الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غياب الديموقراطية وحرية الاختلاف في التجربة الشيوعية العربية

غياب الديموقراطية وحرية الاختلاف في التجربة الشيوعية العربية
31 يناير 2008 01:27
يُعَدّ محمود شقير واحداً من أبرز كتاب القصة القصيرة والقصيرة جداً، ليس في فلسطين وحسب، بل على المستوى العربي، هو الذي بدأ الكتابة مطلع الستينات من القرن الماضي، مع انطلاقة مجلة ''الأفق الجديد'' التي أصدرها حينذاك الروائي الفلسطيني أمين شنار، صاحب رواية ''الكابوس'' التي حازت على جائزة لبنانية مرموقة منتصف الستينات، تلك المجلة التي احتضنت جيلا من كتاب القصة الفلسطينيين والعرب، وكانت علامة بارزة في الصحافة الثقافية العربية· لكن شقير في كتابه هذا ''مرايا الغياب'' يبتعد عن القصة القصيرة ليدخل مجال السيرة، سيرة الفرد والمجتمع، على المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والمستوى الإنساني على نحو خاص، من خلال سرد علاقته بأربعة ممن غيبهم الموت، لكنهم ما يزالون ''أحياء''· الإخفاق الأول يبدأ المؤلف بسرد سيرة أخته التي توفيت في الحادية والعشرين من عمرها- قبل نكسة حزيران بعام- وبعد زواج فاشل أجبرها الأهل عليه، ولكنه بعد ذلك ينفذ من خلالها إلى سيرة العائلة والمجتمع، والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع الفلسطيني المنكوب بالانتداب البريطاني قبل نكبته بالاحتلال الصهيوني ودولته، أي أننا في فترة الأربعينات بكل ما شهدت فلسطين من تحولات أصابت هذا المجتمع، ومن خلال سيرتها يبدي مجموعة من التمنيات التي كان يود لو أنه حققها لشقيقته، خصوصا أنه المثقف والحزبي الذي ينتمي إلى حزب يساوي بين الرجل والمرأة (الشيوعي)، لكنه لم يفعل لشقيقته شيئا، بل إنه يعترف بكونه أسهم في إقناعها بزوج ابن عشيرة أكبر من عشيرته، حتى تكتسب عشيرته موقعا في القرية، وليصبح والده مختارها· ولوج إلى عالم السياسة الكاتب إذ خصص الفصل الأول لهذا المزج بين السياسي والاجتماعي، فإنه يخصص الفصول الثلاثة الباقية من الكتاب (يقع في 211 صفحة قطع وسط) بأسماء ثلاث شخصيات من عالم الثقافة والسياسة والفكر، سليمان النجاب ''السياسي حين يكون قائدا''، وبشير البرغوثي ''السياسي حين يكون مفكرا''، ومؤنس الرزاز ''السياسي حين يكون أديبا''· ومن خلال هذه الشخصيات الثلاث يدخل عالم السياسة والأحزاب اليسارية والقومية، وقد كان تحدث في مقدمة كتابه عن النجاب والبرغوثي الشيوعيين بوصف حياتهما يمكن أن تقدم ''بعض ملامح التجربة الحزبية المعاصرة في فلسطين''، أما بخصوص تجربة مؤنس الرزاز ابن المفكر البعثي منيف الرزاز فهو يتساءل عن علاقة المثقف بالحزب، وما إذا كان المبدع يستطيع الجمع بين نشاطه الحزبي وسلوكه الإبداعي بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، ثم ما الذي تعنيه كتابة المبدع عن تجربته الحزبية، وهل من حقه انتقاد السلبيات، وأكثر من ذلك هل من حقه أن يرتد تحت ضغط اليأس وأن يتنكر لتجربته ويتنصل منها حد ذمها وهجائها؟ أسئلة حول التجربة فيما يطرح شقير هذه الأسئلة على تجربة مؤنس الرزاز الحزبية والإبداعية، فإنه يحاول أن ينطلق منها ليروي تجربته ويطرح أسئلته هو على هذه التجربة، فقد كان الهاجس الإيديولوجي أحد هواجس كتابته الإبداعية لفترة طويلة، قبل أن يبدأ التخفف منه بقصص فيها قدر من التجريب والانفتاح على الحياة والأفكار والتجارب المختلفة، هو عاش تجربة الحزب الشيوعي الفلسطيني في فلسطين قبل أن يبعده الاحتلال إلى براغ في المرة الأولى ثم إلى الأردن، وكان من نشطاء الحزب سياسياً وثقافياً، لذلك فهو يستعيد هذه التجربة بقدر من السرد حينا والنقد أحيانا· في نقده للأحزاب الشيوعية العربية يتناول شقير تجربة الحزب الشيوعي الأردني تحديدا، وكيف كانت تتم معاقبة العضو ''المختلف''، فيقول معمما الحكم: ''كانت الأحزاب الشيوعية في تلك الفترة تسير وفقا لمبدأ صارم في معالجة الخلافات لا يعرف الديمقراطية ولا يقر بجواز الاختلاف في وجهات النظر داخل الحزب الواحد، وذلك حفاظاً على وحدته، غير أن الحرص الزائد لم يمنع الانشقاقات التي حدثت في هذا الحزب أو ذاك· تقديس الفكر كما يتحدث شقير عن بعض الشيوعيين- خصوصا من أصول ريفية- الذين مزجوا وهج الفكرة بالحس الديني الغائر في أعماقهم، فتتحول الفكرة لديهم إلى مقدس ديني لا يطاله النقد ولا إعادة النظر، بل كان يجري النظر بإشفاق ''إلى الشيوعيين الأوروبيين الذين لم يتورعوا عن نقد التجربة الشمولية وهيمنة الحزب الواحد في الاتحاد السوفياتي''· ثم يكشف كيف ''كانت قيادة الطبقة العاملة السوفياتية غارقة في البيروقراطية، دون أن يتمكن العمال من التصدي للأخطاء والانحرافات، وكان علينا أن نفتح عيوننا جيدا على ما يجري هناك'' أدبيا، وفي ما يتعلق بالعمل الحزبي، يتناول المؤلف شخصية الروائي مؤنس الرزاز بكونه اكتسب شهرته من شهرة والده الأمين العام لحزب البعث في سورية، ثم نائب الأمين العام في العراق، قبل أن تفرض عليه القيادة العراقية الإقامة الجبرية التي ستنتهي به إلى الوفاة، وهو ما سيفاقم أزمة مؤنس الموزع بين انتمائه الحزبي وبين إبداعه، وهو ما يبدو في رواياته التي وظف فيها شخصيات تعاني هذه الأزمة، منذ روايته ''أحياء في البحر الميت''، ثم ''اعترافات كاتم صوت''، وما تلاها من روايات سارت على الدرب نفسه الذي يؤكد أزمة الرزاز وعدم قدرته على التكيف، سواء في عمله النقابي- الثقافي ضمن رابطة الكتاب الأردنيين، أو ضمن محاولاته الجمع بين العمل السياسي والعمل الإبداعي· تقييم البيروسترويكا وبعد تناول غياب الشخصيات الأربع السابقة، يختم الكاتب فصول الكتاب بفصل خاص حول سقوط أو ''غياب'' الاتحاد السوفياتي وتحولاته، منذ البيرسترويكا والانفتاح الذي حصل على صعيد الحريات العامة وإلغاء الرقابة على الإبداع والصحافة، وما أنجزته من إنجازات وما تحقق لها من إخفاقات وانهيارات، ثم يعيد المؤلف النظر في بعض المفاهيم الفكرية والأدبية، فيتحدث عن فهم جديد للواقعية الاشتراكية والالتزام، ويختم بان هزيمة ''ما يسمى بالاشتراكية في الاتحاد السوفياتي ''السابق وفي بلدان أوروبا الشرقية''، يتطلب المزيد من الجدل الفكري والحوار للتعرف على الملامح الأساسية لاشتراكية المستقبل، ولتمييزها عما اعتبر بأنه هو الاشتراكية، وما هو بالاشتراكية على الإطلاق''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©