الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تشكيلية جزائرية تحوِّل الحجارة الصماء إلى لوحات فنية ناطقة

تشكيلية جزائرية تحوِّل الحجارة الصماء إلى لوحات فنية ناطقة
22 مايو 2011 22:34
أقامت الفنانة الجزائرية نريمان سعدات مؤخراً معرضاً فنياً بالجزائر العاصمة عرضت فيه مجموعة من إبداعاتها التشكيلية طيلة السنوات الثلاث الأخيرة. وكان يمكن أن يمرّ المعرض دون أن يلفت انتباه الكثيرين أو يكترثوا له على غرار عشرات المعارض التشكيلية التي يقيمها فنانون تشكيليون جزائريون، محترفون وهواة، لولا أن هذا المعرض جاء مميزاً، بعد أن لجأت الفنانة سعدات إلى تفجير موهبتها التشكيلية من خلال الرسم على الحجر فقط، بدل الرسم على الورق والخشب والحرير وغيره كما يفعل الفنانون التشكيليون عادة. حياة الأجداد ضمّ المعرض 36 لوحة مختلفة الأحجام والأشكال، ضمنتها الفنانة سعدات مجموعة من القطع الحجرية الصغيرة التي تجاوزت المائة، إذ تضم كل لوحة ما بين قطعة واحدة إلى أربع، مثبتة على جدار اللوحة أو على أرضيتها بغراء متين، وهي محاطة أحياناً برسوم إضافية وأشكال مختلفة تزيد الرسوم على الحجارة جمالاً وألقاً وتعطي لها معان إضافية. وتطرقت سعدات في هذه الرسوم الصغيرة إلى حياة سكان “التاسيلي” بالصحراء الجزائرية الذين استوطنوا الجزائر منذ قرون طويلة وخلفوا وراءهم رسوماً ونقوشاً عملاقة على صخور المنطقة، أبدعوها منذ نحو 9 آلاف سنة، وهي تستقطب سنوياً آلاف السياح الأجانب وعلماء الآثار المهتمين بالعصرين الحجريين القديم والحديث (ما بين 9 آلاف و6 آلاف سنة قبل الميلاد). وتتطرق سعدات في رسومها على الحجارة إلى نمط حياة سكان المنطقة آنذاك وعاداتهم ورحلات صيدهم حيث كانوا يعتمدون آنذاك على الصيد وقطف الثمار واستئناس الحيوانات، وطعّمتها برموز أمازيغية “احتراماً لذاكرة هؤلاء الأجداد” الذين كانوا أول من يخلّد حروف “تيفيناغ” التي تكتب بها الأمازيغية برسمها على الصخور العملاقة منذ نحو 9 آلاف سنة. انبهار ومحاكاة تقول سعدات “انبهرتُ بالرسوم العملاقة التي خلَّفها سكان التاسيلي على الصخور منذ آلاف السنين ولا تزال تثير دهشة العالم إلى الآن، لذلك قررت منذ أربع سنوات أن أتجه إلى محاكاتهم من خلال الرسم على حجارة صغيرة لأخلد ذكراهم وإنجازاتهم الفنية التي تمتاز بتعبير قوي برغم عفويتها وبساطتها”. وتضيف “أحسن سكان التاسيلي التعبير عن نمط معيشتهم وكيفية تفاعلهم مع الطبيعة وواقعهم، بتلك الرسوم والنقوش الجميلة على صخور التاسيلي، وأنا أستحضر إبداعاتهم في هذه الحجارة الصغيرة بشكل رمزي لأعبّر من خلالها عن مدى إعجابي بفنهم العفوي الجميل وبنمط عيشهم البسيط والتعبيري الصادق، ولأشدد أيضاً على حبي للطبيعة”. والمفارقة أن سعدات لم تزر منطقة التاسيلي، لكن كثرة الحصص التلفزيونية عنها جعلتها تتعلق بها، وتقرر الكفَّ عن الرسم على الحرير والخشب وغيرهما، والاقتصار على الرسم على الحجر، وقد أقامت معرضين في العامين الماضيين للتعريف بإبداعاتها واطلاع الجمهور الذواق للفن التشكيلي عليها. وفي السنة الجارية كانت الانطلاقة الحقيقية من خلال تنظيم 3 معارض كاملة في 4 أشهر ونصف شهر، وأسمت سعدات معرضها الأخير “همسات حجر”. وتقول إن الحجر أصمٌّ ولكنها تحاول إعطاءه “روحاً ومعنى” وهي تسعى إلى “تطوير هذه التقنية لإحياء تراث الأجداد وتاريخهم وفنونهم”. وتضيف “أحبّ بساطة الأجداد وعفويتهم وبُعدهم عن التكلّف والتصنّع؛ ما مكّنهم من التكيف مع صعوبات الطبيعة منذ آلاف السنين”. 1600 رسم يبدو أن حياة الأجداد وإبداعاتهم الفنية العفوية على صخور التاسيلي العملاقة ملأت حياة سعدات وكل اهتماماتها، فهي تعكف منذ 3 سنوات على التعبير عن مدى شغفها بها من خلال الرسم على 1600 حجرة صغيرة الحجم بالرغم من أنها فنانة غير متفرِّغة فهي موظفة بشركة عمومية كمُحاسِبة، وتمارس هوايتها في أوقات فراغها فقط، وتستعمل حجارة تأتيها خصّيصاً من الصحراء وحجارة تجلبها بنفسها من البحر، وتحرص على أن يكون وجهُها مسطحاً لتبث فيها عشقها حياة الأجداد بألوان حارة أبرزها الرمادي والذهبي والأخضر للتكيف مع ألوان الصحراء ورمالها الذهبية. ومع أن سعدات (39 سنة) فنانة عصامية تعتمد على نفسها ولم تدرس الفنون التشكيلية في أية مدرسة للفنون التجميلية، إلا أن آمالها بتحقيق النجاح كبيرة من خلال اختيارها الرسم على الحجر لتتميز عن غيرها “أريد إنجاز شيء متفرِّد أتميز به عن الفنانين الآخرين؛ الفنان يجب أن يكون مبدعاً دائماً وأن يحرص على أن تكون له لمستُه الفنية الشخصية التي تميزه، وإلاّ كان مجرد مقلِّد محدود، وهذا ما أرفضه”. وتسعى سعدات إلى تنظيم مزيد من المعارض، بعضها في التاسيلي والصحراء الجزائرية الكبرى، لتُطلع الجمهور على فنّها وتدفعه، في نفس الوقت، إلى التعلق بأجداده والوفاء لهم وتقدير كفاحهم في الحياة وما تركوه من منجزات وآثار.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©