الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انقلاب تايلاند ووعود الديمقراطية

2 يونيو 2014 23:29
سكوت طومبسون أستاذ العلاقات الدولية بجامعة تافتس الأميركية على امتداد الألفية الأخيرة من التاريخ التايلاندي، لم يكن واضحاً تماماً الفرق بين الحكمين العسكري والمدني، وظل التداخل بينهما فارضاً نفسه بقوة لفترة طويلة، يدل على ذلك أنه لخمسة قرون تبادل الجنرالات والوزراء المهام في سلاسة، بحيث أصبح الجنرالات وزراء وتقلد السياسيون مناصب عسكرية، لكن منذ عام 1932 أصبحت الغلبة واضحة للجانب العسكري، حيث بات للجيش الملكي التايلاندي الكلمة الفصل في الحكم وقيادة دفة البلاد، وبالطبع بين فترات الحكم العسكري الممتدة، ظهرت ومضات ديمقراطية عندما اصطدمت مصالح عموم الناخبين مع مصالح الجيش والفئات المرتبطة به، وهو ما يسعفنا لفهم الانقلاب الأخير الذي قاده الجيش في تايلاند، حيث أرغم الجنرال «برايوث تشان-أوتشا» رئيس الحكومة المؤقتة على التنحي، هذا الأخير الذي بدوره تولى السلطة التنفيذية بعد أن قضت المحكمة الدستورية بإقالة رئيسة الوزراء، «إنجلوك شيناواترا»، بتهمة استغلال السلطة، لكن «إنجلوك» حكمت البلاد عبر التعليمات التي كانت تتلقاها من شقيقها رئيس الوزراء السابق، «تاسكين شيناواترا»، الذي يعيش في المنفى بعد انقلاب الجيش عليه في 2006 وتورطه في فضيحة فساد، وهو السياسي الذي عانى تعسف الجيش، إلا أنه لم يكن أبداً ديمقراطياً بالمعنى الدقيق للكلمة. فالبلاد عاشت طيلة الفترة السابقة على وقع استقطاب حاد بين «القمصان الصفر» الذين يؤيدون الملك والمصالح القائمة ويريدون إطاحة الحكومة، و«القمصان الحمر» الذين ينحدر أغلبهم من سكان المحافظات من الفقراء ويناصر معظمهم «تاسكين» من خلال السعي لإعادته مرة أخرى إلى سدة الحكم. والنتيجة أن جنرالا طموحاً قفز إلى الواجهة وسعى لإعادة فرض الاستقرار ووضع حد لحالة الفوضى التي ضربت البلاد على مدار الأشهر الماضية، وهو من خلال التأييد الذي ناله من الملك ليس مستبعداً أن يثبت وجاهة الانقلابات أحياناً، وأنها في النهاية قد لا تكون بالقدر نفسه من السوء، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالتجربة السياسية في تايلاند وعلاقاتها الاجتماعية المعقدة. والحقيقة أنه لفهم جذور الاضطراب السياسي الذي يعصف بالبلد لمدة ليست بالقصيرة، يتعين الرجوع قليلاً إلى التاريخ واستنطاق أهم عناصره، فقد كان للأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد بين 1997 و1998 وقع كبير في صياغة دستور جديد في تايلاند اعترف فيه بالقاعدة الاجتماعية الواسعة مقابل تلك المرتبطة بشكل أساسي بالنظام الملكي، وهو أمر طال انتظاره ولم يكن له بد من الاعتراف به، لا سيما في ظل الدور الكبير الذي اضطلعت به الطبقة العاملة في تايلاند لإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية، إذ بفضل إنتاجية تلك الفئة وعملها الجاد، تجاوزت تايلاند الأزمة، وعادت لتحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة. لكن وكما هو الشأن دائماً، نادراً ما يصار إلى توزيع فوائد النمو بالتساوي، وهو ما جرى أيضاً في تايلاند، وظلت أعداد كبيرة من السكان في الشمال والشمال الشرقي من البلاد تتوق إلى الحصول على حصة عادلة من الثروة الوطنية. وبالطبع كان من سوء حظ تايلاند، على غرار ألمانيا في الثلاثينيات وإيطاليا في العشرينيات، أن ظهر سياسي ديماغوجي وعد الناس بالجنة، فـ«تاسكين» راكم المليارات من خلال نشاطه في قطاع الاتصالات، وشرع في شراء الصحفيين والسياسيين من الشمال، وعندما نُظمت انتخابات عام 2001، حصد أغلبية الأصوات وسرعان ما كشف توجهاته الحقيقية، حيث بدأ في تقييد الإعلام الذي لم يكن خاضعاً له، كما أن حربه على صغار تجار المخدرات التي خلفت أكثر من ثلاثة آلاف قتيل أوضحت بما لا يضع مجالاً للشك أنه جاء ليبقى؛ ولا بد من التأكيد هنا أن تاسكين وإن كان قد نال الأغلبية في الانتخابات، إلا أن الديمقراطية ليست مجرد حكم الأغلبية، فقد استخدم «تاسكين» نظام مراقبة السلطات للتغلغل في جهاز الشرطة والسيطرة عليه، لكن الجيش ظل بعيداً عن رقابته، وفتح أيضاً خزائن الدولة للشمال الفقير، وحتى عندما انقلب الجيش على «تاسكين» في 2006 لم يتبع ذلك بجهد في تعويض بالشخص المناسب، مكتفياً بمحاكمته وفراره إلى المنفى؛ ومنذ ذلك الوقت وطرفا الصراع منقسمان، ولحسن الحظ أنه رغم الاستقطاب الشديد واصل الاقتصاد التايلاندي نموه في الفترة الماضية، وهو نمو من غير المرجح أن يستمر إذا استحكم الصراع السياسي واستفحل أمره. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©