الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البصرة: نافذة مفتوحة على طموحات العراق

البصرة: نافذة مفتوحة على طموحات العراق
7 أغسطس 2010 22:24
في قاعة الانتظار بالفندق في البصرة كان هناك رجال أمن يرتدون الملابس المدنية جالسين في انتظار شيء ما، على ما يبدو. وعلى جدار القاعة، كانت هناك ساعتان كبيرتان تشيران إلى الوقت، في كل من البصرة ونيويورك. ومن ركن في القاعة ارتفع صوت رجل بريطاني يتحدث على هاتفة المحمول بنبرة متباهية عن نجاحه في عقد صفقة نفطية مع الحكومة العراقية قبل أن يندفع خارجاً من باب الفندق ليلحق بقافلة من السيارات المنتظرة في الخارج، وقد أحاطت به مجموعة من المساعدين الذين يرتدون تلك البدلات الأنيقة التي تميز عادة رجال الأعمال. وفي هذا الفندق الذي ينتمي إلى فئة الخمس نجوم، يمكن رؤية الكثير من الحالات المماثلة التي تجسد طموحات واهتمامات تلك الفئة من الحيتان، التي تسعى لاصطياد صفقة في سوق العراق الجديد المزدهر. ومن يقدر له الاستماع للحوارات التي تدور بين هؤلاء الرجال سيندهش من تغير اتجاه الكلام في محادثاتهم، فتارة يتحدثون عن الملايين من الدولارات التي يمكن كسبها، وتارة أخرى يتحدثون عن المصيبة التي يمكن أن تحدث إذا ما أخطأوا التقدير ليعودوا ثانية للحديث عن ملايين الدولارات. وعلى سبيل المثال يقول أميركي يعمل خبيراً في شركة للخدمات البترولية: "هذا هو الوقت الذي يجب أن نتواجد فيه هنا... أما إذا ما جئنا العام القادم فسيكون الوقت متأخراً جداً...". وهذا الخبير البترولي بدأ الآن في التسوق لشراء بعض لوازم الفيلا الفاخرة التي استأجرها، بعد أن استعان بشركة أمن محلية لتوفير الحماية له. وأثناء جلوسه في قاعة الفندق الرئيسية مضطجعاً على كرسي جلدي وثير، طرق سمعه حوار عصبي يدور بين مجموعة من الأميركيين حول قصف مطار البصرة الذي تقيم فيه بعض الوحدات الأميركية العسكرية، كما يقيم في نطاقه العديد من العاملين في شركات إنتاج النفط. وكان هؤلاء الأميركيون يتهامسون فيما بينهم، قائلين إن السبب الذي يجعل شركات النفط الأجنبية تدخل سوق البصرة ببطء يكمن في خوف تلك الشركات من المستقبل غير المضمون للبصرة وللعراق بأكمله. وقد عبر أحد أصدقاء الخبير البترولي، وهو رجل استثمر مبلغاً كبيراً من المال في العراق عن مخاوفه فيما يتعلق بالأمن والنظام، بصفة عامة. يشار إلى أن العراق قد أبرم 11 عقداً مع شركات النفط الأجنبية، من أجل رفع طاقة إنتاجه اليومي من النفط من 2.6 مليون برميل في الوقت الراهن إلى 12.5 مليون برميل خلال فترة سبع سنوات. ولكن هذا الطموح الكبير، ينبني على خلفية تثير بعض الأسئلة في الحقيقة، وتشمل أموراً مثل الانسداد السياسي، والشلل الحكومي، بسبب العجز عن تشكيل الحكومة، والضغائن العميقة بين الأحزاب الرئيسية في البلاد، وخطر المجموعات المسلحة السرية، وتوتر الأجواء بحيث يبدو الوضع أحياناً كبرميل بارود ينتظر شرارة فقط كي ينفجر. ويمكن أن نقول إن البصرة قد تحولت إلى نافذة على طموحات العراق واختلاله الوظيفي، فهي مدينة ذات واجهتين: واجهة تمتلئ بمراكز