الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سباق الأفغنة واليمننة

25 يناير 2010 21:57
عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن ضحك الصديق اليمني عندما سمع من يقول إن هناك مؤامرة أميركية -بريطانية لـ "أفغنة اليمن"، وتابع معلقاً بأن أفغانستان نفسها قد "تيمننت"، ثم استطرد مذكراً، ومن دون أي افتخار بأن اليمن كانت لديه أكثرية في معسكر جوانتانامو، حتى أن من لا يزالون هناك حالوا دون إقفال هذا المعتقل سيئ السمعة حتى الآن. مع كل غارة جوية تتوسع خريطة انتشار "القاعديين" في محافظات اليمن. لديهم قادتهم المحليون وعناصرهم من جنسيات متعددة. لديهم ما يكفي من المال للتدبر والتحرك وتأمين الاستضافة والحماية. لديهم الملاذات الضرورية للاستقرار والتخطيط والاستقطاب والتجنيد. ولديهم التجربة والخبرة في البلد، فهم ليسوا جدداً ولا طارئين عليه، بعض منهم مخضرمون اجتازوا المرحلة الأفغانية الى العراقية الى اليمنية، لكن غالبيتهم من الجيل الثاني، ولعل جيلاً ثالثاً بدأ يخطو خطواته الأولى في سوق اليأس والنقمة والغضب ومتاهات التكفير والقتل. كانت للأميركيين يد في تدشين "صناعة الجهاد" هذه، فبدأت سرية بسيطة معتمدة على النخوة والعفوية والرفض التلقائي لسيطرة السوفييت على بلد مسلم، ونمت متعته بتشجيع حكومي معطوف على شحذ للهمم من جانب رجال الدين. والآن ستكون للأميركيين يدٌ في الحملة لإقفال ما أصبح مصنعاً، أو بالأحرى مصدراً للخطر. كان الأتون الأفغاني مصهراً للانتحاريين، لكن جديد الأتون اليمني أنه توصل الى ابتكار القنابل الشبحية، أو عبوات الملابس الداخلية، التي لا ترصدها الرادارات التقليدية في المطارات. يكشف سباق الأفغنة واليمننة بعض أوجه الشبه، ونجدها في النسيج الاجتماعي الذي أُهمل أكبر الإهمال الى حد أنه لم يجد غضاضة في استقبال شبان يماثلونه في شظف العيش وإلفة الخطر والتوق الى توظيف الاستياء وتفجيره. بعض المناطق النائية لم تشهد من الدولة اهتماماً بماء أو كهرباء أو طرق أو مدارس ومصحات، حتى أن المرات القليلة التي حظي فيها بزيارات ما لبث أن استشعر فيها عدائية لم يستسغها. أما هؤلاء الشبان فيصلون ويقصدون عناوين وأشخاصاً، وتسبقهم توصيات بحسن الوفادة، ثم أنهم يحركون الخواء العقيم الذي يهيمن على تلك المناطق. هذا هو الواقع بسطحيته التي تخفي مع ذلك سلسلة طويلة من الحلقات والتي نسجت مع الأيام منظومة ما لبثت أن أحاطت نفسها بأطواق من السرية فباتت تفاجئ حتى الذين كانوا على دراية بشؤونها داخل السلطة وخارجها. لذلك فإن الطريق الى اجتثاث هذه المنظومة ستكون أطول وأصعب مما كان يُظن حتى أمس قريب. وتأسيساً على التجربة الأفغانية ما بعد "طالبان" يُراد الآن الانكباب أكثر فأكثر على ضخ جرعات تنموية طويلة الأمد لتعويض النقص المزمن، فلا مكافحة للإرهاب من دون معالجة عميقة للبيئة التي تحتضنه، وهي أساساً تحتضنه لأنها لم تجد شيئاً آخر تفعله. وإذا كان المال والمساعدات هما في الحالتين اليمنية والأفغانية الكلمتان المفتاحيتان، فإن الشكوك كبيرة في من يتلقى المساعدات ويدير التنمية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر ببلد اعتاد عدم مراكمة الإنجازات ولو صغيرة ليدخل تحسيناً ملموساً في حياة الناس. مؤتمر لندن حول الإرهاب كان مخصصاً لأفغانستان، إلا أن "القاعدي" النيجيري الذي كاد يفجر الطائرة الأميركية يوم عيد الميلاد، حجز مقعداً أمامياً لليمن في هذا المؤتمر. وهكذا لاحت فرصة ثمينة لصنعاء التي كانت فقدت الأمل في نيل مساعداتها للتغلب على مصاعبها شمالاً وجنوباً و "قاعدة". وآخر ما يفكر فيه الأميركيون أو البريطانيون هو إرسال قواتهم الى اليمن، فما يشجعهم أن هناك دولة ويمكن مساعدتها والاعتماد عليها، شرط أن تكون هذه الدولة مصممة فعلاً على الشروع في ورشة شاملة، فالمطلوب إصلاحات سياسية واقتصادية بموازاة الضربات الأمنية لمراكز "القاعدة" وعناصرها، عسى أن تُفهم الرسالة بشقيها
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©