الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أولاند» والطريق الاقتصادي الأوسط

19 مايو 2013 23:00
إدوارد كودي سان نازير - فرنسا يعتبر ميناء «سان نازير» المطل على المحيط الأطلسي، قلب صناعة السفن التقليدية في فرنسا. فهذا الميناء هو الذي تم فيه بناء السفينة البريطانية الشهيرة «كوين ماري» منذ عقد من الزمن، وهو الميناء الذي قدمت إليه مؤسسة «رويال كاريبيان» طلباً بإنشاء قصر عائم قيمته مليار ونصف المليار دولار يستخدم في الرحلات السياحية إلى الجزر القريبة من الشاطئ. وعندما أعلن غالبية مالكي أسهم ترسانة «SPX سان نازير» في كوريا الجنوبية عن رغبتهم في بيع حصصهم في الترسانة، كان رد الفعل هنا فورياً تقريباً، حيث تقدم ناشطو اتحاد بناء السفن اليساري بطلب إلى الحكومة الاشتراكية في باريس، يناشدونها من خلاله تأميم الترسانة، بحجة أن هذه هي الطريقة الأفضل للمحافظة على نفوذ فرنسا وتاريخها في إنشاء السفن، وضمان توفير 2000 وظيفة في منشآت بناء السفن، و4000 وظيفة إضافية في شركات الخدمات والتموين. ولكن وزراء الرئيس أولاند ردوا على الطلب بـ«لا» قاطعة، على أساس أن المهم -كما قالوا- ليس من يمتلك رأس المال، وإنما عدد السفن المقدمة بشأنها طلبات شراء. وتنبأوا بأن مشترياً من القطاع الخاص سيشارك في الشراء، بشرط محافظة الترسانة على سلامة أوضاعها المالية وإعدادها قائمة مؤكدة بعدد من المشروعات الجديدة. والإجابة السابقة تعتبر نموذجاً للإجابات المميزة لحكومة أولاند التي أكملت في الشهر الجاري عامها الأول في الحكم (فترة ولايتها خمس سنوات)، وخلال هذا العام قاد الرئيس الاشتراكي المنتخب بدعم من اليسار المتطرف، فرنسا على طريق تتحكم في توجيهه قوى السوق، في إطار محاولته الخروج من الأزمة المالية الأوروبية من دون أن يضطر لخطة تقشف على النمط اليوناني، أو يلجأ لتحدي مطلب الاتحاد الأوروبي بخفض العجز في الموازنة. وبسبب سياسته تلك واجه أولاند نقداً متصلاً -وغاضباً في معظم الأحيان- ليس من اليسار فحسب، وإنما من اليمين أيضاً، حيث شُجبت سياساته ووصفت بأنها غير واضحة، كما وصف ثلاثة أرباع من شاركوا في استطلاع للرأي أُجرى مؤخراً خياراته بأنها ضارة بالبلاد. كما هبطت شعبيته إلى مستوى متدنٍّ، بعد أن تقوضت بسبب أسلوبه التجريبي المتردد. أما بالنسبة لمؤيدي الرئيس السابق ساركوزي من المحافظين، فأولاند فشل، في رأيهم، في تخفيض الإنفاق الحكومي بدرجة كافية، حيث ما زال يمثل ما يزيد عن نصف الاقتصاد. وبالنسبة للحزب الاشتراكي، بما في ذلك بعض وزرائه والأحزاب الأكثر يسارية أيضاً -كالخضر وجبهة اليسار- فإن أولاند رضخ في رأيهم لمطالب التقشف المالي المقدمة من المؤسسات المالية الدولية، بدلاً من فتح صنابير الإنفاق العام. وفي الأسبوع الماضي رعى زعيم جبهة اليسار جان لوك ملاينشون مظاهرة حاشدة مناوئة لأولاند شارك فيها عشرات الآلاف من الأشخاص المطالبين بزيادة الإنفاق الحكومي أمام قصر الباستيل. وبعد تلك المظاهرة بعدة أيام أعلن رئيس الوزراء الفرنسي «جان مارك إيروت» أن حكومته وضعت خطة لإعداد برنامج استثماري ضخم لتنشيط الاقتصاد، ولكنها ستقوم بتمويل لهذا البرنامج من خلال بيع حصة الحكومة في الصناعات الرئيسية لمستثمرين آخرين. ويتخذ الغضب من سياسات أولاند شكل توجيه انتقادات لاذعة مبطنة لألمانيا، لأن المستشارة الألمانية ميركل تدافع عن معاهدة ضبط ميزانيات دول الاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق دعا «كلود باتولون» رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية والشخصية الاشتراكية البارزة إلى «مواجهة» مع ميركل بشأن قيود الإنفاق المتخذة كجزء من معاهدة الانضباط المالي للاتحاد الأوروبي. وعلى رغم أن أولاند حاول أن ينأى بنفسه عن العلاقة الوثيقة التي أنشأها سلفه ساركوزي مع المستشارة الألمانية، إلا أنه كان حريصاً مع ذلك على الاحتفاظ بعلاقة ودية معها. وعلى رغم أن أولاند عندما كان مرشحاً عارض المعاهدة المشار إليها، وتعهد بإعادة التفاوض بشأنها فيما إذا انتخب، ولكن وبمجرد أن تسلم منصبـه قـام بالتوقيـع عليهـا كما هي، وقبل بالمتطلبات المتضمنة فيها، ومنها ضرورة خفض العجز إلى 3 في المئة من الناتج القومي الإجمالي بنهايـة هذا العـام والوصـول به إلى الصفر خلال عامين من الآن. ولكن نظراً لعجزه عن الوصول إلى نسبة 3 في المئة من دون فرض المزيد من الاستقطاعات والضرائب المؤلمة لم يجد أولاند أمامه سوى أن يقدم طلباً للمفوضية الأوروبية لإمهاله بعض الوقت، ونجح في بداية هذا الشهر في الحصول على فترة سماح مدتها عامان. وهذه المناورة لم تسعد لا اليمين ولا اليسار. ولكن سياسة أولاند الوسطية التي يشار إليها بأنها شبيهة بالسياسات الديمقراطية الاشتراكية على الطراز الإسكندنافي اجتذبت مع ذلك ثناء مؤيد واحد لأولاند على الأقل هو الموسيقار الشعبي «أرندرية أنوكيان» الذي قال في تعليق له على الإنترنت «اليوم يبدو هذا النهج نهجاً معقولاً حتى إذا لم يكن جذاباً أو رائعاً». وفي «سان نازير» تقول «ناتاي- ديراند- برنجبورن» موفدة اتحاد العمال في الترسانة البحرية المترامية الأطراف هنا، إن التأميم ما زال هو الطريقة الوحيدة لضمان المستقبل، لأن من الضروري أن تقوم الحكومة بترتيب مسألة التمويل للاستثمارات الضخمة مثل بناء السفن، وأضافت: «بالنسبة لي يعتبر التأميم هو الطريق الوحيد للمحافظة على هذا الموقع قائماً». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©