الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«غاضبون وسريعون» يرصد المفاهيم السائدة عن الخير والشر

«غاضبون وسريعون» يرصد المفاهيم السائدة عن الخير والشر
23 مايو 2011 19:23
جرت العادة أن تقسم السينما العالم إلى مكانين منفصلين لا يتسع الموقف لأي تداخل بينهما: عالم الأخيار من جهة، يقابله وكر للأشرار من الجهة المقابلة، وليس ثمة من فرصة للتقاطع ولو كان عابراً أو مؤقتاً، إنما فقط حال متواصلة من المواجهة تنتهي عادة بفوز المعسكر الأول، وذلك حتى يكون للكون الذي يحتضن كلاهما قابلية الاستمرار، وهذه رسالة تحملها أحداث فيلم «غاضبون وسريعون». على الحدود الفاصلة بين المكانين تقام حروب وتنشب صراعات، وعلى الرغم من كل المكر والخبث اللذين يتيحهما الشر لأنصاره، فإن إرادة الخير لا بد لها أن تنتصر في النهاية، لعل هذه السمة الدامغة للأعمال السينمائية هي التي جعلتها بديلاً افتراضياً مقبولاً للواقع المعيش، يقبل عليها الناس ليجدوا فيها ما لا تمنحهم إياه ظروف حياتهم الفعلية، لكنها نفسها العامل المؤثر في جعل السينما مجرد صالة معزولة عما يحيط بها من أحداث ومفارقات لا تقتصر مفاعيلها على ثنائيات صارمة واضحة، ذلك أن بين تفاصيل الحياة، في بعدها الحقيقي، ما يشير إلى إمكانية تقارب مباغت بين الأقنومين الأكثر تناقضاً أي الخير والشر، واقتراب السينما من هذا المفهوم يجعلها أشد التصاقاً وأكثر وفاء للحاضنة الواقعية التي تنبثق عنها. لعل ذلك بعض ما يحاول فيلم: «فاست فايف» فعله. الفيلم من إخراج جاستين لين، بطولة فين ديزل، بول والكر، ودواين جونسون. بداية القصة تبدأ الحكاية من دومينيك «فين ديزل»، وهو مجرم يحاكم أمام محكمة أميركية صارمة، ويتلقى حكماً يبدو أنه في منتهى القسوة: مؤبد لا يحتمل التعديل المستقبلي، ولا يقبل إمكانية إطلاق السراح المشروط، عليه أن يمضيه في أحد السجون القاسية التي يكون روادها عادة من السجناء الخطيرين. يقبل الحكم بصمت وبينما الحافلة تقله مع زملاء له تحيط بهم الإغلال من كل ناحية في صحراء مقفرة، نقع على سيارتين توحيان ان سائقيهما يدبران شيئاً ما، لن يطول بنا الوقت قبل أن نرى السيارتين تتسببان بانقلاب الشاحنة، وسريعاً تحضر شاشات التلفزة التي باتت تشبه سمكة القرش تشم رائحة الدم من بعيد وتقبل نحوها بسرعة قياسية، في أخبار التلفزيون أن الحادث لم يؤد إلى ضحايا، وأن السجناء جميعهم موجودون باستثناء: دومينيك! سريعاً سنكتشف أن السائقين هم رجل وإمرأة: ميا «جوردانا بريستر» وأوكونر «بول والكر»، ميا هي شقيقة السجين الخطر، أما الرجل فهو شريكها العاطفي، وهو أحد قدامى رجال الأمن الأميركيين، قادته أقدامه نحو معسكر الأشرار لأسباب لم يساعدنا الفيلم على تبيانها. مساحة للخير تغادرنا الصورة لنقع على مشهد ثانٍ يظهر الرجل وشريكته في مركز عصابة، يطوقهما المسلحون المكلفون حمايته، ولكن صوتا يصرخ بلغة غريبة، الأرجح أنها البرتغالية، داعياً لإفساح الطريق أمامهما، باعتبارهما أصدقاءه، هو فنسن «مات شولز» أحد الشركاء في أعمال دومينيك التي يصعب الزعم ببراءتها. لقد وصل الخارجان عن القانون إلى مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل، ومن هناك هما يخططان للهرب إلى حيث لا تطالهما يد العدالة. ثمة مجموعة من الخارجين عن القانون، لكن الأحداث تجعلهم أبطالاً للفيلم، ويكون على المشاهد التفاعل معهم بإيجابية وفقاً لسير التطورات، كما سبقت الإشارة، هنا تتضح رغبة المخرج والكاتب في اقتراح صلة مغايرة للسائد بين الخير والشر، ثمة مساحة للخير في بعض أنواع الشرور، وثمة أيضاً متسع للشر في ما يقدم نفسه بوصفه خيراً، الأمر ليس ببساطة الحواديت المألوفة، وإلا فكيف يمكن تفسير تعاطف مجهول المصدر مع فئة من المجرمين الذين قضيت النواميس البشرية أن يكون مكانهم السجن، يتسلل نحو دواخل المشاهدين الذين يفرحون لكل إنجاز يحققه فريق الأشرار الطيبين هؤلاء؟! يقترح فنسن على أوكونر وميا إنجاز عملية تمنحهما بعض المال الذي من الواضح أنهما يحتاجانه، يقبل الشريكان من دون تردد، وسيتضح سريعاً أن العملية عبارة عن سرقة سيارات موجودة في أحد