الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العروس تُزف حافية والأكل ممنوع في بيت العريس

12 فبراير 2006
الجزائر ـ حسين محمد:
تتميز بعض المناطق الجزائرية بعادات عجيبة في الزواج توارثتها أجيال اليوم أبا عن جد وبقيت متشبثة بها بالرغم من غرابتها واقترابها من الشرك بالله في بعض جوانبها· ومن هذه العادات ما يصطلح على تسميته محليا بـ 'عرف سيدي أمْعَمّرْ' وتتعلق بطقوس غريبة في الزواج يؤديها أتباع ولي صالح اسمه 'سيدي أمعمر' ببعض ولايات الوسط والغرب الجزائريين منذ الخطوبة إلى الزفاف إلى ما بعد الإنجاب أحيانا· فمن هو هذا الولي الصالح؟ وما هي جذور الطقوس التي يؤديها أتباعه بدقة كاللازمات الحركية ؟ ولماذا؟
الحب··· الفقر
عاش 'سيدي أمعمر' في القرن الثامن الهجري بولاية 'الشلف' بالجزائر، وكان مضرب المثل في الأخلاق والعفة، كما كان تقيا زاهدا، أفنى شبابه وعمره في طاعة الله مترفعا عن ملذات الدنيا، وكرس أوقاته لخدمة الدين ووعظ الناس وإرشادهم·
حينما كان 'سيدي أمعمر' شابا يافعا، دق قلبه لفتاة ألهبت مشاعره، فأراد الزواج منها وقصد والدها الثري صاحب الجاه وطلب يدها· لكن أب الفتاة اشترط عليه مهرا كبيرا، بينما كان 'سيدي أمعمر' فقيرا شعاره العفاف والكفاف، فلم يستطع تحقيق رغبة أب الفتاة وخسرها لينتابه بعدها حزن كبير لإدراكه أن هدف أب فتاته مادي بحت، وقد اشترط عليه مهرا عاليا لتعجيزه وإبعاده عن ابنته رغبة بتزويجها من أحد الأثرياء دون إيلاء أية أهمية لمشاعرهما· وقال 'سيدي أمعمر' بعدها بمرارة: 'والله لو كانت لي ابنة لزوجتها بربطة نباتات يابسة'·
وتفرغ بعدها 'سيدي أمعمر' لخدمة الدين والزهد في ملذات الحياة، وأعلن الحرب على الأولياء الذين يطلبون مهورا كبيرة لتزويج بناتهم، وأصبح الشبان الذين ترهقهم الشروط التعجيزية لأهل الخطيبة يلجأون إلى 'سيدي أمعمر' للتوسط لهم لإقناع أهلها بتخفيض مهرها·
وبمرور الوقت، كثر أتباع الولي الصالح 'سيدي أمعمر' وحينما وافاه الأجل، حمل مريدوه وأتباعه المشعل من بعده ونشروا أفكاره التصوفية ودعواته إلى الزهد، فكثر أنصاره وبخاصة في صفوف الفقراء والمساكين، وتمركزوا في ولايات الوسط والغرب· وتقديرا له ولمأساته العاطفية ومعاناته مع أب الحبيبة، قرر الأتباع أن يحددوا المهر بـ 20 سنتيما فقط؛ أي خُمُس دينار جزائري قصد تيسير الزواج للجميع دون استثناء· وأصبحت العائلات المنتمية إلى طريقته الصوفية تتزاوج فيما بينها وتتبع طقوسا خاصة أضحت تعرف لدى الجزائريين بـ 'عُرف سيدي أمعمر'·
وطبقا لتقاليد مريدي 'سيدي أمعمر' فإن العريس لا يجبر على اقتناء شيء بعد دفع المهر الرمزي، وله كامل الحرية في جلب ما يشاء، أو بالأحرى ما يقدر على اقتنائه من أثاث وحلي وجهاز العروس وعطور···
ولايحق للعروس أن تستعمل منها شيئا إلا بعد الدخول بها، حتى خاتم الخطبة تضعه في إصبعها لبضع دقائق فقط ثم تعيده إلى العريس للاحتفاظ به إلى حين انتهاء كل المراسيم· والغريب أن 'التورتة' التي يأخذها أهل العريس معهم إلى عائلة العروس يوم عقد القران أو قراءة الفاتحة، يجب أن يدفع أهل العروس ثمنها، وممنوع منعا باتا أن تذوق العروس منها شيئا، أو تذوق أي أكل آخر من أهل العريس· وإذا دعاها خطيبها إلى الغداء، فهي التي تدفع ثمنه وجوبا!
وبعد الزفاف، لايمكن لأهل العروس أن يأكلوا شيئا في بيت العريس حتى الماء لايحق لهم شربه· الجيران هم الذين يتكفلون بإطعامهم وسقيهم حتى يتم الدخول·
ويتمسك أتباع 'سيدي أمعمر' عبر القرون بهذه العادات بحذافيرها ويطبقونها حرفيا ويحرصون جدا على عدم الإخلال بها لأن ذلك يعني، بإعتقادهم، جلبَ سخط الولي الصالح عليهم فتلحق بهم كل الشرور والمكاره!
