الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فلج المعلا ·· واحة معطرة بكرم البداوة

فلج المعلا ·· واحة معطرة بكرم البداوة
7 فبراير 2009 01:31
في الصباح الباكر يلتمس المرء الطريق إلى واحة فلج المعلا التي تبعد 40 كم عن أم القيوين، وتجاور واحة الذيد ـ سلة فواكه الإمارات ـ الضباب يقترب من الأرض، يغسل شجر النخيل، والنباتات والأشجار الصحراوية المتعطشة، للحياة في المزارع والمناطق المجاورة، ويغطي زجاج السيارة التي تسير بشيء من الحذر خشية الانزلاق في هذا الجو الضبابي الكثيف، وقريباً من البلدة تصبح الرؤية أجمل، حيث خيوط المشهد الصباحي تكون قد اكتملت، التماعات بديعة لأشعة الشمس تتساقط من الفضاء الهادئ اللانهائي، مشهد الناس الذين يتوافدون على جانبي الطرقات، والعصافير والطيور التي ترقص وتهدل وتغني لحن الحياة على الأغصان، وفوق الجبال المنتشرة في تلك البقعة التي تجد فيها ما تأكله من أشجار ونباتات شوكية، معلنة بشارة ولادة نهار جديد· في ذلك الأفق الرحب على امتداد المكان،كل شيء ينطق بذاته، يعبر عن الحفاوة البالغة، والشوق والاحترام لكل قادم جديد،كل شيء يشي بأن واحة فلج المعلا قطعة من الحياة النابضة بالخضرة وجمال الطبيعة الأخاذ، كما أنها توفر الوقت الكافي والمفتوح للراحة والاستجمام من عناء العمل، وضوضاء المدن المزدحمة، حيث تكثر زراعة النخيل التي تحمل بشارة الفرح والمواسم، والخضراوات الطازجة من خيرات الأرض· يعيش أهل فلج المعلا في سعادة وهدوء بال، يستنشق الزائر في أرجائها عطر البداوة والكرم الحاتمي، ويبحث في فضائها عن رحيق الوفاء والزهور النابتة بعد نزول المطر· يشعر كل قادم لهذه القطعة من أرض الإمارات بالألفة والطمأنينة، لأنه يعيش الحياة على طبيعتها، حيث يسير في شوارعها وطرقاتها وخلائها الفسيح دون أن تخبط به الأكتاف، ويلمس الود والتعاطف من قبل سكانها الذين يؤدون له التحية بكل تلقائية، وطيبة بدوية أصيلة، ويطلبون خدمة يقدمونها له· الراشدية في مدخل هذه الواحة الريفية الجميلة تقع الراشدية، التي تكثر فيها مزارع النخيل المتدرجة إلى بطن الوادي، إنها صورة فنية رائعة، لهذه المنطقة الصغيرة التي ترفل في ثياب خضراء، وهي مفتونة بجمالها، وبما وهبها الله من سحر الطبيعة، وجمالها الأخاذ· وعلى بعد أمتار تستقبلك أشجار حديقة فلج المعلا الباسقة، والتي يؤمها الناس أثناء العطل والإجازات، تجاورها مدرسة فلج المعلا الثانوية للبنات، وفي المنطقة ذاتها مدرستان هما مدرسة ابتدائية، ومدرسة حاتم الطائي الثانوية للبنين تيمناً برمز الكرم العربي، وهذه المنطقة تتميز بالحيوية والنشاط، يذهب إليها الطلاب في الحافلات، أو في سيارات ذويهم، لكن هذه الحركة في الشارع ما تلبث أن تهدأ حين يقرع جرس المدرسة، ويبدأ الطلبة في تلقي الدروس، حيث يتحول أهم شوارع فلج المعلا وأجملها إلى هدوء تام، لا يتحرك فيه أحد، باستثناء بعض السيارات التي تقطعه ذهاباً وإياباً إلى أم القيوين بشكل نادر· وكل زائر لفلج المعلا يرى نموذجاً آخر للصحراء، بفضل شبكة الطرق الحديثة التي تربط بين مختلف مناطق الإمارات، وتدفق أبناء الإمارات على العلم، ومواكبتهم لحركة الثقافة والنهضة والعمران في مختلف المجالات، والعديد من أبناء الفلج يعملون في مختلف المراكز الحيوية في الدولة خاصة في القوات المسلحة، وكلما اقتربت من أهلها وشبابها أكثر تشعر كم يحمل هؤلاء الناس من وفاء لدولتهم، وطيب معشر ودماثة خلق، ومهما كانت واحتهم جميلة وهادئة، فإن اللوحة الفنية البديعة التي خلقها الله تستكمل بالتعرف على هؤلاء الناس الطيبين التلقائيين في سلوكهم وتصرفاتهم عن كثب، إنه البدوي الذي صقلته رمال الصحراء، وأرضعته التجربة مع الضواري لبان التحدي والصبر والصمود· ما زالت العلاقات العشائرية المحافظة الأصيلة تربط هؤلاء الناس بعضهم ببعض ، يعيشون أجواء عربية صافية في مناخها، يزورون بعضهم بعضاً، ويعتزون بعلاقاتهم، ونسبهم وعاداتهم المتوارثة جيلاً بعد جيل· يقيمون أعراسهم داخل الخيام المضروبة وسط الصحراء، حيث يحدون بالأغاني البدوية الجميلة، ويقدمون أطباق الأرز المفروشة بلحم القعدان الصغيرة والماعز والخراف البلدية، وفي بعض الحالات يحيون هذه الأعراس في القاعات والفنادق الراقية سواء في أم القيوين أوالشارقة أو دبي، إنهم يفرحون معاً، ويحزنون معاً · أما الشباب منهم فإنهم