الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

"دعـوة حماس لزيارة موسكو" الحسابات الروسية والأدوار الدولية

14 فبراير 2006
محمد أبو الفضل:
منـذ تمكنت ' حماس ' من تحقيق فوزها الكبير فى الانتخابات التشريعية الفلسطينية وحتى الآن ولا تزال ردود الأفعال تتوالى والتقديرات تتقاطع والتكهنات تسير في اتجاهات مختلفة،واذا كانت الخلافات على المستوى الداخلي تبدو فرص احتوائها واعدة ،فانها على الصعيد الخارجي متباعدة،بسبب إصرار كل طرف على التمسك بعدد من الثوابت والالتزام بمجموعة من المطالب قبل الشروع في أى حوارات سياسية معلنة ومباشرة مع حركة ' حماس '،وجاء الموقف الروسي أخيرا ليقلب كثير من الحسابات ويعيد ترتيب جملة من التوازنات ، فقد طالب الرئيس فلاديمير بوتين بفتـح حوار مع 'حماس' ودعا قادتها لزيارة موسكو للتباحث في مستقبل عملية التسوية ،مؤكدا أن موقف بلاده من الحركة يختلف عن موقف الولايات المتحدة وأوروبا الغربية ،فوزارة الخارجية الروسية لم تعتبر الحركة ' منظمة إرهابية '،وازداد هذا التطور إثارة ، عقب تأكيد الناطق باسم الخارجية الفرنسية أن ' باريس تشارك موسكو هدف إعادة ' حماس ' الى مواقف تسمح بتحقيق هدف إنشاء دولتين تتعايشان بسلام '، وعلى هذا الأساس توالت الردود السلبية الاسرائيلية،عازفة على كل الأوتار الحزينة ،بدءا من التنديد بموسكو وموقفها الى تحريض المجتمع الدولي على مزيد من الاستنفار ضـد 'حماس' وتعطيل خطوات روسيا الجديدة ·
ويبقـى السؤال الكبير الذي يبحث عن إجابة يتعلق بالأسباب التي جعلت موسكو تتبنى طرحا يصدم بعض القوى السياسية الفاعلة على الساحتين الاقليمية والدولية، في وقت تراجع فيه الدور الروسي عن الاهتمام بالمنطقة وشئونها وفرضت بعض الدوائر الغربية أجندتها عليه،كما أن موسكو تدرك أن هناك تكاليف باهظة سوف تتكبدها جراء اتخاذ مواقف متنافرة مع قوى مؤثرة في قضايا شائكة ،وبالتالي لابد من وجود دوافع حقيقية حتمت عليها الخروج عن المنظومة التي تروج لها اسرائيل وتتبناها واشنطن وتؤمن بها أوروبا صراحة أو على استحياء ،وأنها ستكون لها تداعيات ليس فقط على آليات التعامل مع ' حماس' ، بل على مفاهيمها الرئيسية التى تحاول التمسك بأهدابها ،حتى فى ظل مرونتها واجتهادها الظاهر فى تقديم مشروع وطني ينطوي على رؤى جديدة تتماشى مع متطلبات المرحلة وافرازاتها السياسية ·
الخروج··والنص
الحاصل أن روسيا لديها رغبة منذ فترة للقيام بدور في منطقة الشرق الأوسط ،لكن غالبية تصوراتها كانت مكبلة بتصرفات قوى ممانعة لأي نشاط يقترب أو ينخرط فى قضايا اقليمية ساخنة، استنادا الى اعتقاد قال إنه سيؤدى لخلط أوراق قديمة أو يحدث تحولا فى بعض الموازين التى رسختها سياسات الولايات المتحدة لحساب اسرائيل ،لذلك يمثل استمرار الدور الروسي في المنطقة وتفاعله مع مشكلاتها عبر 'حماس' أو غيرها من القنوات والأزمات نقلة نوعية في الاهتمام بشؤونها وضبط أجزاء من مفاصلها بصورة قد يكون بها شيء من العقلانية، خاصة أن التأييد الفرنسي للدعوة الروسية يحمل إشارات أخرى في اتجاه إحداث تغيير عملي في مسيرة التوجهات التى ظلت لفترة كبيرة متحكمة في خطوط عملية التسوية ، وهو ما يشى باحتمال زيادة مساحة الخروج على النص الأمريكى الذى وضع مفاتيح الصراع العربي - الاسرائيلي في يده ، وساعد اهتزاز التقديرات الأميركية على إقناع بعض الأوساط بأهمية وجدوى التوجه الروسي الأخير·
ومن جهة أخرى، يمكن أن تستفيد موسكو من بعض التطورات السياسية لتعزيز رؤيتها وتمهيد الطريق لقبول توجهاتها ازاء 'حماس'، في مقدمتها تراجع حدة التأثيرات الاسرائيلية واحداثياتها على كثير من الدول التي رضخت لابتزازها أو وافقت على اجراءاتها أو لم تعترض على ترتيباتها للقضية الفلسطينية، فالآن بدأت أشكال التردد أو التحفظ أو الرفض على بعض مكونات السياسة الاسرائيلية تتزايد، لاسيما أن حركة ' حماس ' نجحت في توظيف امكانياتها البشرية في اقناع قطاعات سياسية متعددة بخطابها الذي عبر عنه خالد مشعل رئيس المكتب السياسي وغيره من قياداتها، وحـوى أفكارا تتسق أو تتكيف مع كثير من المعطيات الجديدة التي فرضتها نتائج الانتخابات الفلسطينية ،علاوة على أن موسكو ذاتها سعت لاتخاذ موقف متميز في مسألة الاساءة لرسول اللـه من قبل صحف أوروبية ، جعل اجتهاداتها محل ارتياح من جانب