الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جورج ماهر: الفن لم يعد فناً

15 فبراير 2006
دمشق ـ فاطمة شعبان:
طيف واسع يغطي التجربة الفنية للفنان السوري جورج ماهر، تبدأ من التعامل مع الأساطير القديمة ومحاولة استخدامها في سياقات حديثة، وفي إطار تجديد الهوية أو البحث عن مكونات قوية لها في هذه الأساطير، ولا تنتهي عند الحياة الحديثة وعازفي الموسيقى· هذا الطيف من الاهتمامات التعبيرية أعطى تجربة ماهر أبعادا مختلفة، ولكنها جميعاً، يجمعها الهم الإنساني· وجورج ماهر تخرج من جامعات ألمانيا في العام ،1975 وحصل على جائزة بابلو نيرودا في معرض أنترغرافيك في برلين في العام ·1973 أقام الكثير من المعارض داخل سوريا وخارجها، وهو متفرغ للعمل الفني·
حول تجربته الفنية، كان لنا معه الحوار التالي:
؟ في معرضك الأخير تناولت عدة موضوعات، بشكل خاص الأساطير، لماذا هذه العودة إلى استلهام الأساطير والتركيز على طروحاتها؟
؟؟ العودة لاستلهام الأساطير ضرورية من وقت لآخر، لأنها بالأساس جزء من تراثنا الفكري وهويتنا، وإذا أردنا البحث عن هوية فنية خاصة بنا علينا البحث في تراثنا، والأساطير لانها جزء منه، وهي ليست مجرد حكايات خرافية وإنما فكر إنساني خلق المعتقدات والأفكار الإنسانية والاجتماعية في الماضي البعيد· لذلك يجب أن نعتز بالأساطير كفكر إنساني وزاد فكري ضخم ومهم لم نستطع تطويره ولا نستطيع الآن المحافظة عليه، وأن نستنبط منه هوية جديدة للفن·
دلالات أسطورية
؟ تناولت أسطورتي 'عشتار' و 'كيرت'، ما الدلالات التي استلهمتها من هاتين الأسطورتين وماذا تريد أن تقول؟
؟؟ أسطورة 'كيرت' من الأساطير الأوغاريتية، وهي أسطورة قديمة جداً تروي حكاية كيرت أحد ملوك أوغاريت، أراد أن يورث الحكم لابنه من بعده ولكن الآلهة رفضت، وطلبت منه أن يولي أهمية أكبر لنشر العدل في مملكته، واشترطت عليه أن يمنح الحرية لشعبه قبل أن يورث الحكم لابنه، ولكن كيرت عارض الآلهة ورفض الانصياع لشروطها، فعاقبته الآلهة وجعلت منه مريضاً طريح الفراش يعاني الآلام لفترة طويلة من الزمن يتمنى الموت في كل لحظة· هذه الأسطورة تحمل العديد من المعاني والدلالات التي تتكرر هذه الأيام، وهي البحث عن العدالة والحرية والديموقراطية، ووجوب نشرها كحقوق ضرورية في حياة الشعوب، لذلك استلهام دلالات هذه الأسطورة اصبح اليوم ضرورة·
بالنسبة لأسطورة عشتار، لم استلهم منها الدلالات الجمالية فقط، لأن عشتار لم تكن رمزاً للجمال فقط، وإنما حملت العديد من الدلالات والمعاني والرموز في أساطير الحضارات السومرية والأوغاريتية والكنعانية القديمة، في الفكر الإنساني لهذه الحضارات كانت عشتار رمزاً للحب والجمال والخصوبة والعطاء، فهي الأرض وثمرة القمح والأم··· وغيرها من الرموز·
المرأة ككائن
؟ المرأة وقضاياها من المواضيع الإشكالية في المجتمع، وتناولها تشكيلياً إشكالية أيضاً، كيف تجاوزت هذه الإشكالية؟
؟؟ تناولت موضوع المرأة من منظار واقعي، ركزت على المرأة في الحياة الواقعية وأبرزت أدوارها في المجتمع كأم وامرأة عاملة وإنسانة قبل كل شيء· هناك الكثير، ليس في أوساط الفنانين فقط وإنما في المجتمع ككل، ممن ينظرون إلى المرأة هذه النظرة الدونية، ينظرون إليها على أنها كائن درجة ثانية، كائن مستكين ضعيف لا حول له ولا قوة، في أعمالي أبرزت المرأة مثلها مثل الرجل لها نفس المكانة لا أقل ولا أكثر، أبرزت المرأة ذات الشخصية القوية المتوثبة التواقة لعيش حياتها جنباً إلى جنب الرجل بشكل متساو معه، سواء كانت أم، أو عاملة· أنا لا أدافع هنا عن حقوق المرأة بقدر ما أريد أن أقول لها أنها كائن متساو مع الرجل لها نفس الحقوق والمكانة وتملك نفس الإمكانيات والمقدرات، ويجب ألا تنتظر من أحد أن يمد لها يد المساعدة أو أن يقدم لها حقوقها، وإنما يجب أن تأخذ هذه الحقوق بيدها· المرأة في أعمالي ليست ضعيفة ولكنها في نفس الوقت ليست متوحشة أو مسترجلة وإنما كائن من خلق الله لها نفس الحقوق مثلها مثل الرجل·
