الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر... إلى أين؟

19 مايو 2012
تمثل الأيام القليلة المقبلة مرحلة فاصلة في تاريخ مصر الحديث، إذ "يفترض" أنها ستكون نهاية لمرحلة من الحكم الشمولي وما يصاحبه عادة من فساد وتدهور في القيم والمثل، وما يعتمد عليه من "إلغاء" للقانون وتحطيم لحياة المعارضين من أبناء شعبه. وهكذا تقريباً كان حال مصر وشعبها طوال العقود الثلاثة التي حكم فيها "مبارك" وحزبه "الوطني" وأجهزة أمنه المتعددة... ذلك الحكم الذي طال ليله وأفقد شعبه الصبور الصبر المعهود فيه، وكاد يفقد الأمل في نهاية مرجوة لليل الظلم. لكن وكما كانت ولا تزال، سنّة الحياة، فقد جاءت نهاية "ليل الظلم"، وجاء الربيع المصري في فبراير من العام الماضي إثر "حادث صغير"، وانفجرت براكين الغضب المكتوم، ذلك الانفجار الذي عم دويه مصر كلها، وكانت الثورة التي أصبح منطلقها ميدان التحرير، حيث واجه شباب وشابات وكهول ونساء مصر آلة الأمن الذي كان يقال عنه إنه أقوى وأعتى أجهزة الأمن وأكثرها شدة وعنفاً. تحولت الشرارة التي انطلقت ذات مساء من فبراير إلى ثورة شعبية سرعان ما تعلّم مفجروها فن مقاومة الحكم الشمولي وأجهزته وأعوانه، فصمدوا حتى سقط نظام "مبارك"، ودخلت مصر مرحلة تاريخية جديدة بدأت تؤتي ثمارها. في الأيام القليلة القادمة سيمارس المصريون حقهم المشروع في اختيار رئيس جمهوريتهم (يوم الثالث والعشرين من مايو الجاري)، والشروع في تأسيس وتثبيت النظام الديمقراطي الحر الذي طال انتظاره. وهذه المرحلة الجديدة يتطلع إليها ويراقبها العالم كله، والأمل أن يؤكد الشعب المصري وقياداته السياسية والروحية أن كنانة الله في أرضه، جديرة بالمثل والقدوة، وبأن تستعيد مكانتها التاريخية في الوطن العربي، قويةً وقادرةً وشقيقةً كبرى، كما كانت قبل أن تُبتلى بحكم العسكر وسطوة النظام الشمولي الفردي. وهي مرحلة جديدة خطيرة وعصيبة، سيجد خلالها الرئيس المنتخب وفريقه الحاكم من المشاكل والأزمات ما يحتاج تجاوزها والسير بوطنهم إلى الأمام، إلى قيادة حكيمة وشجاعة وواعية بأولويات وطنها وجادة في التزامها بالعدل والقانون والعمل المثمر. فأحوال مصر ومشاكلها اليوم كثيرة وخطيرة وأولها قضية الاقتصاد الوطني الذي يشهد تدهوراً غير معهود، وثانية القضايا الكبرى وربما أهمها وأخطرها، هي قضية الوحد الوطنية التي تناوشتها السهام من كل جهة. إن قضية الوحدة الوطنية في مصر هي القضية المركزية التي بدون اتفاق المصريين جميعهم على صيانتها والدفاع عنها، سيتمزق النسيج الشعبي المصري، وذلك حلم طالما تمناه أعداء مصر في الخارج والداخل، وتمنوا أن يروا مصر وقد أصبحت بلدين. ويعرف عقلاء المصريين من هذه الأجيال الحاضرة، أن قضية الوحدة الوطنية كانت هي همّ وعمل أجدادهم وآبائهم من قادة مصر السياسيين الحكماء منذ زمن بعيد. قاوموا وحاربوا كل دعوة مشبوهة ومؤامرة مرسومة لتقسيم البلد إلى بلدين، وقد ظلت كلمة الزعيم الوطني مكرم عبيد شعار ثورة 1919، وهي العبارة الشهيرة "الدين لله والوطن للجميع"، الشعار الذي يورثه كل جيل للجيل الذي يليه. وبدون تحقيق الوحدة الوطنية العادلة، لن يستقر لمصر حال ولا أمن ولا تقدم أو تنمية مستدامة، وستكون هذه القضية من أولى القضايا التي تواجه الرئيس المنتخب الجديد والحكومة الديمقراطية المنتظرة. ويخطئ من يظن أن قضية الوحدة الوطنية هي قضية مصرية ولا تهم بقية أوطان العرب... فالتاريخ يعلّمنا أنه كلما ضعفت مصر وتعرضت للخطر فإن في بقية أوطان العرب ستضعف وتتعرض للخطر. لقد بدأت المرحلة الجديدة بداية جيدة، إذ لأول مرة في تاريخنا (باستثناء الحالة الموريتانية عام 2007)، يشاهد المواطنون العرب ويسمعون حواراً حياً ومفتوحاً بين المرشحين للرئاسة، حيث استمتعوا بالحوار المفتوح بين مرشحي الرئاسة المصريين، عمرو موسى وعبد المنعم أبوالفتوح. مثل ذلك الحوار المفتوح بين المتنافسين على الرئاسة أمراً جديداً على بلداننا، وإن كان أمراً معتاداً في السلوك السياسي للبلدان الديمقراطية العريقة. إن التاريخ سيحمّل جميع المرشحين للرئاسة المصرية والقيادات السياسية، مسؤولية عظيمة وكبيرة بأن يحثوا الخطى ويعملوا مع مصر لتجري انتخابات الرئاسة في جو حر وديمقراطي وفي إطار من النزاهة والشفافية، فإذا تحملوا هذه المسؤولية سيحترمهم العالم قبل شعبهم. فليكن يوم الثالث والعشرين من مايو عيداً ومهرجاناً لانتصار الديمقراطية، والاحترام المتبادل بين كل المرشحين للرئاسة. عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©