قيادات في المنطقة ، وكلها عوامل تتضافر في مشهد من المرجح أن يدعم احتمالات نجاح المساعي الروسية · وإذا كانت التحركات الروسية تتقاطع في الظاهر مع نظيرتها الأميركية في ملف ' حماس ' ، فانها يمكن أن تكون مفيدة لواشنطن وسياساتها المتعثرة في المنطقة،فلا ننسى أن موسكو عضو في اللجنة الرباعية الدولية التي تضم معها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ، وقراءة مضامين مواقفها تصب في صالح جميع أطرافها، لأنها على درجة من الاتساق فى الحصيلة النهائية للأغراض السياسية وليس العكس،بمعنى أن مساحة الصدام أو عدم التلاقي قليلة، وتعطل جهودها يرجع لعوامل تتعلق بتعنت اسرائيل وضعف قدرة الأطراف الأربعة على ممارسة ضغوط عملية تجبرها على تغيير أنماط سلوكها الرافض للاستجابة للحقوق الفلسطينية المشروعة،وفي هذا السياق تكرس المنهج الاسرائيلي على الأرض حتى أصبح من الصعوبة اقتلاعه، لذلك ثمة حاجة كبيرة لتحرك جديد من أجل إعادة الاعتبار الى فكرة التدخل الدولي الجماعي في الأزمات الاقليمية،وسيكون التوجه الروسي محكا مهما لإختبار كثير من المفاهيم للاستقرار على إحداها للتعامل مع القضية الفلسطينية فى زمن تتبـوأ فيه 'حماس' السلطة·
التكيـف··
والمستجـدات
الواقع أن قبول موسكو المضـي في لقاءات أو حوارات ،متواصلة أو متقطعة، جماعية أو فردية، من الواجب أن يسفر عن صيغة للاعتراف صراحة باسرائيل والالتزام بالاتفاقيات الفلسطينية الموقعة معها والموافقة على الدخول في تسوية سياسية بعيدا عن التلويح بمواصلة خيار المقاومة، كما أن التحركات الروسية ربما توفر مخرجا للمأزق الذي وجد المجتمع الدولي نفسه داخله،حيث ثبت أن تشدد الغرب فى التعاطي مع ' حماس ' يضفي عليها هالة أكبر ويضاعف من شعبيتها في الشوارع الفلسطينية والعربية بشكل عام، ومن الضروري أن يكون هناك طرف يخترق الحصار السياسي ،لتبدأ مرحلة من المناقشات الجادة لطرح الأفكار العميقة التى بدت حركة ' حماس ' على استعداد للتوافق مع كثير من مقاطعها ، فبمراجعة وتحليل تصريحات قادتها نتأكد من قدرتها على التكيف مع المستجدات من خلال مهارات سياسية متنوعة · وبإضافة الاستنتاجات السابقة الى فوز 'حماس' فى الانتخابات ودلالاته الكبيرة نكتشف أن فرص تدشين أدوات جديدة للتعامل مع الصراع العربى - الاسرائيلى وفيرة، تقوم على تقديم أفكار خلاقة تعتمد على أسلوب التنازلات المتبادلة المتعارف عليها فى غالبية الأدبيات السياسية الراهنة، والتى ظهرت تجلياتها فى عدد من الأزمات التى قدمت خلالها مقاربات أفضت لتحريك المياه الراكدة فى جوفها لفترات طويلة،ومن ثم لن يتمكن الأعلى صوتا أو الأطول ذراعا من التأثير بالدرجة نفسها التى كانت سائدة، فمن المنتظر أن تتحول الدفة باتجاه الأكثر ابداعا وإقناعا، فأحد أسباب التعاطف الدولى مع اسرائيل فى السنوات السابقة قدرتها على خلب عقول الدول الغربية لعقود طويلة ،فبرغم كل جرائمها استطاعت عبر خطاب مدروس بعناية تسويق وجهات نظرها فى عدد كبير من القضايا السياسية ، ويعتبر التنظيم المحكم والبرجماتية العالية من أهم أدوات 'حماس' التى تواجه بها الضغوط الاقليمية والدولية الواقعة عليها،وبالتالى من الممكن أن تكسب سياسيا فى أى جولات تفاوضية،خاصة أنها صعدت الى سدة السلطة بتأييد واسع وبأداة ديمقراطية لم يتم التشكيك فى نزاهتها· من هنا يمكن القول أن بعض الحسابات الخارجية بدأت تميل ناحية أهمية التغيير حيال 'حماس' ولصالح ترجيح كفة عدم الابتعاد عنها،لأنها أضحت أمرا يصعب تجاهله ومن المفيد التعايش معه بطريقة تعتمد على نهج المواءمات السياسية ومقتضاياتها الاستراتيجية، حتى تتمكن القوى الدولية من ادخال تعديلات متدرجة تتوافق أو تقترب من المعانى الغربية للتسوية السياسية المرحلية، فى خضم محاولات حثيثة لهضم التيار الاسلامى المعتدل وفتح باب المشاركة على أسس تعددية، من المحتمل أن تتمخض فى نهايتها عن قبول بقواعد المعادلة الغربية ، وتقود أيضا الى حلول لتحريك التسوية المتجمدة ،كوسيلة لتخفيض معدلات العنف فى المنطقة، من هذه الزاوية تتلاقى التوجهات الروسية مع نظيرتها الغربية، حتى لو رأينا اعتراضات واسعة من هنا أو هناك، وإلى حين اتمام زيارة وفد ' حماس' فى نهاية الشهر الجارى سنرى مقاطع أخرى فى المشهد الروسى ·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©