الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جدائل الشَّعر

جدائل الشَّعر
31 يناير 2008 01:22
من الملاحظ أن ابن المعتز، الأمير الذي اشتهر بالبديع وكتب مجلدا فائقا عنه، وكان قد ولي الخلافة أوجز فترة عرفها التاريخ حتى رحل عام 296هـ، كان من أشد الشعراء افتنانا بالجمال الأنثوي الحسيّ، ووصفا مترفا لتفاصيله الدقيقة· استخدم في تصويره ''ماعون بيته'' كما كان يقول ابن الرومي، من ألوان الجواهر والعطور والأزهار والرياض بسخاء تصويري مذهل واقتدار شعري بالغ، فهو مثلا يصف ''صُدغ'' المحبوبة، أي مايتدلى من خصلات شعرها بين العين والأذن، وكان يشبّه عادة بالعقرب قائلا: ريم يتيه بحسن صورته عبث الفتور بلحظ مقلته وكأن عقرب صدغه وقفت لما دنت من نار وجنته مجملا مكمن الفتنة فى فتور النظرة، ونفور شعر الصدغ إذ يقترب من نار الوجنات، فمن المعروف عن العقارب أنها لاتقرب النار، فتحول المجاز فى عقرب الصدغ ونار الوجنات إلى حقائق ماثلة في العيان تفسر شكل خصلات الشعر المتدلية وهي تقف عند استشعار اللهيب المنبعث من الوجنات· ومع لطف هذا التعليل يتبرع مؤلف المختارات لينبهنا قائلا: ''ولقد أحسن فيه، إلا أنه ألمّ بقول العرب ''وكأني شبوة عند الصدود'' أي كأني في صدودي عن النار العقرب، لأنها لاتقربها وليس هذا من الإلمام بأقوال الأقدمين في شيء، وإنما هو من قبيل استثمار خصائص الصورة البصرية لخصلات شعر الحسناء الملتفة بجوار أذنها بما للعقرب من شكل وصفة، بما يجعل الصورة مجسدة· وفي مقطوعة أخرى رشيقة لابن المعتز يصف بعض مفاتن الشَّعر: دعني فما طاعة العُزّال من ديني ماسالم القلب في الدنيا كمفتون أيقنت أنّي مجنون بحبكمّ وليس لي عندكم عذر المجانين ذو طُرّة نظمت في عاج جبهته من شعره حلقا سود الزرافين كأن خط عذار فوق عارضه ميدان آس على ورد ونسرين فهو يصف الطُّرة، وهي قُصة الشعر المتدلية على الجبهة، ويستدعي لها حدائق العالم وأزهارها اليانعة من آس أبيض يكتسح الميدان وورد أحمر ونسرين يجمع بين البياض والحمرة· وإذا كان بعض النقاد قد عاب على صور ابن المعتز أنها حسيّة خالية من حرارة الشعور بالحب والصبابة، فإن أسلوبه في الوصف وطريقته في التصوير تضعه في الصف الأول من شعراء الحس القوي بالجمال والقدرة الفائقة على تمثيله الشعري، ولا أحسب أنه يخلو من الشعور في مثل قوله: وما ضرّه نار بخديه ألهبت ولكن بها قلب المحب يُعذّبُ عناقيد صدغيه بخديه تلتوي وأمواج ردفيه بخصريه تلعب شربت الهوى صرفا زلالا وإنما لواحظه تسقى وقلبي يشـرب غاية ما هناك أنه بحكم موقعه في بيت الإمارة لم يكن يعاني من شظف العيش ولاقسوة الحرمان ولاخشية الرقباء، ولم يكن يجرؤ أحد على لومه أو الانتقاص منه، فتفجرت موهبته عارمة قوية في الافتنان بالحسن والتمثيل الصادق لحالات الوجد·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©