الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من ابن ذي يزن إلى ابن حزم

من ابن ذي يزن إلى ابن حزم
31 يناير 2008 01:21
أتذكر أن أول كتاب قرأته باهتمام وبمتعة فائقة كان السيرة الشعبية المعروفة بـ''سيرة الملك سيف بن ذي يزن''، وهو البطل العربي الأسطوري الذي حرر اليمن والجزيرة العربية من الاحتلال الأجنبي، وأعاد النيل إلى مجراه الطبيعي بعد أن عملت قوى معادية وشريرة على تحويله عن الوصول إلى مصر العربية ووضع وادي النيل وأهله تحت رحمة الجفاف· وقد كان الكتاب، بما حفل به من رموز ومن مغامرات وحروب ومفاجئات، مصدراً للدهشة وأول بذرة في إيقاظ الشعور العربي في نفسي وإدراك أبعاد العلاقة الروحية والقومية التي تربط أبناء الجزيرة والخليج ببقية أبناء الأقطار العربية في مصر والشام والعراق والسودان والمغرب العربي، كما كان ذلك الكتاب- السيرة ملهماً لي في كتابة ديوان من الشعر يستوحي أصداء تلك السيرة التي جمعت بين الحقيقة والخيال· لقد خلبني خيال المؤلف الشعبي واستأثر بإعجابي لاسيما حديثه عن المهمة التي تكفل بها سيف بن ذي يزن وهي إحضار كتاب النيل الذي استولى عليه الأحباش وباستيلائهم عليه استطاعوا أن يحجزوا مياه النيل عن مصر، وعندما عثر سيف على الكتاب جرت مياه النيل وتدفقت·· وتقديراً من سكان وادي النيل لهذا الدور البطولي سموا بلادهم باسم الأبن الأكبر لسيف وهو ''مصر''· كما تشير إلى ذلك السيرة في سياقها الدرامي البديع· أما آخر كتاب قرأته فقد كان ''رسائل ابن حزام الأندلسي'' تحقيق الدكتور إحسان عباس وهو في خمسة مجلدات· وأعترف بأنني منذ أعوام ويدي تمتد إلى هذا الكتاب ثم تتراجع انتظاراً لظروف تكون أكثر سعة وتفرغاً لاستيعابه والتأني في قراءته· وجاءت تلك الظروف ممثلة في شهر رمضان وما يتيحه من ساعات لا تجود بها شهور أخرى، وقد شاركني في قراءة هذا الكتاب عدد من الزملاء وبعض الشباب المبدعين والمهتمين بالتواصل مع التراث الأدبي والفكري والروحي ممن لا يكتفون بالكتابات المعاصرة مهما بلغ خطها من الجدة والجودة· وما من شك في أن اقتراب الجيل الجديد من الجيد والمفيد من كتب التراث لن يجعلهم يكتشفون ما يزخر به تاريخنا العربي والإسلامي من كنوز خالدة تستحق العناية والمتابعة فحسب، وإنما سيعمل على توسيع مداركهم وتمتين أواصر صلتهم بموروثهم الذي بدونه تظل ثقافة المثقف هشة ومعلقة في مهب الريح كمبنى لا أساس له ولا قاعدة· ويضم كتاب ''رسائل ابن حزام الأندلسي'' عشرات الرسائل الطويلة والقصيرة وموضوعاتها شتى ولكنها جميعاً تتعلق بالعقيدة وبما يهم الإنسان أن يعرفه عن نفسه وعن الحياة والناس، وعن الاختلافات التي كانت سائدة في عصره حول المذاهب والاجتهادات الفقهية· يضاف إلى ذلك اهتمام غير مسبوق بالجوهري من العلاقات والعواطف والبحث في عوالم الحكمة والحق والخير والجمال· ومن تحصيل الحاصل الإشارة إلى ما لقيه ابن حزم الأندلسي من اهتمام المعاصرين عرباً وأجانب، فقد كان منذ بداية العصر الحديث موضوع بحث مستمر واهتمام غير منقطع من قبل العلماء والأدباء· ولعب المستشرقون دوراً لا ينكر في تقديمه إلى الآخرين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©