الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آفات في ملفات التحالفات!

19 مايو 2015 21:56
لعبة الميسر الدولية لا يكسب فيها من ليست لديه أوراق لعب، ولا ذلك الذي يلعب على المكشوف، حيث كل أوراقه ظاهرة للخصوم. ولا يكسب فيها الشرفاء لأنَّ الشرفاء لا يلعبون الميسر من الأساس. ومن ارتضى أن يجلس على طاولة الميسر الدولية لا بد أن يكون غشاشاً. ولا يمكن أن أصدق من يقول لي إنه يلعب القمار بشرف وفضيلة وأخلاق. ولعبة الميسر الدولية مفروضة الآن على الجميع، فإما أن تلعب، وإما أن تخسر من دون أن تلعب. هذا هو قانون اللعبة القذرة، تلعب أو تخسر إذا رفضت اللعب، فأنت لاعب بإرادتك أو رغم أنفك. لذلك لا بد أن تكون لديك أوراق لعب جيدة، وألا تكون أوراقك مكشوفة. ولا توجد صداقات على طاولة الميسر الدولية. فكل الجالسين عليها خصوم وإنْ جمعتهم طاولة واحدة. ولا توجد اعتبارات إنسانية على هذه الطاولة ولا قيم ولا فضائل. فالجميع يحكمهم المثل العامي المصري الشهير: (اللي تكسب به العب به). المكسب هو الغاية، وهذه الغاية تبرر أي وسيلة، تبرر الغش والخداع والنصب والاحتيال وتسجيل الأهداف من تسلل وشراء الذمم وشراء نتيجة المباراة واختيار أفضل اللاعبين في الفريق الآخر، لكسر أقدامهم وإخراجهم من المباراة. العالم يلعب لعبة الميسر القذرة في كل مجالات الحياة، في السياسة وكرة القدم، والفن، والثقافة، والاقتصاد، وفي الانتخابات التي يقال إنها ديمقراطية.. ولا وجود للشفافية والديمقراطية والنزاهة والفضيلة حتى في أعرق الدول، التي يُقال إنها ديمقراطية. ولم يعد العالم يكيل بمكيالين. هذا كان في الماضي. والآن يكيل بألف مكيال، فلا تكاد تعرف المكيال الصحيح ولا تكاد تعرف الحقيقة في أي أمر من الأمور. حكم المباراة واحد لكن الخاسر يراه ظالماً ومتحيزاً وربما مرتشياً والفائز يراه عادلاً ونزيهاً ومحترماً ومحايداً. والحديث في السياسة بالعالم كله وخصوصاً في أمتنا العربية أصبح مثل الحديث والحوار في كرة القدم. لا طائل منه ولا نتيجة له ويصيبك بالصداع ولا تصل إلى أي حقيقة. فالهدف هو نفس الهدف، لكن فريقاً يراه من تسلل واضح وفاضح وآخر يراه هدفاً صحيحاً مئة بالمئة. ومهما أعيدت اللقطة بالسريع والبطيء ودارت الكاميرات في أكثر من زاوية، فإن رأس كل فريق وألف سيف أن رأيه هو الصواب. وكما أنه لا طائل من الحوار في كرة القدم، فإنه لا طائل من الحوار في السياسة خصوصاً في بلادنا العربية. وهو دائماً حوار في الوقت الضائع. والوقت كله عندنا ضائع، فعندنا تخمة في النظريات والتصورات والرؤى والطروحات وعندنا جوع وسوء تغذية في التنفيذ والتطبيق. ولو فعل العربي وعمل عشر ما يتكلم به لأصبحنا أبناء الأمة الفاضلة. لكن كلام العرب مئة ضعف عملهم، لذلك أصبحت أمتنا فاشلة. وإذا خسرنا الحرب لا غرابة. لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابة إذا خسرنا الحرب لا غرابة، لأننا ندخلها بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابة. كما قال الشاعر الراحل نزار قباني. ولو اطلعت على العرب في مواقع التواصل الاجتماعي لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً.. (مكلمة) كبرى وأعذب المتكلمين حديثاً أكذبهم، وأهل الرذيلة أقوى المدافعين عن الفضيلة. المنافقون في أمتنا أكثر نفيراً وأقوى حجة وأحلى لساناً، إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم، وإنْ يقولوا تسمع لقولهم. هم من فصيلة الذي يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام. من فصيلة ذلك القوال الذي إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل. والبحث عن الحقيقة على طاولة القمار العالمية يشبه بحث الأعمى عن قطة سوداء لا وجود لها في غرفة مظلمة. بحث عقيم وعذاب مقيم، ولكن ليس أمامنا إلا البحث وجلسات البحث التي دائماً ما تكون نتائجها قبض الريح. وهذه المعادلة الصفرية تلازم العرب في كل علاقاتهم، لأننا لا نملك أوراق لعب، أو لأننا نلعب على المكشوف، لذلك لا يعبأ بنا أحد على الطاولة، ولا يكترث لنا أحد، ولا يتحالف معنا أحد على الطاولة القذرة. والقوى العظمى على طاولة الميسر العالمية لا تلعب بقواعد الأخلاق والقانون الدولي وتتعامل مع العرب بقاعدة واحدة تقول: (هؤلاء قوم لا خوف منهم ولا أمان لهم)، وبهذه القاعدة تبني القوى العظمى تحالفاتها معنا وعلاقاتها بنا، فلا خوف منا إذا أعطتنا ظهرها وولت وجهها شطر إيران. وقد كانت هناك سياسة أميركية في الماضي يسمونها سياسة احتواء إيران. وانقلبت هذه السياسة الآن إلى الضد لتصبح سياسة إيرانية واضحة ومعلنة، وأكاد أزعم أنها ناجحة، وهي سياسة احتواء أميركا. ولعبة الاحتواء صارت لعبة إيرانية لا أميركية، لأن إيران لديها أوراق لعب قوية على الطاولة ولعبها مستتر وليس مكشوفاً. لعبت بورقة السلاح النووي المزعوم ونجحت في احتواء الغرب. ولعبت بالتمدد في المنطقة العربية فرأي فيها الغرب لاعباً يمكن الاعتماد عليه. بينما رأي الغرب نفسه أن العرب ليسوا كتلة واحدة ولا صوتاً واحداً، ولا يمكن الاعتماد عليهم أو التحالف معهم بعكس إيران التي رآها الغرب، أو أوحت هي إليه بأنها قوة عظمى ومتماسكة، ويمكنها التأثير على كل الأحداث في الدول العربية من خلال الميليشيات والجماعات التي تتحالف معها. العرب في عقيدة الغرب الجديدة لا خوف منهم ويمكن تقريبهم أو إبعادهم بلا قلق. كما يمكن ضرب العرب بالعرب أو ضربهم بإيران وميليشياتها في الأمة العربية، مثل: «الحوثيين»، و«حزب الله» و«الحشد الشعبي» و«داعش» و«النصرة». لذلك غض الغرب الطرف عن التمدد الإيراني، وقال للعرب: لن نحارب عنكم معارككم مع أنفسكم أو مع إيران. مشاكلكم محلية ولا يمكن أن يكون حلها من خارج أرضكم. وهكذا تحالف الشيطان مع «محور الشر»، وهو تحالف منطقي للغاية على الطاولة الدولية القذرة، كما غض الغرب الطرف عن كل الانتهاكات الإيرانية الداخلية لحقوق الإنسان والمجازر، التي ترتكبها طهران ضد الأقلية الكردية أو في المناطق السنُية. كما رأى الغرب أن إيران صارت مرجعية قوية لكيانات كثيرة داخل الدول العربية بصرف النظر عن كونها سنية أو شيعية، فإيران مرجعية لـ«الإخوان» و«داعش» و«القاعدة» و«النصرة»، وهذه الكيانات التي تبدو سُنية لا تنفذ أي عمليات إرهابية ضد إيران أو ضد إسرائيل الحليفتين من أسفل والعدوتين من أعلى. والتحالف مع إيران في رأي الغرب يضمن احتواء وإسكات الجماعات الإرهابية التي تأتمر بأمرها، بينما لا توجد مرجعية واحدة وموحدة في العالم العربي. وقد قال مسؤول أميركي كلاماً خطيراً في هذه الشأن حين أكد أن التعامل مع الشيعة أكثر يسراً من التعامل مع السُنة، لأن الشيعة في رأيه لديهم مرجعية واحدة في طهران والتحالف مع إيران يضمن الأمن لإسرائيل أكثر. أما السُنة فإنهم بلا مرجعية، بل إن مرجعية كثير من الجماعات الإرهابية التي ترفع راية السنة هي في إيران أيضاً.. وهكذا كلما اخترقنا احترقنا.. وكلما أوغلنا في فهم ما يجري على الطاولة القذرة ازددنا قلقاً ويأساً.. وكلما فتحنا ملفات التحالفات وجدنا كثيراً من الآفات! محمد أبو كريشة* *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©