وطاء وطيء، وطعام غير بطيء، فنزلت، فنزع شملته وبسطها تحتي· ثم أتاني بتمر وزبد ولبن وخبز، ثم قال: أعذرني في هذا الوقت، فقلت: والله إن هذا لخير كثير، فمال الى فرسي فربطه وسقاه وعلفه· فلما أكلت توضأت وصليت، واتكأت فإني لبين النائم واليقظان إذ سمعت حس شيء، وإذا بجارية قد أقبلت من كبد الوادي فضحت الشمس حسناً، فوثب قائماً إليها وما زال يقبل الأرض حتى وصل إليها وجعلا يتحادثان، فقلت: هذا رجل عربي ولعلها حرمة له، فتناومت وما بي نوم، فما زالا في أحسن حديث، ولذة مع شكوى وزفرات إلا أنهما لا يهم أحدهما لصاحبه بقبيح· فلما طلع الفجر عانقها وتنفسا الصعداء وبكى وبكيت، ثم قال لها: يا ابنة العم سألتك بالله لا تبطئي عني كما أبطأت الليلة، قالت: يا ابن العم أما علمت أني أنتظر الواشين والرقباء حتى يناموا، ثم ودعته وسارت وكل واحد منهما يلتفت نحو الآخر ويبكي· فبكيت رحمة لهما وقلت في نفسي: واللهن لا أنصرف حتى أستضيفه الليلة وأنظر ما يكون من أمرهما، فلما أصبحنا قلت له: جعلني الله فداءك· الأعمال بخواتيمها، وقد نالني أمس تعب شديد، فأحب الراحة عندك اليوم· فقال: على الرحب والسعة، لو أقمت عندي بقية عمرك ما وجدتني إلا كما تحب، ثم عمد الى شاة فذبحها وقام الى نار فأججها وشواها وقدمها إليّ، فأكلت وأكل معي، إلا أنه أكل أكل من لا يريد الأكل، فلم أزل معه نهاري ذلك، ولم أر أشفق منه على غنمه، ولا ألين جانباً ولا أحلى كلاماً إلا أنه كالولهان، ولم أعلمه بشيء مما رأيت· فلما أقبل الليل وطأت وطائي فصليت وأعلمته أني أريد الهجوع لما مر بي من التعب بالأمس· فقال لي: نم هنيئاً فأظهرت النوم ولم أنم فأقام ينتظرها الى هنيهة من الليل، فأبطأت عليه فلما حان وقت مجيئها قلق قلقاً شديداً، وزاد عليه الأمر فبكى، ثم جاء نحوي فحركني فأوهمته أني كنت نائماً فقال: يا أخي هل رأيت الجارية التي كانت تتعهدني وجاءتني البارحة؟ قلت: قد رأيتها، قال: فتلك ابنة عمي، وأعز الناس علي، وإني لها محب، ولها عاشق وهي أيضاً محبة لي أكثر من محبتي لها، وقد منعني أبوها من تزويجها لي لفقري وفاقتي وتكبره عليَّ فصرت راعياً بسببها، فكانت تزورني في كل ليلة وقد حان وقتها الذي تأتي فيه واشتغل قلبي عليها، وتحدثني نفسي أن الأسد قد افترسها ثم أنشأ يقول: ما بال ميـــــة لا تـــأتــي كعادتهـــــــــــــا أعاقهــا طرب أم صدهـا شغــــــل نفسي فداؤك قد أحللت بي سقماً تكاد من حرّه الأعضاء تنفصل قال: ثم انطلق فغاب عني ساعة وأتى بشيء فطرحه بين يدي فإذا هي الجارية قد قتلها الأسد، وأكل أعضاءها، وشوه خلقتها ثم أخذ السيف وانطلق فأبطأ هنيهة وأتى معه رأس الأسد فطرحه ثم أنشأ يقول: ألا أيهـــا الليـــث المـــــدلّ بنفســـــه هلكت لقد جريت حقاً لك الشــــرا وخلفتني فرداً وقد كنت آنساً وقد عادت الأيام من بعدها غبرا ثم قال: بالله يا أخي إلا ما قبلت ما أقول لك، فإني أعلم أن المنية قد حضرت لا محالة، فإذا أنا مت فخذ عباءتي هذه فكفني فيها وضم هذا الجسد الذي بقي منها معي وادفنا في قبر واحد، وخذ شويهاتي هذه· وجعل يشير إليها فسوف تأتيك امرأة عجوز هي والدتي فأعطها عصاي هذه، وثيابي وشويهاتي، وقل لها مات ولدك كمداً بالحب فإنها تموت عند ذلك فادفنها الى جانب قبرنا وعلى الدنيا مني السلام· قال: فوالله ما كان إلا قليل حتى صاح صيحة ووضع يده على صدره ومات لساعته· فقلت: والله لأصنعن له ما أوصاني به· فغسلته وكفنته في عباءته وصليت عليه ودفنته ودفنت باقي جسدها الى جانبه، وبت تلك الليلة باكياً حزيناً· فلما كان الصباح أقبلت امرأة عجوز وهي كالولهانة، فقالت لي: هل رأيت شاباً يرعى غنماً؟ فقلت لها: نعم· وجعلت أتلطف بها ثم حدثتها بحديثه وما كان من خبره فأخذت تصيح وتبكي وأنا ألاطفها الى أن أقبل الليل، وما زالت تبكي بحرقة الى أن مضى من الليل برهة فقصدت نحوها فإذا هي منكبة على وجهها وليس لها نفس يصعد، ولا جارحة تتحرك· فحركتها فإذا هي ميتة فغسلتها وصليت عليها ودفنتها الى جانب قبر ولدها· وبت الليلة الرابعة فلما كان الفجر قمت فشددت فرسي وجمعت الغنم وسقتها فإذا أنا بصوت هاتف يقول: كنا على ظهرها والدهر يجمعنا والشمل مجتمع والدار والوطن فمزق الدهر بالتفريــــق ألفتنـــــــا وصار يجمعنا في بطنها الكفـــن قال: فأخذت الغنم، ومضيت الى الحي لبني عمهم فأعطيتهم الغنم، وذكرت لهم القصة فبكى عليهم أهل الحي بكاء شديداً، ثم مضيت الى أهلي وأنا متعجب مما رأيت في طريقي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©