؟ هل يعني الابتعاد عن تصوير المرأة كأنثى فاتنة مغرية ورقيقة وناعمة، أن تمتلك في أغلب اللوحات عضلات ذكورية؟
؟؟ من الناحية الفيزيولوجية لا يختلف تكوين جسد المرأة عن تكوين جسد الرجل إلا من الناحية التي تجعل منها أنثى وتجعل منه ذكراً، وخلاف ذلك هي كالرجل لا تقل عنه عقلاً أو كفاءة· في العديد من المناطق السورية والعربية، تعمل المرأة أكثر من الرجل، لأنها تقوم بأعمال أكثر مما يقوم به الرجل، داخل البيت وخارجه، فهي أم تنجب الأولاد وتقوم بتربيتهم وربة منزل، وتعمل في الحقول والمعامل وفي كل المجالات الأخرى· الفكرة هنا أن المرأة ليست دائماً ناعمة، لأنها عندما تقوم بمهام وأعباء كثيرة تفقد هذه النعومة، ويصبح جسدها أكثر صلابة وخشونة· هناك الكثير من الأفكار والطروحات التي تحد من إمكانات المرأة وتحجمها وتضعها في صورة معينة، ثبت خطؤها ويجب أن نعيد النظر بها·
تصوير الحركة
؟ على عكس الواقع العربي اليوم، نرى في أعمالك التي تتناول الجواد، أحد أهم رموز العروبة، متوثباً ثائراً منطلقاً بحرية، وغالباً ما يشبه الإنسان في حركاته، ما الذي تريد قوله عبر هذه اللوحات؟
؟؟ لا يمثل الجواد رمزاً واحداً وإنما مجموعة من الرموز التي تحمل منظومة من القيم الأخلاقية العربية، التوثب والإقدام، الحرية والثورة وعدم الانصياع، الحركة الدائمة، وهو بذلك رمز للإنسان العربي بكل ما يحمله من قيم·
؟ لماذا تركز كثيراً على حركة الجسد؟
؟؟ بشكل عام النهج الذي اتبعه في الفن، هو الحركة، اركز على الحركة بشكل دائم، رغم أنني ارسم بشكل واقعي، إلا أنني اختار اللقطة المناسبة للتعبير الذي أريد أن أطرح من خلاله الفكرة التي يجب أن تصل للمتلقي عن طريق معالجة الحركة· كل المواضيع التي عالجتها في أعمالي عالجتها عن طريق معالجة حركات معينة، فتظهر الأجساد، سواء الجياد أو المرأة أو الرجل، وحتى عازفي العود والكمان، هما في أوضاع متحركة وليست في أوضاع جامدة ميتة، الحركة تضفي الحياة على اللوحة، هذه لحظات صعب رسمها، والأصعب أن نجعل من الجمود حركة، ولكن هوايتي اختيار المواضيع الصعبة وتنفيذها·
النحت أمنيتي
؟ تتداخل في لوحتك عناصر تشكيلية وعناصر نحتية، ماذا تضفي العناصر النحتية على لوحتك، هل كنت تتمنى لو كنت نحاتاً؟
؟؟ حقيقة، النحت يظل أمنية لو أستطيع التفرغ له، لكنني أعوض عن ذلك من خلال الرسم، لوحاتي فيها عناصر كثيرة من النحت، والسبب في ذلك أنني أتعمق جداً في التفاصيل، أهتم بالبعد الثالث، لذلك تأخذ أعمالي هذا الطابع، هذا لا يسيء للعمل على الإطلاق، وإنما يعطيه قيماً نحتية بالإضافة للقيم اللونية والقيم التشكيلية الأخرى· اختلاط الفنون ببعضها البعض أفضل للعمل الفني، وربما أعمالي مثال لهذا الاختلاط·
؟ اهتمامك بموضوع اللوحة والحركة يطغى على اهتمامك بالقيم اللونية، لماذا؟
؟؟ لأنني أركز في أعمالي على موضوع اللوحة، ثم أعطي هذا الموضوع الشكل الذي يناسبه واللون المعبر عنه، أترك لنفسي الحرية في اختيار الحركة واختيار اللون بحيث أعطي للتعبير مداه لكي يصل للمتلقي· أنا أوظف اللون في خدمة الموضوع وإظهاره، لأننا إذا اهتممنا باللون على حساب الموضوع اصبح هو الطاغي، والمواضيع التي اختارها ليس مواضيع لون وإنما مواضيع حركة·
؟ يزداد اليوم الطلب على اللوحة التزينية، برأيك ألا يؤثر هذا الأمر سلباً على الفنان التشكيلي ورسالة الفن التشكيلي؟
؟؟ بالتأكيد الفن لم يبق فناً، الآن أصبحت اللوحة تنفذ حسب الطلب، على مقاس المكان المراد وضعها فيه، هذا الأمر أثر بالتأكيد على حرية الفنان وخياراته، وأصبحت العفوية واللاشعور لديه مقيدان، وهذا بالتالي يجعل من الفن مقصراً عن أداء رسالته ووظيفته الحقيقية· نحن لا نستطيع لوم الفنان، لأن الفنان في النهاية يريد أن يعيش، وإذا كان المجتمع قد افرز مثل هكذا مفاهيم حول الفن، فالفنان مضطر لأن يماشي هذه المفاهيم لكي يعيش·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©