هكذا ينتقم الأتباع
وفي يوم الزفاف ترتدي العروس مئزراً أبيضَ كرمز للطهارة والشرف، ويوضع على رأسها منديل أو خمار أحمر ويشد على جبينها بينما يبقى شعرها طليقا، ثم تجلس على إناء كبير مصنوع من الطين أو الحطب يعرف بـ 'القصعة' في الجزائر، وتحيط بها بنات العائلة والصديقات· وحينما يصل موكب أهل العريس يجب أن يجدوها على هذا الشكل، وتخرج من بيت أبيها وسط الزغاريد حافية القدمين· ويقوم أهل العريس بإلباسها عباءة بيضاء ويقوم ولي أمرها بإخراجها وهو يحملها على كتفه إلى أن يضعها في السيارة ويوصلها إلى غاية بيت الزوج، وهناك يبدأ عرس آخر·
وقبل الشروع في عرض ملابسها، تأتي أم العريس بطفل صغير يقوم بنزع العباءة البيضاء بفمه ويحصل بعدها على قطعة حلوى أو أي شيء حلو تيمنا بإنجاب الذكور وبخاصة الطفل الأول·
وبعد الدخول وإثبات العروس عذريتها، يصبح من حقها الاستمتاع بكل الهدايا التي جلبها لها زوجها من حلي وذهب·
وحينما تريد عائلة لا تنتمي إلى هذا الولي الصالح خطبة إحدى 'حفيداته' أي المنتمية إلى طريقته الصوفية، فإن الأمر يتم في سرية تامة ولا يسمع به إلا والدا العروس المقصودة· وتتم الموافقة على العريس بدون شروط ماعدا المهر الرمزي 20 سنتيما تدفع للإمام الذي يقرأ الفاتحة· وإذا كانت المخطوبة ثيبا فلها نصف المبلغ أي عشرة سنتيمات· وعلى الزوج في كلتا الحالتين التكفل بتجهيز العروس قدر استطاعته، ويسمح له بزيارة خطيبته في بيت أهلها والأكل عندهم بينما تمنع العروس وأهلها بتاتا من تناول الطعام عند أهل العريس إذا زاروهم ولو بقوا عندهم أسبوعا، والجيران هم الذين يتكفلون بإطعامهم·
ولكن كثيرا ما يتم رفض المصاهرة بين عائلتين تتبع إحداهما 'سيدي أمعمر' ولاتنتمي إليه العائلة الأخرى خوفا من عدم إحترام التقاليد سالفة الذكر وبالتالي حدوث مكروه· وإذا تمت زيجة من هذا النوع، فإن العائلة غير المنتمية تعلق أي مكروه حصل بالطرف المنتمي وتقول إن 'سيدي أمعمر' لم يرض عن هذه الزيجة فتقوم بزيارة ضريحه بمنطقة 'تنس' ولاية الشلف (240 كلم جنوب غرب الجزائر العاصمة) وتقديم 'القرابين' و'الهدايا' له وتتوسل إليه ليرضى عنها ويستمر الزوجان معا!
ولعل المتمعن في الطقوس الخاصة بالمهر والزفاف لدى أتباع 'سيدي أمعمر'، يدرك أن هدفهم منها هو الانتقام لوليهم الصالح من أبِ الفتاة المتغطرس الذي رفض تزويجها له لفقره· والانتقام هنا يتجلى من خلال إجبار أهل كل عروس على الزهد في أملاك العريس وأهله، فلا يزيد المهر عن 20 سنتيما ولو كان الزوج مليارديرا، ولا يتناول أهل العروس شيئا من الطعام لدى أهل العريس إمعانا في إذلال أب محبوبة 'سيدي أمعمر' الذي يتجسد لاشعوريا في شخصية أب وأهل أية عروس، كما أن إخراج العروس حافية وبدون حلي وذهب، يقصد به أيضا إذلال الأب تحديدا، وتكسير غروره وجشعه وشرهه للمال·
جئنا نتصدق عليك بابننا!
ولا تقتصر تقاليد أتباع سيدي أمعمر على تحديد المهر والزفاف، بل تمتد إلى ما بعد الإنجاب، فإذا توفى مولود جديد أو أكثر، يقوم الزوجان فور إنجاب مولود آخر بأخذه إلى ضريح الولي الصالح، وهناك يخاطبانه قائلين: 'ياسيدي أمعمر، جئناك لنتصدق عليك بابننا هذا'· ويقصد الزوجان بهذا القول وضع طفلهما وديعة عند الولي لحفظه من الموت، اعتقادا من هؤلاء أنه ينفع ويضر وهو ميت·
كما أن النسوة غالبا ما يزرن الضريح والدعاء هناك لتتحقق رغباتهن في الإنجاب أو الصحة أو أي رغبة دنيوية أخرى· وإذا حملت العاقر بعد الزيارة، فإنها تعتبر أن ابنها جاء 'بفضل بركة سيدي أمعمر' وتقوم كل عام بزيارته وتقديم القرابين والهدايا لضريحه، وهي تحرص على هذه العادة لأن نسيانها يعني، باعتقادها، حدوث مكروه للطفل·
وقد حاول أئمة المساجد والوعاظ توعية أتباع هذا الولي وزائري 495 ضريحا للأولياء الصالحين عبر كل المناطق الجزائرية، بأن الأولياء المدفونين داخلها لايملكون نفعا ولاضرا لأنفسهم أو لأحد آخر، وأن ما يفعلونه توسل إلى العبد من دون الله، لكن دروس الوعاظ لم تلق كبير استجابة ولايزال تقديس الأولياء الصالحين، ومنهم سيدي أمعمر، سائدا في الجزائر وبخاصة لدى الأميات·
ومع ذلك يبقى 'سيدي أمعمر' وليا صالحا عفيفا طاهرا، وهو ليس مسؤولا بالتأكيد عن انحرافات أتباعه المنتمين إلى طريقته الصوفية الذين يعتقدون بنفعه وضره·· ميتاً· وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©