جوردون جي. تشانج
مؤلف كتاب: «الانهيار الصيني القادم»
هل تعافى الاقتصاد العالمي؟ يتنبأ المستقرئون بنمو اقتصادي لهذا العام يصل إلى 2.4 في المئة. ولكن يفوت على هؤلاء أمر مهم: فربما ينهار الاقتصاد الصيني خلال العام نفسه. وفيما لو حدث هذا، فلا ريب أن تسحب الدولة الأكثر كثافة بشرية بقية دول العالم معها إلى هاوية الكساد الاقتصادي. غير أن آخر ما نخشاه في الوقت الحالي هو حدوث انهيار اقتصادي صيني.
ففي العام الماضي تفوقت الصين على الولايات المتحدة الأميركية عالمياً من ناحية كونها أكبر سوق دولية للسيارات، بينما تفوقت على ألمانيا في مجال تصدير السيارات.
وفي يوم الخميس الماضي أعلنت بكين أن النمو الاقتصادي الذي حققته في الربع الأخير من العام الماضي كان 10.7 في المئة، بلغت نسبة النمو الاقتصادي للعام كله 8.7 في المئة. وكان من رأي بعض المحللين أن هذه الأرقام من الضخامة إلى درجة تمكن الصين من التفوق على منافستها اليابان، لتصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة الأميركية. وبالنتيجة تزدهر أسواق البورصة الصينية، وكذلك أسعار العقارات، وكل ما له صلة بالصين ومنتجاتها.
صحيح أن نموذج الاقتصاد الصيني القائم على التصدير، قد حقق نمواً هائلاً خلال فترة ما بعد الحرب الباردة، بمستوى أوحى للكثيرين بالاستمرارية بلا حدود في نهج العولمة والتنمية الاقتصادية للصين. لكن وبسبب الهزات التي ضربت الاقتصاد العالمي، تراجعت الصادرات الصينية بنسبة 16 في المئة خلال العام الماضي، بينما لا توجد أي مؤشرات في الوقت الحالي، على قرب تعافي صادراتها من تلك الهزة القوية.
ومن الأخطاء الرئيسية التي ارتكبتها بكين، أنها لم تستمع إلى النصيحة التي قدمتها لها واشنطن وغيرها من عواصم الدول الغربية: أن تحاول الصين خلال فترة ازدهارها الاقتصادي، إعادة هيكلة نموذجها الاقتصادي الوطني، كي يكون أكثر تشجيعاً للإنفاق. فبدلاً من أن تستمع الصين إلى تلك النصيحة، سعت حكومتها لاستثمار ارتفاع الطلب العالمي على منتجاتها إلى أقصى مدى ممكن.
وبالنتيجة تراجع دور الإنفاق لينحدر من متوسطه التاريخي المقدر بنحو 60 في المئة، إلى 30 في المئة فحسب خلال العام الماضي. يجدر بالذكر هنا أنه لا توجد دولة أخرى من دول العالم تنافس الصين في هذا التراجع المريع.
وفي سبيل التصدي لتراجع الطلب العالمي على المنتجات، مصحوباً بتباطؤ الاستهلاك المحلي، أعلن المجلس الوزاري للحكومة المركزية، عن خطة لحفز الاقتصاد الوطني لعام 2008. وكانت بكين قد أعلنت ابتداءً عزمها على إنفاق 586 مليار دولار خلال العام الحالي 2010. لكنها أنفقت خلال العام الأول حوالي 1.1 تريليون دولار في شكل أرصدة للإنقاذ الاقتصادي خلال العام الأول لتنفيذ البرنامج المذكور، مع ملاحظة أن هذا التمويل تم مباشرة عبر الخزانة الحكومية والبنوك المملوكة للدولة.
وليس غريباً أن تؤدي الخطة إلى نمو إجمالي الناتج المحلي، غير أنه نمو أشبه بارتفاع سكر الدم الكاذب. والسبب الذي يدعونا إلى هذا القول هو أن إنفاق بكين على خطة الحفز الاقتصادي للعام الماضي، كان يمثل ربع حجم الاقتصاد الصيني. واليوم يعزي عدد المحللين نسبة 95 في المئة من نمو الاقتصاد الوطني إلى الاستثمارات الحكومية، وهي الملاحظة التي أبداها بعض المحللين الصينيين مؤخراً. وعلى رغم ضخامة هذا التمويل الحكومي فإن الاقتصاد الوطني ليس بالقوة المتوقعة له. وفوق ذلك كله، لا تتسم السياسات الاقتصادية الصينية بالاستدامة.
وعليه فسوف تواجه الحكومة المركزية ضغوطاً كبيرة في سعيها للحصول على الأموال اللازمة لاستمرار حمى الإنفاق هذه. ويزداد قلق المنظمين الاقتصاديين على تزايد الضغوط على المصارف الحكومية، لا سيما بسبب تراكم الديون العاجزة عليها. هذا أولاً. ثانياً: تسوق خطة الحفز الاقتصادي هذه التي تبنتها بكين البلاد في الاتجاه الخطأ. والسبب: تفضيل الخطة للاستثمارات الحكومية الضخمة، قياساً إلى عدم تشجيعها لاستثمارات شركات القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة. في الوقت نفسه تعيد المؤسسات المالية الحكومية توجيه الأرصدة والائتمانات المالية، لمصلحة تمويل مشروعات البنية التحتية التي ترعاها الدولة. والملاحظ هنا أن الاقتصاد الصيني قد حقق نمواً سنوياً خلال العقود الثلاثة الماضية، بلغ معدله نسبة 9.9 في المئة بفضل مساهمة القطاع الخاص. غير أن الصين عادت مجدداً لتأميم الاقتصاد بآلية النقد الحكومي.
ثالثاً: يتوقع إغراق الاستثمارات الحكومية بأموال الخزانة العامة، مما يحد من القدرة التنافسية لهذه المؤسسات، علماً بأن السياسة نفسها هي التي عصفت من قبل بالشركات والاستثمارات اليابانية خلال سنوات فقاعة الاقتصاد الياباني.
أما العامل الرابع والأخير من عوامل الفشل المتوقع لخطة الحفز الاقتصادي التي تطبقها بكين. ويتلخص هذا العامل في القول بعدم فعالية الإنفاق الحكومي على الحفز الاقتصادي ولا جدواه في حفز النمو بالذات. ويتضح هذا بجلاء الآن في وجود مدينة جديدة خالية تماماً على عروشها هي مدينة "أوردوس" في منغوليا، إضافة إلى خلو الآلاف من المنشآت، لا سيما المراكز التجارية.
هذا وينهمك المسؤولون الصينيون في العمل على حل معضلات اقتصاد بلادهم الموجه حكومياً دون كلل أو ملل. ومع أنه كان في وسعهم تفادي هذه الأزمات التي تفاقمت بمضي السنوات، إلا إنهم فضلوا على تلك الوقاية، الانهماك في تطبيق سياسات النمو، بدلاً من إجراء التغييرات الهيكلية التي نصحهم بها الخبراء الغربيون. والآن: هذه هي النتيجة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«كريستيان ساينس مونيتور»