الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«فيسبوك» و«تويتر».. عندما يصعد الجمهور إلى المسرح ويخطف الأضواء من الممثلين!

«فيسبوك» و«تويتر».. عندما يصعد الجمهور إلى المسرح ويخطف الأضواء من الممثلين!
20 مايو 2015 22:35
كيف غيرت «LIKE» و«SHARE» عالم الإعلام إلى الأبد؟! «فيسبوك» و«تويتر».. عندما يصعد الجمهور إلى المسرح ويخطف الأضواء من الممثلين! تدريجياً وبعمق، غيرت التكنولوجيا أشياء كثيرة من حولنا، وأصبح «الفيسبوك» و«تويتر» لكثيرين كالماء والهواء، ويحلو للإعلاميين العرب الحديث طويلاً عن سطوة الاثنين، وكيف أسقطا نظم حكم عتيدة، وكيف يمارسان نفوذاً هائلاً على قطاعات عريضة في المجتمعات العربية. لكن المفارقة أن الإعلاميين وأصحاب الفكر والرأي، أنفسهم تعصف بهم رياح «الفيسبوك» و«تويتر»، بل إنها قوضت نفوذاً وامتيازات ضخمة احتكروها قروناً طويلة.? حدث ذلك لأن سحر التكنولوجيا، مكن ملايين البشر العاديين– بضغط زر- من ضخ وتداول كم هائل من المعلومات والآراء والأفكار (بصرف النظر عن حظها من الموضوعية)، فصار المستهلكون (القراء) طرفاً فاعلاً وأساسياً في التواصل الإعلامي. وأصبحوا هم والصحفيون سواء في بعض الأحيان.?? وغيَّر هذا التبادل المثير للأدوار، تماماً، قواعد لعبة، استقرت منذ اختراع الكتابة قبل أكثر من ألفي عام. كانت هذه القواعد تقضي بأن يطلق الزعيم، الكاهن، المفكر، الكاتب، ما يحلو له من أفكار، من برجه العاجي، من دون أن يملك الآخرون حق التعقيب والرد أو حتى التعبير عن الرضى أو الرفض.. ولو بإيماءة.? صار ذلك من الماضي السحيق. القراء الآن يستطيعون، بفضل الإنترنت وتويتر، أن يطرح كل منهم وجهة نظره، ويعبر عن رأيه في كل شيء حوله بالفضاء العام للمجتمع، بعدما عاش تاريخاً طويلاً في الظل. ولم يعد الزعيم ولا الكاهن ولا المفكر ولا الكاتب، صاحب سلطة مطلقة.. يقول ما يشاء، ولا يسمع سوى صدى صوته. لقد غيرت "LIKE" و"SHARE" و"COMMENT" مسار التاريخ. وهذا هو الجوهر العميق والمذهل لما فعلته التكنولوجيا بالبشرية في لحظة استثنائية من تاريخها. ومع أنه لا أحد يعرف كيف يمكن أن يتطور الأمر مستقبلاً، خاصة مع تزايد انبهار قطاعات عريضة في مجتمعات العالم الثالث بفكرة التعبير الحر عن الرأي، وتمسكهم بها، إلا أن ما نعرفه جميعا الآن.. هو أن القراء أصبحوا جزءاً من العرض. ولم يعودوا مجرد كتلة صماء مصمتة ، قابعة في الظلام، يسميها الكتاب والصحفيون والمثقفون ، بتعالٍ.. "جمهور". الآن صار لهم صوت وحضور حقيقيان. ولم يعد الكاتب بطلاً وحيداً على المسرح. والجدار الوهمي في صالة العرض بين الممثلين والمتفرجين (القراء)، قوضه «فيسبوك» و«تويتر». ??وأضحى الكاتب مجرد عنصر ضمن عملية تفاعلية، يستمتع الجمهور بالمشاركة فيها ومتابعتها طوال الوقت. ??وعلى من يشك في ذلك، أن يتابع ما ينشر على الإنترنت.. وسيجد أن الكاتب أو - بمعنى أصح ما يكتبه ـ يصبح أحياناً بمثابة جدار أو شاشة سينما، تصنع حركة الجمهور أمامها عرضاً موازياً يتداخل مع العرض الحقيقي على الشاشة نفسها. ?فالقراء يخوضون حواراً مشتركاً فيما بينهم، تعليقاً على مضمون أفكار ورؤى كاتبنا، التي تتحول تدريجياً إلى هامش لمتن يكتبونه على "جدار" الكاتب. وأصبح هناك ما يشبه التصويت اليومي على شعبية الكاتب، التي يمكن رصدها بعدد القراءات أو التعليقات أو عدد مرات إرسال المقال لآخرين. ?يعني ذلك ببساطة أن الكاهن، المثقف، الكاتب، سقط من عليائه في مواجهة حشود غفيرة، يصعب السيطرة عليها أو إرضائها أو التلاعب بعواطفها وأفكارها. إنه نفسه يتجرع الكأس ذاته الذي ذاقه حكام أسقطهم الـ«فيسبوك» و«تويتر». ? ?إلا أن لهذه الظاهرة، وجه آخر يتعين الانتباه إليه في عالمنا العربي، الذي يعيش الآن ما يمكن أن نسميه لحظة «صعود الحشود».. بفضل الـ«فيسبوك» و«تويتر». إذ لم يشهد التاريخ من قبل أن امتلك الملايين القدرة على التعبير عن آرائهم مثلما هي الحال الآن. وعندما يحدث ذلك في لحظة ملتهبة مشحونة بطاقة غضب هائلة، بعد عقود طويلة من الكبت والحرمان والركود والإخفاقات المؤلمة، يثير الأمر القلق على أكثر من مستوى. والبعض قد يرى في ذلك لحظة تاريخية تنبيء بمستقبل أفضل وأكثر استقراراً، والبعض الآخر ـ قد يرى في ذلك مخاطر شديدة تهدد سلامة وأمن مجتمعاتنا العربية. ? طبعا لا ينطبق الأمر على المجتمعات الغربية التي ظهر فيها الإنترنت، في لحظة كانت تملك فيها أساساً أدوات وأسساً راسخة للتعبير عن الآراء والأفكار، والتي يمكن فيها أن يغير فيها الناخب رئيسه، كما يغير سيارته كل أربع سنوات. لكن ظهور الإنترنت في العالم العربي، وفي هذه اللحظة تحديداً.. أي سابقاً لظهور وترسخ فكرة الديمقراطية وآلياتها، يطرح تحديات بالغة الخطورة.. لأن ما نحن بصدده الآن هو.. فائض هائل من الآراء والأفكار المحصور تداولها حتى الآن في نطاق العالم الافتراضي، لكن في لحظة لاحقة سيؤثر ذلك من دون شك في الواقع الموازي. والمشكلة أنه حتى الآن لا توجد آليات عملية فعالة ابتكرتها المجتمعات العربية، للتعامل مع هذا الفيضان بطريقة سلسلة وإيجابية، تضمن أمنها واستقرارها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©