الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مريض القرية والمخللات

مريض القرية والمخللات
17 يناير 2014 22:48
(1) مريض القرية ليس مثل مريض المدينة، حيث يتوجب على جميع سكان القرية عيادته في المستشفى، وإثبات الحضور وإلا حصل الزعل بين آل المريض ومن لم يزره في المستشفى، وهو بالمناسبة زعل مؤبد، يمتد طوال الحياة ويستمر في الأبناء والأحفاد. لم يكن المستشفى يقدم وجبات طعام للزوار، وكانت أم عقلة قد هدها الجوع بعد أن قدمت في باص القرية من المدينة، لزيارة قريبتها في المستشفى، وكلما كان الباص أكثر هرما كلما أحس ركابه أكثر بالجوع نتيجة تعرضهم للهز المتواصل طوال الطريق إلى المدينة. الجوع عاطل وكافر أيضاً، انسحبت أم عقلة من بين الموجودين حول قريبتها، وخرجت إلى الشارع المجاور للمستشفى، نظرت في الأرجاء، فلم تر مطعماً. وما كان منها إلا أن أخرجت صرتها القماشية، فكّتها بتؤددة وحرص، ثم أخرجت دنانير ونادت على أول شخص رأته وقالت: - يا بني تتناول من المطعم نصف دجاجة مشوية ... وأنا انتظرك هنا. هكذا كانت تفعل أم عقلة في قريتها، فأول (مرّاق طريق) كان تطلب منه ما تريد وكان يخدمها بعيونه، وأسقطت أم عقلة هذه الطريقة في التعامل على أهل المدينة. ناولت أم عقلة دنانيرها العزيزة. أخذها الرجل وذهب. وكما توقعتم، فقد أخذ الرجل النقود ولم يعد، وانتظرته أم عقلة على الرصيف، وعلى أحر من الجوع الذي شع ينهشها. أظلمت الدنيا في وجه أم عقلة، غابت الشمس وأم عقلة تنتظر الدجاج الذي صار مثل (غودو) ولم يأت. رويداً رويداً اختفت القرية واختفت المدينة واختفى المستشفى والمريض والمرضى واختفت النقود ونصف الدجاجة معاً، ولم يتبق سوى صوت معدة أم عقلة وهي تلتهم نفسها. منذ ذلك الوقت وأم عقلة تعاني أزمة ثقة مع المدينة. (2) نستطيع القول بأن عقلة (غاب وجاب)، فقد اشتغل خارج القرية، وشاهد وأكل ما يسمى بالمخللات، ثم تعلم طريقة التصنيع، وقرر أن ينقل هذه المعارف إلى قريته، لغايات الاستفادة من فائض الخضراوات في موسمها، وتأمين البيت ببعض المؤن والعتاد المعوي، فقد اتخذ عقلة - ابن أم عقلة ما غيرها - قراره السيادي. عاد عقلة إلى القرية، وضع طنجرة مليئة بالماء على النار وتركها تغلي ثم تركها حتى تبرد. في تلك الأثناء كان قد رتب أوضاع الخيار في مرطبانات زجاجية متوسطة الحجم. وضع الملح على الماء وذوبه على (طياشة البيضة)، ثم شرع بتفريغ الماء في مرطبانات الخيار لحد الغمر، وأضاف القليل من الخل والقليل من الزيت، غطى المحتوى ببعض أوراق العنب وأغلق المرطبانات بإحكام، ووضعها جميعها في مكان معتم لغايات تكميل عملية التخليل خلال أسبوعين على الأكثر لتصبح على أهبة الأكل. عاد الأولاد إلى البيت، واكتشفوا وجود هذه المرطبانات الغريبة المحشوة بالخيار، خيار في المرطبانات ؟؟؟؟ لم يفهم الأولاد القصة، وبعد التشاور والتحاور على أسس ديمقراطية حرّة، خرج الأولاد بنتيجة بأن جناب الوالد (عقلة ما غيره) ينوي إخفاء الخيار عنهم، فاخرجوا الخيارات من المرطبانات الزجاجية، ودون أن يغسلوها من الملح...أكلوها هنيئاً مريئاً. وعلى طريقة ما حصل مع أم عقلة فقد اختفى عقلة .. واختفت المرطبانات واختفى الخيار، ولم يبق سوى الأولاد الذين أكلوا مقدرات الوطن المستقبلية وصناديقه السيادية. الغريب أن قصة أم عقلة وقصة عقلة حصلتا في معظم القرى والمدن والدول العربية، وبشكل حرفي تقريباً. ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©