الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الجمهوريون» والعبث الإعلامي

9 أكتوبر 2016 22:39
لا شك أن هذا العام الانتخابي يمثل حدثاً بارزاً ومتميزاً لعدة أسباب. ولعل من أكثرها أهمية كونه قد أظهر للجمهوريين الثمن الباهظ الذي يدفعونه بسبب إعجابهم الشديد بمصادر الأخبار البديلة. ويعود ظهور الإعلام البديل المحافظ إلى أيام تأسيس صحيفة «هيومان إيفنتس» عام 1944، ثم «ريجنيري بابليشينج» عام 1947، و«ناشيونال ريفيو» عام 1955. إلا أن هذه الوسائل الإعلامية لم تحقق الانتشار الجماهيري إلا عند إطلاق محطة «راديو راش ليمبو الوطنية» عام 1988، وأُتبعت عام 1996 بإطلاق «قناة فوكس نيوز» التليفزيونية، ثم موقع «درودج ريبورت» السياسي على الإنترنت. ولا تزال هذه المحطات الثلاث الأخيرة الأكثر شعبية في الأوساط الأميركية اليمينية المحافظة. وكان الهدف الكامن من وراء تأسيس هذه الصحف والمحطات هو عرض وجهات النظر المختلفة التي لا يمكن للجمهور الاطلاع عليها من خلال متابعة الشبكات التليفزيونية والصحف والمجلات ذات التوجهات الليبرالية القوية. ولكن، ما إن انحرف الإعلام البديل عن طرح رؤاه التحليلية الموضوعية وتنكّب أسلوب تلفيق «الحقائق» وفقاً لرؤاه الخاصة، حتى تحوّل إلى بيئة حاضنة للنظريات التآمرية كالطرح القائل بأن «هيلاري كلينتون هي التي قتلت فينس فوستير» وبأن «باراك أوباما رجل مسلم». وكان من الممكن تجاهل هذا الانحراف في فترة ما باعتبار أنه لا يمثل أكثر من ظاهرة هامشية. إلا أنه تحول الآن إلى تيّار إعلامي قوي للدرجة التي دفعت المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة دونالد ترامب لتسليم دفة إدارة حملته الانتخابية لرجل الأعمال وقطب صناعة الإعلام والمنتج السينمائي المحافظ ستيفن بانون، وهو أيضاً المدير التنفيذي لشبكة «برايتبارت» الإخبارية المحافظة التي ساءت سمعتها بعد أن أصبحت جزءاً من شبكة «آلت رايت» المتطرفة. وفي 27 سبتمبر الماضي، على سبيل المثال، شنّت هذه الشبكة على موقعها الإلكتروني هجوماً «لا ساميّاً» شريراً على كاتبة العمود السياسي آن آبلباوم. ويوم 16 سبتمبر، استخدم الموقع صورة غوريللا في مقال حول الرئيس أوباما. وأن يطلب ترامب من «بانون» الإشراف على حملته الانتخابية، فهذا ليس بالأمر المستغرب إذا أخذنا بعين الاعتبار ما يُعرف عن ترامب من ميول متطرفة تآمرية في نظر العالم. وفي هذه الأيام أيضاً، بات من العسير معرفة أين ينتهي الإعلام البديل، وأين تبدأ حملة ترامب. ويوم الاثنين الماضي، نشر موقع «درودج ريبورت» على صفحة الواجهة صورة لـ«داني ويليامز»، وهو رجل أميركي من أصل أفريقي، وكتب تحتها العنوان التالي بالخط العريض: «أنا ابن بيل كلينتون»! مع العلم أن هذه القصة الملفقة تعود لعام 1999 حين نشر الموقع ذاته تقريراً حول اختبار للأبوّة أشار إلى أن كلينتون ليس والد ويليامز ولا يمتّ إليه بصلة قرابة. ورغم أن ترامب لم يأخذ بهذه الترّهات حتى الآن، فإنه ما فتئ أيضاً يلوك العديد من القصص الجنونية التي يتناولها الإعلام البديل. وبعد أن فجّر قضية «أليسيا ماكادو» ملكة جمال العالم السابقة عندما وصفها بأنها «الملكة الخنزيرة» و«ملكة منزلها»، أطلق مئات النعوت الهابطة على نساء أخريات من دون أن يستثني هيلاري كلينتون من ذلك. وخلال الأسبوع الماضي أيضاً، نفى ترامب أن يكون عملاء الحكومة الروسية قد اخترقوا الموقع الإلكتروني للجنة الانتخابية للحزب الديمقراطي زاعماً أن خبراء من وكالات المخابرات أكدوا له ذلك النفي بثقة عالية. وزعم أن استطلاعات الرأي غير العلمية التي يتم إجراؤها على خط الإنترنت أكثر صدقية من الاستطلاعات التي تُجرى بطريقة علمية! واتهم موقع «غوغل» بأنه يقوم بتزوير نتائج عمليات البحث بحيث يُبقي على الأخبار السيئة التي تتعلق بالخصوم. ومثل هذه الاتهامات أصبحت جزءاً لا يتجزأ من شخصية هذا المرشح الذي قضى خمس سنوات وهو يحاول الترويج للكذبة التي اختلقها من أن الرئيس أوباما لم يولد في الولايات المتحدة، وزعم أيضاً أن والد السيناتور عن ولاية تكساس تيد كروز متورط في اغتيال الرئيس جون كينيدي، وأن ألوفاً مؤلفة من مسلمي مدينة جيرسي التابعة لولاية نيوجيرسي أقاموا الاحتفالات ابتهاجاً بهجمات 11 سبتمبر الإرهابية عام 2001، وهو صاحب النظرية التي لم يؤيدها العلم بأن التطعيم يسبب التوحّد. فمن أين أتى ترامب بهذه الأفكار الفارغة؟ إنه الرجل الذي يستخفّ بوسائل الإعلام الرسمية باعتبارها «مقرفة وفاسدة». ولكنه يكيل أكوام المديح لصحيفة «ناشيونال إنكوايرر»، ويعتقد أنها تستحق الفوز بجائزة «بوليتزر»، وهو الذي أشاد بمضيف برنامج «حارات» زعم أن هجمات 11 سبتمبر هي من تدبير الحكومة الأميركية. ويمكنك، بل يتحتم عليك، أن تلوم ترامب على معتقداته وأفكاره الغريبة، إلا أن هناك ملايين الأميركيين الذين يشاركونه تلك المعتقدات، وبما يمكن أن يفسر السبب الذي جعل حملته تحقق أكثر مما توقعه لها المحللون. * مؤرخ ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©