الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«النجمة الزهراء»: فضاء الالتقاء

7 أغسطس 2010 22:25
تُعتبر ضاحية سيدي بوسعيد واحدة من أكثر الوجهات المفضلة للسيّاح الأجانب في تونس. وينجذب الناس إلى هنا من كل مكان بفعل سحر الأزقة الضيقة والمتعرّجة التي تصطف على جانبيها منازل بيضاء مبنية على الطراز المعماري الأندلسي، بالإضافة إلى المناظر الرائعة المطلّة على البحر. ولكن لا يعلم سوى قلة من الزوّار أن ضاحية سيدي بوسعيد تؤوي بالإضافة إلى ذلك مشروعاً يُعدّ من المشاريع الثقافية الأكثر إثارة في جميع أنحاء منطقة البحر الأبيض المتوسط. وقد أوجدت وزارة الثقافة التونسية مقراً لمركز الموسيقى العربية والمتوسطية في قصر "النجمة الزهراء"، المسكن الفسيح الذي أعيد ترميمه بشكل جميل، والذي كان ذات يوم منزل الرسّام وعالم الموسيقى الفرنسي رودولف ديرلانجي (1878 - 1932). ويؤدي هذا المركز العديد من المهمات، مثل الترويج للفعاليات الموسيقية والاحتفاظ بمجموعة من الموسيقى التونسية والأرشيف الوطني للتسجيلات الصوتية، الذي تحفظ فيه جميع الوثائق الموسيقية التونسية والعربية لكي تكون متوفرة للباحثين الذين يدرسون الموسيقى. كما أنه يضمن المحافظة على التراث الفني والموسيقي العلمي الخاص بالفنان "ديرلانجي"، ويستغل كمتحف ومكان لتنظيم الحفلات الموسيقية في باحات القصر الداخلية. وعلاوة على ذلك، أصبح مركز الموسيقى العربية والمتوسطية في الأعوام الأخيرة محركاً مهماً للتبادل الموسيقي والثقافي بين أوروبا والعالم العربي. ويقول منير الهنتاتي، رئيس قسم العلاقات العامة ونائب مدير المركز: "كثيراً ما يكون أول لقاء بالموسيقى العربية بالنسبة للموسيقيين الغربيين الشباب الذين يشاركون لدينا في ورشات العمل بالنسبة لهم مثل الوحي والإلهام". ويضيف: "كما أن المشاركين التونسيين يكونون سعداء أيضاً بتوافر فرصة تعلّم موسيقى الجاز أو الموسيقى الكلاسيكية من مصدرها المباشر". ولو قُدّر لمشيّد هذا القصر أن يسمع ذلك، فسيكون من دون شكّ في غاية السعادة، إذ أن الفنان والباحث الموسيقي، "رودولف ديرلانجي" الذي عاش منذ عام 1910 وحتى وفاته في عام 1932 في ضاحية سيدي بوسعيد، كان بالذات مهتماً بتعزيز أواصر التفاهم بين الشرق والغرب. كما شارك بفعّالية في التخطيط لمؤتمر الموسيقى العربية الأول الذي عقد في القاهرة في عام 1932. ويعود دافع "ديرلانجي" للاستقرار في تونس إلى نزوعه الشخصي لإحياء ثقافة الحضارة العربية الأندلسية. وكان قصر النجمة الزهراء قاعدة لهذا المشروع. وفي عام 1989، اشترت الحكومة التونسية القصر. وبذل عدد من الفنانين التونسيين المعروفين، مثل عازف العود الشهير أنور ابراهم والشاعر والرسَّام التونسي علي اللواتي، جهوداً كبيرة لكي يتم في هذا القصر تأسيس متحف، وتحويله إلى مشروع حيوي متعدِّد التخصّصات. أما أقدم المعروضات الموجودة في الأرشيف الوطني للتسجيلات الصوتية، فقد جمعها الباحث الألماني المختص في علم موسيقى الشعوب، باول تريغر، الذي قام في عام 1903 بتسجيل الأغاني الشعبية التونسية. ويقول منير الهنتاتي، الذي يتمنى الحصول على تمويل أكبر للأبحاث الموسيقية العلمية: "لقد اكتشفت هذه المادة السمعية في أثناء زيارة لي إلى أرشيف التسجيلات الصوتية الألماني في برلين"، مضيفاً: "في زيارتي إلى برلين علمت أن بعض الباحثين الألمان سجلوا إبان الحرب العالمية الأولى كلمات الأغاني التي كان يغنّيها أسرى الحرب التونسيون وألحانها وإيقاعاتها". وفي اللغة الألمانية تمت معالجة قسم من هذه الأبحاث بطريقة علمية. ولكن في تونس لا يُعرف أي شيء تقريباً عن هذه التسجيلات وعن المواد التي تم جمعها في أثناء ذلك. لقد تغيّر المفهوم الموسيقي الخاص بمركز الموسيقى العربية والمتوسطية على مرّ السنين. وعن ذلك يقول منير الهنتاتي: "في الأعوام الأولى تَركّز اهتمامنا على إنتاج الموسيقى التقليدية". أمَّا الآن، فقد تحوّل الاهتمام إلى اللقاءات الدولية من خلال إقامة الحفلات الموسيقية العمومية وورشات التكوين المعروفة باسم "ماستر كلاس". وفي كل عام يلتقي عدد من عازفي موسيقى الجاز المنفردين من بلجيكا وتونس ومن أقطار أخرى ضمن دورات تكوينية تقام في المركز تحت عنوان "ألوان". وفي حفل ذكرى تأسيس المركز، قال عازف العود التونسي الشهير أنور إبراهم: "أتمنى أن يشجِّع هذا المركز التبادل الثقافي بين العالم العربي وأوروبا، بل والتبادل مع كل العالم". وكم هو جميل حينما تتحوّل الأحلام إلى حقيقة. مارتينا صبرا كاتبة مهتمة بالفنون
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©