القطارات، بالانتقال إلى مسرح العملية سيكون دومينيك موجوداً، وسيكون هناك آخرون كذلك، هم من جماعة هيرمان رايز (جواكيم دي الميدا)، وهو متنفذ برازيلي يملك أمولاً هائلة، ويملك معها نفوذاً استثنائياً، أما الأبرز في ما يملكه فهو عقل مرن يساعده على توطيد هيمنته على المحيطين به، وسيتضح جلياً أن الرجل خبير في التعامل مع مقومات السلطة، إذ يدور حوار بينه وبين بعض المتمولين، يخبرهم خلاله أن القوة قد لا تساعد على السيطرة، وهو يستعين لذلك بحكاية من تاريخ بلاده: جاء الإسبان إلى هنا يحملون السلاح فقاومهم الناس، وفي النهاية قتلوا كل الإسبان الموجودين في البرازيل، أما البرتغاليون فقد أتوا يحملون الهدايا، وقدموا للناس ما يجعلهم يخشون على فقدانه، لذلك يتحدث البرازيليون اليوم اللغة البرتغالية. رقاقة إلكترونية لا حقاً سيتبين أن لرايز وظيفة درامية في السياق الحدثي، فاعتماداً على كونه ممثلاً للشر الحقيقي، على الرغم من كونه متواطئاً مع بعض السيئيين من أفراد وقيادات الشرطة البرازيلية، هو عنصر صالح لتوجيه الجهود نحو القضاء على نفوذه المتصاعد بفعل الأموال المتراكمة من مصادر مشبوهة، أي أن رايز هو نموذج للمجرم الذي يختبئ خلف مشروعية مزيفة، وذلك في إصرار من جانب الفيلم على تدوير المقاييس المعتمدة، حيث لا تبقى الصورة السائدة لثنائية الخير والشرير هي المعتمدة. بالعودة إلى السياق الحدثي فقد كان مقرراً تنفيذ عملية سرقة السيارات من القطار، ما لم يعرفه ميا وأوكونر ودومنيك أن العملية هي لصالح رايز، وأثناء التنفيذ سيتلقون ببعض رجاله، وعندما يقرر دومنيك تغيير اتجاه العملية والاستيلاء على السيارات المسروقة يحصل اصطدام بين الثلاثة ورجال راميز ينتهي بفرار الثلاثي، وفي المخبأ يقومون بفك إحدى السيارات فيعثرون على رقاقة إلكترونية، يستنتجون بعد تحليلها أنها عائدة لراميز، وفيها معلومات عن أمواله الهائلة. معالم الخطة يقرر الثلاثي الحصول على أموال الثري المجرم، ويختار دومينيك لذلك مجموعة من أصدقائه الموزعين في شتى أنحاء المعمورة، لكل منهم اختصاصه في الجانب المظلم من العالم، ثم ترسم الخطط، وعندما يشكك البعض في إمكانية الحصول على كميات هائلة من النقود تخضع لحراسة مشددة، يقرر دومنيك السير في العملية، مهما كلف الأمر. يتوجه رجال العصابة وقد صار عددهم كبيراً بعد انضمام أصدقاء دومنيك إلى مكان حفظ الأموال العائدة لرايز، لا يجدون صعوبة في اقتحام المكان والسيطرة على الحراس المتراخين، باعتبار أن أحداً لا يجرؤ على التعرض لرايز الفائق السطوة، وعندما يسألهم أحد رجال رايز: هل ستظنون أنكم ستسرقون الأموال وتنجون بفعلكتم؟ يرفع الرجال الأقنعة عن وجوههم، ثم يتجه دومينيك نحو السائل مجيباً: نحن لن نسرق المال.. ثم يقوم بحرق الكتل النقدية الهائلة، وسط دهشة العاملين في المركز. كما هو متوقع يعرف راميز بالأمر، وكما كان دومنيك ورفاقه يخططون يقرر الرجل نقل أمواله الأخرى إلى مكان آمن، هنا تتضح معالم الخطة إذ يخضعون السيارات التي تنقل الأموال إلى مراقبة صارمة ليعرفوا مآلها النهائي، وتكون الدهشة سيدة الموقف عندما ينكشف المكان: راميز يخبئ نقوده في المركز الرئيس لشرطة ريو دي جانيرو!! في هذه الأثناء يقدم فريق كوماندوس أميركي مهمته القبض على الأشخاص الثلاثة، يقود الفريق ضابط يدعى هوبز، سيقول عنه دومنيك عندما يعلم بوجوده أنه لم يفشل في مهمة أبداً.. ذكاء محترف تتوالى الأحداث متسارعة في قالب من الأكشن المتقن، حيث يسود قدر هائل العنف المغلف بذكاء محترف، عوائق شتى يتمكن سارقو السارق من اختراقها بكثير من المهنية وكثير من الحظ أيضاً، وفي الختام يلقى هوبز القبض على دومنيك ورجاله، لكن الموكب الذي ينقلهم نحو المطار يتعرض لكمين من رجال رايز، وهناك يصاب هوبز ويساهم دومنيك في انقاذه، تتغير النظرة التي يحملها ضابط الكوماندوس إلى الخارجين عن القانون، لكنه يبدي إصراراً على تنفيذ القانون، يعطيهم فرصة لتسليم أنفسهم، لكنه يبدو كما لو أنه يمنحهم فرصة للفرار، وفي النهاية يهرب المطلوبون بينما يكتفي هوبز بالضحك حتى الثمالة.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©