الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مركزية السلطة... مشكلة العراق الأولى

مركزية السلطة... مشكلة العراق الأولى
20 مايو 2013 22:21
مايكل نايتس باحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى عندما كانت القوات الأميركية تنسحب من العراق في عام 2010 بدت الجهود الأميركية المحمومة لضمان استقراره وتهدئة أوضاعه المضطربة مهمة تشبه إلى حد كبير ذلك الرجل المرهق الذي يدفع بصخرة ثقيلة إلى أعلى الجبل، وحتى عندما تشكل ما يكفي من الزخم لحمل الأثقال وتجشم العناء ولاحت بوادر الانفراج ظلت الأسئلة قائمة حول ما إذا كان العراق قد وصل بالفعل إلى بر الأمان ما يغني عن الحاجة إلى دفع الصخرة، أم أن الوضع ما زال هشاً مع احتمالات مفتوحة لتراجع الصخرة إلى الوراء لتسحقنا جميعاً. والحقيقة أن هذه الأسئلة والهواجس التي تعذرت الإجابة عنها على نحو واضح خلال فترة الانسحاب باتت معروفة اليوم، بل ليست مفاجئة بالنظر إلى ما آل إليه الوضع في العراق من تردٍّ خطير، فمشاكل العراق الحالية التي يتخبط فيها ليست جديدة تدل عليها موجة العنف المستجدة ذات الأبعاد الطائفية والعرقية التي أطلت برأسها على العراق وتجسدت في التفجيرات المنسقة التي تضرب أحياء شيعية في العاصمة بغداد، ومناطق أخرى في شمال البلاد، ما أدى حسب آخر حصيلة إلى سقوط 30 قتيلاً وعدد كبير من الجرحى، كما أن نوبة العنف الأخيرة جاءت في أعقاب مواجهات جرت بين الجيش العراقي والمتظاهرين السنة، وبينه بين بقايا المتمردين خلال الشهر الماضي، وهي المواجهات التي بدا فيها أن الحكومة الفيدرالية فقدت السيطرة ولو مؤقتاً على أجزاء من بلدات وبعض الأحياء في محافظات كركوك ونينوى وديالى. وبسبب هذا الوضع بدأنا نلاحظ بعض المؤشرات المقلقة التي اعتقد الجميع أنها غابت عن الساحة العراقية، فالميليشيات المسلحة عادت إلى الواجهة وبدأت تُفعّل نفسها، كما رجعت أيضاً الأعمال الانتقامية بين السنة والشيعة عبر استهداف مساجد بعضهم بعضاً، فيما بدأت بعض وحدات الجيش العراقي تنقسم على أساس عرقي وطائفي وتعاني من تغييب مزمن للجنود. يضاف إلى ذلك أن عدداً من أطراف العملية السياسية في العراق من أكراد وسنة وشيعة باتوا محبطين من عدم قدرة الحكومة على معالجة المظالم السياسية والاقتصادية، ما دفع البعض منهم إلى الحديث بجدية عن الانفصال، وكأن هذه المشاكل لا تكفي قامت الحكومة بسلسلة من الأخطاء كان آخرها في 23 أبريل عندما أساء المالكي التقدير وقرر الإغارة على ساحة المعتصمين ببلدة الحويجة فتحولت العملية إلى مواجهة مسلحة سقط فيها العشرات من القتلى، وهذه الحادثة قد تصبح نقطة مفصلية لما تشكله من عامل جذب للجماعات المتطرفة مثل تنظيم «القاعدة»، والحركة النقشبندية (القريبة من البعث)، والتي تصب جميعها في الدعوات المطالبة بمقاومة ما يُطلق عليه المد الصفوي في إحالة إلى السيطرة الإيرانية على العراق. وليس أدل على العنف في العراق من الأرقام التي تقيسه على نحو دقيق، ولاسيما تلك التي تسجلها قاعدة بيانات معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، والتي تقول إن الهجمات في الربع الأول من السنة 2011 وصل معدلها إلى 358 هجوماً، وهو رقم على رغم ارتفاعه يمثل أدنى مستوى من العنف منذ 2004 في إشارة واضحة إلى مشاكل العراق المتفاقمة. ولكن بحلول الربع الأول من عام 2013 قفز عدد الهجمات إلى 804 هجوماً، فما الذي يحدث في العراق؟ يرى بعض الخبراء المخضرمين في الشأن العراقي مثل السفير الأميركي السابق في بغداد، رايان كروكر، أن ما يجري في بلاد الرافدين هو عودة لسنوات 2006 و2007 عندما غرقت البلاد في أتون ما يشبه الحرب الأهلية. ولكن بالنسبة لي يبقى الأقرب إلى الحالة العراقية الراهنة هو تلك الأخطاء التي ارتكبت غداة الغزو في عام 2003 من إجراءات قامت بها قوات التحالف ممهدة الطريقة لظهور التمرد. والحقيقة اليوم أن الحكومة العراقية ترتكب ذات الأخطاء، فهي تقصي السُّنة وتتعامل مع مناطقهم تعاملاً قاسياً يقوم على القبضة العسكرية الثقيلة التي لا تميز بين المتطرفين والأغلبية الكبيرة من السكان المسالمين. وفي محاولة منها لصرف الانتباه عن إخفاقاتها لجأت الحكومة العراقية إلى تحميل المسؤولية للانتفاضة السورية وتداعياتها على الداخل العراقي، لكن هذا الطرح لا يستقيم لأن تدهور الوضع الأمني في العراق سبق بداية الأزمة السورية في ربيع 2011، ولا يمكن أيضاً ربط العنف الحالي بالأحقاد القديمة بين السنة والشيعة، بل إن رفض الحكومة العراقية إنهاء عملية العقاب الجماعي التي تطال السنة وتحميلهم أوزار نظام «البعث» هو ما يفسر انبعاث جذوة الطائفية في العراق. وقبل ذلك كله في تفسير تدهور الوضع العراقي لجوء بغداد إلى مركزية السلطة، ولاسيما بعد الاستعجال والرهاب الطائفي الذي أبدته الجماعة الحاكمة في العراق. ومع أن الولايات المتحدة كانت واعية بهذا الخطر منذ البداية عندما دخلت العراق وأقرت لتفادي ذلك نظام المحاصصة الطائفية ومبدأ اللامركزية الإدارية في الدستور العراقي في اعتراف صريح بأن واقع العراق ما بعد نظام صدام ليس مهيئاً بعد لظهور نظام سياسي فيه غالب ومغلوب، إلا أن هذه المكتسبات تراجعت كلها انطلاقاً من عام 2008 بعد لجوء المالكي إلى مركزية السلطة في حلقة حلفائه الضيقة من الشيعة الذين قاوموا الديكتاتورية. وعلى غرار قادة الثورات لجأت هذه الحلقة الضيقة إلى تحصين السلطة مما تراه محاولات للانقلاب عليها فسيطرت جماعة المالكي على عملية اختيار قادة الجيش وهيمنت على المحاكم الفيدرالية، كما بسطت السيطرة على البنك المركزي، ولذا فليس مرد العنف في العراق إلى الكراهية القديمة بين السنة والشيعة، أو بين الأكراد والعرب، بل بسبب المشاكل الموجودة بين دعاة مركزية السلطة والرافضين لها. فالمطالب التي رفعها الأكراد والمعارضة العربية السنية كانت واضحة، فهي تطالب أولاً بحصول الحكومة المحلية بإقليم كردستان على حق التحكم في ماليتها والاتفاق حول قانون يحدد مخصصات المحافظات. وهي، ثانياً، تدعو إلى تطبيق صارم لنظام التوازن بين السلطات ومراقبة السلطة التنفيذية خاصة. هذا إضافة إلى دعوتها، ثالثاً، إلى مصالحة شاملة تضمن العدالة لمن عانوا تحت حكم صدام، ولكن دون معاقبة الطائفة السنية كافة. وإذا ما استمرت مساعي تركيز السلطة في أيدي الجهاز التنفيذي وحكومة المالكي فإنه من المرجح أن يتفاقم العنف في العراق ويتردى الوضع العام، بحيث سيكون على السنة والأكراد الحصول على ضمانات قوية للبقاء ضمن الصيغة الحالية في العراق. ومع أن الانتخابات الوطنية لعام 2014 قد تعطي فرصة انطلاقة جديدة في العراق، إلا أنه من جهة أخرى يصعب وضع خروج المالكي شرطاً لإنقاذ العراق، فمن المحتمل جداً أن يكسب الرجل الانتخابات مجدداً ولا سبيل لرد ذلك في حال وقوعه، ولاسيما أنه يسيطر على الوزارات الرئيسية، وعلى الجهازين الأمني والاستخباراتي، وعلى المحاكم، ليبقى الرهان أن يشعر من سيحكم العراق بعد عام 2014 بما يكفي من الضغوط الدولية والداخلية للرجوع إلى صيغة وطنية أكثر مرونة وأقل مركزية. وإذا كانت تجربة إقامة نظام رجل قوي في بغداد لم تفض، حسب ما يظهر اليوم، إلى عراق قوي ومستقر، فإنه لابد من تخفيف قبضة السلطة المركزية، على رغم ما قد تنطوي عليه العملية من مجازفة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©