التسوق الحديثة ومحلات السوبرماركت البراقة، وواجهة أخرى تنتشر فيها الأكواخ البائسة وبحيرات المجاري. وهناك نماذج بشرية عديدة تشهد على ذلك منها "ضياء جعفر" مدير شركة "نفط الجنوب" الذي يتحدث إلينا بتؤدة وبطريقة محسوبة تليق برجل تمكن من البقاء بعد أن رحل كل أعدائه. وهذا الرجل كان عضواً في "حزب الدعوة" في عهد صدام حسين، مما أدى إلى الزج به في سجن "أبو غريب" الرهيب. وبعد ذلك تم الإفراج عنه، وسمح له بالعمل في شركة "نفط الجنوب" حيث كان يعمل من قبل، ولكن تم وضعه على الرف كما يقول، وأسندت إليه وظائف هامشية. واستمر ذلك إلى أن تمت الإطاحة بصدام، وتولى بعد ذلك بفترة من الزمن المالكي وهو يرأس أيضاً "حزب الدعوة" الذي ينتمي إليه جعفر، حيث أعيد إليه اعتباره مجدداً وسمح له بتولي إدارة هذه الشركة المهمة. ويقول جعفر معلقاً على موضوع الأمن، إن أهم شيء هو توفير الوظائف للشباب فذلك سيساعد تلقائيّاً على توفير الأمن الذي يعتبر شرطاً أساسيّاً لتطور البصرة التي يمكن أن تتحول إلى مدينة لا تختلف عن غيرها من مدن الخليج المتألقة. غير أن المباني الفقيرة المقامة في ضواحي المدينة البائسة تعطي صورة أخرى عن البصرة، مع أنه يمكن لسكان تلك الضواحي أن يروا من منازلهم سحب الدخان المنبعثة من حقول النفط الموجودة على أطرافها. ومن هؤلاء السكان "كاظم عبدالله" وهو يشتغل عاملا في مجال الإنشاءات. يقول كاظم إنه يضطر للوقوف في طابور منذ الساعة السادسة صباحاً في انتظار أن يأتي أحد أصحاب المنازل أو البنايات تحت التشييد لاختيار بعض العمال الذين يحتاج إليهم. وهو يتمنى أن تزدهر أعمال البناء لأن ذلك سيؤدي إلى تحسن الأحوال العامة وتحسن وضعه هو والعاملين من أمثاله في مجال البناء. ومن الفاعلين الاقتصاديين أيضاً محمد مصبح الوائلي محافظ البصرة السابق، الذي تحول إلى رجل أعمال بعد تركه لمهام منصبه، والذي يستعد في الوقت الراهن للسفر إلى ألمانيا لعقد اتفاقات مع رجال الأعمال هناك لتسهيل دخول الاستثمارات الألمانية إلى المدينة. والوائلي يمتلك أسطولا من الشاحنات يبلغ 65 شاحنة نقل، ويدير في الوقت نفسه شركة أمنية مكونة من 70 رجل أمن تعمل في مجال حماية الأجانب، ويقول: "منذ عام ونصف تفرغت للأعمال الخاصة لأنني أعرف كيف أتعامل مع الأوضاع السائدة، وأعرف كذلك ما الذي يحتاجه العراق". وبالإضافة إلى عدم استقرار الأوضاع الأمنية، والشلل الحكومي، تعاني البصرة مشكلات أخرى لعل أهمها في الوقت الراهن الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي ما تسبب في تعطل العديد من الأنشطة التي بدأت تزدهر في المدينة، بالإضافة أيضاً إلى مشكلة نقص إمدادات المياه النقية. ويعلق على ذلك موظف حكومي، يدعى وسيم، حيث يقول محتجّاً: "إذا ما استمرت الأوضاع على هذا النحو، واستمر انقطاع التيار الكهربائي، وعدم توافر المياه، والخدمات العامة، فإن ذلك سيؤدي إلى العديد من المشكلات، وسيؤثر على النشاط في المدينة وعلى رغبة الأجانب في القدوم للعمل فيها". نيد باركر رحيم سلمان - البصرة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©