منفتحون على تطورات الحياة الحديثة، حيث تراهم مستغرقين في مقاهي الإنترنت، يستخدمون الشبكة العنكبوتية ليكونوا قريبين من كل مكان على وجه البسيطة، وهم في المدارس والجامعات من الطلاب المتميزين· وحين ينفرون أفراداً وجماعات في الصحراء المحيطة التي لم يصلها العمران، والشوارع المعبدة، فإنهم ينطلقون بسياراتهم الصاروخية من أجل التسلية واللعب، حيث ترتقي السيارة فوق التلال الرملية، ثم تهبط بسرعة البرق، مثيرة الغبار الذي يملأ الأجواء، وهو ما يدخل البهجة والسرور إلى قلوبهم· الآباء والأبناء والعلاقات بين الآباء والأبناء في فلج المعلا ما زالت متماسكة وقوية، إنه مجتمع أبوي محافظ، لا يوجد فيه جموح الأبناء، أو تجاوزهم لسلطة رب العائلة، ولا حتى القريب أو شيخ العشيرة، أو المدرس الذي يعلمهم، هناك احترام وواجب وتقدير لكلمة كبير السن التي لا تناقش· وفي فلج المعلا مستشفى متكامل، وقصور وبنايات حديثة، إلى جانب البيوت الشعبية العادية، ويربي الناس الجمال والأبقار في المزارع المحيطة بالبلدة، حيث يشربون حليب النوق الطازج، كما أنهم يعتمدون على سباقات الهجن اعتماداً كبيراً، ويبيعون النوق السريعة بمبالغ طائلة، لذا فإن السكان من الناحية المادية مرتاحون تماماً· ولأن البدوي ما زال غير منقطع عن حياة الماضي، ويربطه حنين كبير بمفردات الحياة القديمة، رغم التكيف مع الحياة العصرية، فإن كل فرد في العائلة لا يفارق ما يقتنيه من دواب في مزرعته، رغم وجود العمال الذين يقومون بالعمل في هذه المزارع، وحين لا يمتلك مزرعة فإنه يضع هذه الدواب في بيت من الشعر قريباً من بيته الذي يعيش فيه، وهو يربيها في أغلب الحالات من أجل استهلاك الأسرة من الحليب والأجبان والجميد والأضاحي، فيما الجمال والنوق من أجل سباقات الهجن والتجارة، ولأنها منطقة غنية بالجمال فقد أقامت أبوظبي زمن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد طيب الله ثراه ''معقر اللبسة'' الذي تعقر فيه الجمال، وتباع حلالاً طيباً للناس الذين يفدون إليه من كل مكان في الإمارات الشمالية، وفي الجهة المقابلة منه سباق للهجن الذي تقام فيه السباقات، ويفوز الرابحون بجوائز مجدية، فيما يصل ثمن الناقة الفائزة إلى ملايين الدراهم· أما سوق فلج المعلا الشعبي فإنه يشطرها إلى قسمين، حيث تقع الدكاكين، ومختلف المستلزمات الحيوية من مطاعم، وكراجات، ومحطات بترول وصولاً إلى حدود الذيد، حيث أقام الشيخ زايد طيب الله ثراه قصراً على تلة مرتفعة في منتصف المسافة بين فلج المعلا والذيد· ولأن الفلج كانت مصيف الإماراتيين في الماضي، وتقع في طرف إمارة أم القيوين، فقد أقيم فيها حصن فلج المعلا، ويتكون من بناء مربع الشكل ذي برجين، أحدهما في الجهة الشمالية الشرقية، والآخر في الجهة الجنوبية الغربية، يتكون من مجلس كبير للحاكم، بالإضافة إلى المربعة، وتطل الردهات الثلاث على فناء داخلي، وقد بني الحصن من الحجارة البحرية· ويوجد مسجد قديم ألحق به، ويتكون من مربعة كبيرة للصلاة، ومحراب، وقد بني في عهد الشيخ عبدالله بن راشد الأول، وله مكانة خاصة في ذاكرة أهل الفلج، حيث بني من الحجارة الطينية واستخدم خشب الصندل والدعون للتسقيف· أما أبراج فلج المعلا فهي خمسة أبراج هي ''الصنابي، الشمالي، الوسطاني، بن حليس، الشريعة'' وهي أبراج برية، بنيت لحماية الإمارة ومراقبتها من الجهة البرية ومنابع المياه، قاعدتها أكبر من قمتها، تتكون من ثلاث شرفات، يتخلل بدنها المزاغل العمودية والأفقية، أما مادة البناء فهي عبارة عن أحجار طينية، وقد استخدم سعف النخيل للتسقيف، كما أنها متساوية الإرتفاع، والمسافة التي تفصل بينها منتظمة· شريعة الفلج وفي هذه الواحة المشجرة بالنخيل الأخضر، تقع شريعة الفلج''مصب الفلج'' وقد بنيت في عهد الشيخ عبدالله بن راشد المعلا الأول، وهي عبارة عن قناة ظهور الماء من باطن الأرض''أمهات الفلج'' إلى جهات أخرى على سطحها، ويسير الماء بقدرة الله سبحانه وتعالى على ميلان الأرض بحيث لا تستطيع أن تميز هبوط أو ارتفاع منسوب المياه داخل جوف الفلج حيث يسير تحت سطح الأرض في طريق مستقيم، بل يلتف ويدور مساره على مسافة، وتعتبر هذه الدورانات حركة المياه لتجعل منسوب المياه معتدلاً وتعطي الماء قوة ويسير الماء حتى تظهر عند الشريعة·
المصدر: أم القيوين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©