الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وداد خليفة النابودة: كل إماراتي له نصيب من «زمن السيداف»

وداد خليفة النابودة: كل إماراتي له نصيب من «زمن السيداف»
23 أغسطس 2017 20:44
«في تلك الصحراء اللامتناهية التي قحُلت أرضها، وشُح ماؤها، وأُوصدت الأرزاق أبوابها، وفتح الفقر أبوابه على مصراعيه كالأنياب الجائعة تمزق جسد الإنسان بكل ضراوة، تنافسه في ذلك أنياب الغزوات والخلافات الداخلية. حين يصبح الموت محتَّماً، ويأكل الفقر الوجوه والعقائد والأخلاق، ويقرض أجنحة الآمال، ويتحول أغلب البشر إلى وحوش ممتطية غارات السلب والنهب لمواجهة ذاك الفقر، الذي يحمل في أحد وجهيه الموت، وفي الآخر الرق والنهب المجتر لما يملكون». في «زمن السيداف» تنهمك الكاتبة الإماراتية «وداد خليفة النابودة» في التحديق في زمن «الثلاثينيات من القرن الماضي وحتى الخمسينيات من عمر الإمارات، لتفترش لنا سجادة من حياة، توقظ فيها الذاكرة الجمعية من عتمتها المعرفية بتفاصيل آلام الذات الإنسانية، وهي تكابد مصائر متينة الإحكام، وتحولات عاصفة هي سيدة الأحوال، لتستدرجنا مع زخم الأحداث، وسخونة الوصف والتعبير إلى متاهة ذلك الزمن، لنقرأ مع قدرة الكلمات على حياكة ما كان، قصة الأسلاف في حيواتهم مع عرق السعي نحو الحياة في أزمنة وأمكنة ووقائع، يتقاطع فيها الواقع بالمتخيل الفردي والجماعي، في محاولة روائية تعتبر (الأولى) للكاتبة، مما أثار فينا تساؤلات عدة ممزوجة بالدهشة والإعجاب حول الدافع لمغامرتها الروائية الأولى وهي مكتنزة ومتبلورة على 711 صفحة، بعد جهد بحثي طويل في وحل ذاكرة ذلك الزمن، استغرق منها ثلاث سنوات ونصف السنة، في محاولة منها لجمع شتات ماض مضى في خلاصة روائية هي «زمن السيداف».. من هنا كان الحوار التالي: ** لماذا نعيد «زمن السيداف» اليوم، زمن جدلية الحق والباطل، والفقر يأكل الوجوه والقيم والأعراف؟ ما حاجتنا اليوم إلى تذكر ذلك؟ ما الذي يدفعنا إلى أن نوقظ حقباً زمنية قاسية بأوجاعها وصراعاتها وخيباتها؟ - الغاية من نبش الماضي هو الإحياء لتلك الحقب لتبقى وعياً مشعاً في ذهن القارئ، لقطف العبرة، للوفاء لمن عبروا، للإنصاف لمن ظلموا، لتسليط الضوء على كفاح من رحلوا، لمعرفة الذات وإزاحة العتمة عن النموذج المتمثل في أولئك الذين صمدوا في مواجهة الصعاب، والفقر والمرض وتسلط الأقوى، ولسد الثغرات التاريخية التي سكتت عنها المصادر، كما أن نبش الماضي هو «احتفاء بالإنسان والمكان»، وكل فرد إماراتي له نصيب من «زمن السيداف»، لأنها ذاكرة الجذور. - وتضيف وداد خليفة النابودة: أنا أرى أنه لم تكن هناك خيبات، بل كان هناك «كفاح الإنسان» الذي لم يستسلم، والذي سعى للبناء من أجل حياة أفضل، تماماً كما يسعى الإنسان الآن للبناء، وإن كانت معطيات ذاك العصر وأدواته أكثر صعوبة. «زمن السيداف» هو إطلالة على الماضي، تقدم نموذجاً صادقاً لهذا الجيل حينما تواجهه الصعوبات، هو الاعتزاز بالإنسان المتحدي الذي رفض الاستسلام حينما كشَّرت عن أنيابها الصعوبات، لذلك «العبرة الإيجابية» تطرح نفسها بقوة في الرواية. هاجس «التوثيق» و«التأريخ» ** رواية «زمن السيداف» خزان نابض من عوالم تاريخية، جغرافية، سياسية، اجتماعية لحقبة زمنية معينة من ماضي الإمارات تلهج بهاجس التوثيق والتأريخ الحريص على مفردات تلك المرحلة بكل تفاصيلها، لماذا هذا الحرص اليقظ على هاجس «التوثيق» و«التأريخ» الطاغي على الحس الجمالي للرواية؟ هل من هذا المنطلق تشكلت وتكونت فكرة الرواية؟ وما الفائدة من ذلك؟ - نعم، «التوثيق» أحد دوافع كتابة رواية «زمن السيداف»، والتفاصيل متعمدة فيها، وكذلك الشمول مُتعمد، وذلك لأهمية تلك العوالم التاريخية والحرص على توثيقها. الفائدة منها كبيرة، فالرواية تُعد وثيقة جَمعت كل مناحي الحياة بكل تفاصيلها وبشكل بالغ في الدقة، ونطقت بعواطف وأحاسيس شخوصها وأمكنتها، ويمكن اعتبارها مرجعاً لتلك الفترة الزمنية تفيد المهتمين بذلك. وأرى أن «التوثيق» يسير مع الحس الجمالي بخطين متوازيين، لا يطغى أحدهما على الآخر، فالحس الروائي مناسب لعملية السرد، وموجود بقوة، ويتجلى ذلك في بساطة السرد وشفافيته وعفويته، ولا أدل على ذلك من انجذاب القارئ وتشوقه لمتابعة الأحداث بشكل كبير، وإتمام قراءته لها في وقت قصير قياساً إلى حجمها الضخم، وما خلقته في نفسه من تداعيات صرح عنها بشكل عفوي ومباشر. ** كيف ترين التصنيف المفضل لديك لرواية «زمن السيداف» وفكرتها العامة من وجهة نظرك؟ هل هي رواية تاريخية؟ أم ملحمة سردية شعبية؟ ولماذا؟ - هي «ملحمة سردية تاريخية» لفترة معينة، وبالتالي لا يمكن أن أقول «سردية شعبية»، فالرواية حينما تناولت المجتمع كان العامل السياسي والاقتصادي والثقافي موجوداً ضمن الإطار الاجتماعي، فهل ذلك يمنحها تسمية سردية شعبية؟ أنا أرى أنها تاريخية وملحمية في ذات الآن. و«الرواية» تعد مرجعاً لتفاصيل تفاصيل الحياة، مما سيتيح للكثيرين على اختلاف مجالاتهم الاعتماد عليها، لشموليتها ودقة تحريها لصدق الحدث. إعادة هيكلة الذاكرة ** علام اعتمدت في إعادة هيكلة الذاكرة بحيث تغدو طازجة ونابضة في إحياء حوادث تاريخية صغيرة وكبيرة ليس بمقدور المرء تذكرها، واستحضارها بهذا التكثيف الباذخ في دقة مفرداتها، وتفاصيلها وملامحها؟ - اعتمدت على إحساسي بذلك الماضي من خلال قراءاتي المكثفة لكم كبير من المصادر والمراجع، ولقاءاتي ببعض الشخصيات التي عاشت تلك الفترة بكل ملامحها، وما زالت على قيد الحياة، تنبض في ذاكرتها تلك الحوادث. ** ينحو الأدب المعاصر في استعماله لحوادث معينة من التاريخ إلى شحذ انتباه القرّاء للتمعّن في الحكايات التي يروونها، بغية دفعهم إلى التعمّق فيها، وإثارة الأسئلة والسجالات عن مضامينها وشيفراتها، ومحاولة التحريض على استقراء العبرة منها، ما العبرة التي تطمح الكاتبة في إيصالها إلى القارئ في رواية «زمن السيداف»؟ - شمولية الرواية تعكس أكثر من عبرة، والقراء بمختلف فئاتهم العمرية قادرون على قطف العبرة والاستفادة منها، كل حسب عمقه الثقافي ووعيه بالحدث. العبرة أتركها للقارئ الذي قد يستخلصها من الحدث. ** استرجاع الماضي مثل «عتلة روائية رئيسية»، هل أوقعك في أسر معطياته المعرفية، بحيث تخرج الرواية من «زمن السيداف» لتقول بجدارة: «أنا الوثيقة، وأنا المعلومة عن ذلك الزمن الذي تدور فيه؟». &ndash نعم، صحيح. خصوصية اللغة المحلية ** تم خرق نقاوة اللغة وصفائها مع استخدام الكثير من خصوصية اللغة المحلية، ودمجها بشكل مكثف أحياناً ومتقطع في سرديات مختلفة ضمن العمل، جعلت الرواية أقرب إلى «القاموس الشعبي» المعبر عن حنين في العودة إلى الأصول والجذور الأولى، أكثر مما هو فضول العودة إلى المنابع، واكتشاف المصدر الحسي للكلمة، وتأثيرها في التشكيل والتكوين الإنساني، مما يجعلني أتساءل ما اللغة التي تحلمين بها في الرواية؟ - «اللغة المحلية» في الحوارات ليست «قاموساً شعبياً»، وإنما هي اللغة المتداولة حالياً وفي الماضي، فالإنسان الإماراتي الآن يتحدث بنفس اللغة المحلية الواردة في حوارات الرواية، مضافاً لها ما استجد من مفردات في منظومة التطور والاختلاط بأجناس مختلفة، وطغيان اللغة الإنجليزية. وقد حرصت على استخدام اللغة المحلية في أغلب الحوارات لحفظ تلك اللهجة لجيل الشباب، خشية الابتعاد عنها، ويلزم هنا التنويه إلى أن الشباب يعود لها حينما يتحدث مع الشريحة الأكبر سناً في المجتمع الإماراتي، أما بالنسبة لهوامش تفسير مفردات الحوارات، فقد خصصتها للقارئ العربي حتى يسهل عليه فهمها. ** كيف نتلمس ونفصل بين «اللامعقول» في وقائع الرواية الصادمة بخشونة أحداثها، وبين «الواقع» منها وهي تغوص في حوادث مؤثرة من منتصف ثلاثينيات القرن الماضي وحتى الخمسينيات منه بكل تفاصيله الكثيفة والمحتدمة؟ بمعنى أين الواقع وأين التخييل الروائي؟ - «التخيل الروائي» يتجلى في عملية السرد، وفي جميع شخصيات الرواية، وهذا ملك للكاتب، أما الواقع فتمثل في الوقائع التاريخية للأحداث التي تم استقاؤها من مراجع ومصادر تاريخية عديدة، ومن ذاكرة من عاصروا تلك الفترة. ** في رأيك إلى أي حد يمكن للرواية أن تصف «نوستالجيا» عوالم وأمكنة نفتقدها، ونحنُّ إلى الاقتراب من أدق تفاصيلها، وهي تنسج علاقات الإنسان وتشكل ملامحه اليوم؟ - حينما كنت أكتب الرواية، كنت أعيشها كحالة حب ممتزج بحنين لتلك العوالم والأمكنة، التي أخرجتها من برودة، ورصانة التاريخ المُدون، حينما نبشت ذاكرتها وكتبت عن مشاعرها بشكل حميمي خاص، ويمكن القول بأنها تمكنت من إشعال الحنين داخل القارئ لدرجة كبيرة جداً، للحد الذي أوصله للتمني أن لا تنتهي الرواية، ليعيش العوالم والأمكنة التي نقلته لها، والتي افتقدها مع تحولات عصره الحالي. ** من تجربتك في التعامل مع التاريخ، أين نضع أهمية التاريخ ودوره في زمننا السريع اليوم؟ وكيف يجب التعامل معه؟ - التاريخ هو التاريخ سواء كان في الماضي أو في هذا الزمن السريع، له ذات الأهمية، وذات الدور في بناء شخصية الإنسان إن أُحسن توظيفه، وتم التعامل معه بتجرد تام، وبقراءته قراءة متعمقة بعيدة عن التعصب والانحياز. ويمكن القول في الخلاصة: إن رواية «زمن السيداف» كتبت تاريخ مجتمع كامل بموضوعية تامة، وتحَرت الدقة والصدق فيه. ** طموحك الروائي القادم؟ ولماذا؟ - أنا مستمرة في العمل الروائي، راجية من الله التوفيق في عملي القادم. أما لماذا؟ فكل رواية لها دوافعها وأسبابها، عدا أن فعل الكتابة بحد ذاته هو فعل حياة للكاتب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©