الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بريطانيا: تقليص حاد في ميزانية الثقافة

7 أغسطس 2010 22:25
شهدت الساحة الفنية في بريطانيا ازدهاراً كبيراً خلال العقد الأخير وهو ما أتاح فرصة لظهور بعض الروائع مثل متحف "تيت" العصري على الضفاف الفضية لنهر "التايمز"، وساهم أيضاً في إطلاق نهضة حقيقية في المسرح وصناعة السينما، فضلا عن أنواع فنية أخرى مثل الرقص وغيرها. وكان المحرك الذي أدار عجلة الازدهار تلك يتمثل في الدعم السخي الذي وفرته الحكومة البريطانية باعتبارها راعية الفنون الأولى في البلاد. ولكن اليوم وفي ظل الأزمة الاقتصادية والسعي الحكومي لتقليص عجز الميزانية الذي يعد الأكبر في أوروبا يتحرك الائتلاف الحكومي الجديد بقيادة "المحافظين" و"الأحرار الديمقراطيين" نحو إسدال الستار على عهد الفنون الذهبي الذي تميز بالرعاية الحكومية السخية. وفي هذا السياق تستعد الحكومة لخفض كبير في ميزانية المؤسسات الفنية والثقافية ما قد يحرمها من الموارد المالية الضرورية التي تحتاجها للاستمرار في تقديم خدماتها للجمهور. كما أن الضرر قد ينسحب أيضاً على مؤسسات عريقة مثل المسرح الوطني والمتحف البريطاني. والحقيقة أن المسؤولين البريطانيين يدعون في التعامل مع الشأن الثقافي والفني إلى أكثر من مجرد تقليص النفقات العمومية وخفض المخصصات المالية المرصودة، فهم يطالبون بإحداث نقلة نوعية في كيفية تدبير تلك المؤسسات واعتماد النموذج الأميركي القائم على التبرعات الخاصة باعتبارها الحاضنة الأساسية للفنون والثقافة. وفي بريطانيا، على سبيل المثال، قفز الإنفاق الحكومي على المسارح والمتاحف وباقي المؤسسات الثقافية من 654 مليون دولار في عام 2000 إلى 876 مليون دولار في السنة الجارية، مع تركيز خاص على زيادة الدعم المخصص للبرامج الفنية، وهو ما جعل من لندن خاصة بؤرة مستقطبة للمواهب الفنية الشابة على مدى السنوات الأخيرة. وقد ساعد التمويل الحكومي للبرامج الثقافية في إعادة تأهيل المعالم التاريخية وافتتاح المعارض والمتاحف الكبرى. غير أن الدعم الحكومي السخي للقطاع الفني في طريقه إلى الزوال حيث لا يشكل خفض ميزانية الفنون في بريطانيا سوى جزء يسير من التوجه الحكومي الشامل للحد من الإنفاق العمومي وتصويب الاختلال الكبير في ميزانية الدولة على مدى الأربع سنوات المقبلة. ومع أن بعض القطاعات مثل الرعاية الصحية تحظى بحماية خاصة، إلا أن باقي المجالات المهمة من التعليم إلى الدفاع تهيئ نفسها لتقليص كبير في موازناتها المقبلة، وإن كان منتقدو هذه الخطوة الحكومية يشتكون من أن القطاع الفني هو الأكثر تضرراً من تقليص الإنفاق العمومي. هذا وقد أطلقت الخطط الحكومية الرامية إلى سحب الدعم عن الفنون والثقافة نقاشاً حادّاً بين المهتمين حول دور الحكومة في تعزيز الفنون في بلد شكسبير، ودفعت الكثير من العاملين في المجال الفني من مديري المتاحف وأمناء المكتبات وغيرهم إلى التحذير من تراجع مكانة لندن كوجهة استقطاب رائدة في المجال الثقافي على الصعيد العالمي. وتعبيراً عن هذه المخاوف قال "أليستر سبولدين"، مدير مسرح الرقص الأشهر في لندن "سولدرز ويلز" إنه ربما يضطر إلى التخلي عن العروض التي كانت أحد الملامح الراسخة لهوية لندن الثقافية، وإلغاء المسرحيات الكبيرة التي استقطبت جمهوراً كبيراً. وقد توقع البعض أن تقليص الميزانية سيكون كبيراً إلى درجة أن المتاحف اللندنية المهمة التي دأبت على فتح أبوابها للزوار بالمجان ستضطر إلى فرض رسوم على مرتاديها، لاسيما الملايين من السياح الأجانب الذين يفدون على العاصمة البريطانية كل سنة. وفي هذا السياق تقول "شارلوت هيجنز"، المحررة الثقافية في صحيفة "الغارديان": "لا أعتقد أن الازدهار الكبير الذي شهدته الفنون على مدار السنوات السابقة كان وليد الصدفة، بل هو نتاج طبيعي للدعم الحكومي السخي لهذا القطاع الحيوي، واليوم نحن نواجه خطر التراجع إلى الوراء". وخلافاً لما هو عليه الحال في الولايات المتحدة حيث تساهم الحكومة الفيدرالية بنسبة ضئيلة في العمل الثقافي لا تتجاوز 10 في المئة من ميزانية الفنون، يشكل الدعم الحكومي للقطاع الثقافي في بريطانيا 50 في المئة من إجمالي الميزانية العامة للفنون، وهو التقليد الذي تدعو الحكومة البريطانية الآن إلى تغييره من خلال مطالبتها للمؤسسات الثقافية بإعداد خطط استعجالية تقوم على توقعات بخفض 25 إلى 30 في المئة من التمويل الحكومي. ولا يخفي الائتلاف الحكومي الحالي توجهه لاعتماد النموذج الأميركي لسد الثغرات المالية، وهو ما يتخوف منه المنتقدون الذين يرون في إقناع النخبة البريطانية بتخصيص جزء من أموالها للقطاع الفني والثقافي أمراً بالغ الصعوبة قد يستغرق جيلاً بكامله بسبب غياب ثقافة الرعاية الخاصة للفن مقارنة بالولايات المتحدة، ولا سيما في ظل انعدام الوجاهة الاجتماعية بالنسبة للأثرياء، أو المؤسسات التي تدعم الفنون، كما هو الحال في الولايات المتحدة. ولكن بالإضافة إلى غياب ثقافة رعاية الفنون في بريطانيـا يتخوف المنتقـدون أيضاً من مسألة الرقابة التي قد تفرضها الجهات الخاصة الممسكة بخيوط التمويل، حيث أشار "سبولدين" على سبيل المثـال، إلى أن الاستقلالية التي وفرها التمويل الحكومي للفنون في بريطانيا هي التي جعلت من لندن المكان المفضل لعرض المسرحيات المثيرة للجدل، مضيفاً: "في أميركا أصبح المشهد الفني أكثر ميلاً نحو المحافظة لأنه يعتمد على التمويل الخاص، فالرعاة لا يهتمون عادة بالشباب والمحاولات التجريبية، وهذه الاستقلالية هي ما نخشى نحن أن نفقده في بريطانيا". أنتوني فايولا - لنـدن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©