الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أنسنة الجماد

أنسنة الجماد
24 مايو 2012
عشرون نصاً شعرياً للأطفال، ضمّتها المجموعة الشعرية الجديدة الموسومة “قصر من الرمال” لحيدر غازي سلمان، الذي يكتب الشعر والقصة منذ التسعينيات من القرن الماضي، وشكّل فوزه بجائزة دار ثقافة الاطفال/ بغداد سنة 1998 عن قصته “سلحفاة” بداية ناجحة. عنوان المجموعة، هل يمثل توحيداً فنيّاً للقصائد العشرين، أم هو اطار مكاني وزماني للنصوص؟ وهل “قصر من الرمال” أفضل القصائد؟. هذا السؤال ملفت لنظر القارئ، وهو يقرأ الغلاف، وألوانه، وعناصره المكوّنة، وإخراجه. يتكون العنوان من ثلاث كلمات فقط، بينما النصوص الأخرى تتكون من كلمة أو كلمتين لا أكثر. والنص كتب بثمان كلمات، وهو أقصر نصوص المجموعة التي تقع بين 8 كلمات كحد أدنى، و 30 كلمة كحد أعلى. وهي نصوص تنتمي فنيّاً الى القصيدة اللمحة، أو اللقطة، وتقترب من فن القصة القصيرة جداً في تكثيفها الزماني والمكاني، معتمدة على التركيز والاقتصاد، مبتعدة عن الترهل اللغوي، والحشو، فضلاً على أعتمادها على الصورة، والسرد الصوري الشعري، والضربة الأخيرة الكاشفة. قصرٌ من الرمال، وليس قصراً من الخشب، أو الحجر، أو القرميد، أو الثلج. انه قصر مشيّد ومسوّر من الرمل الذي ينساب بين أصابع الطفل ثم ما يلبث أن يتلف بموجة عابرة، بالرغم من ادراكه ذلك، لكنه /أي الطفل/ منساق في اللعبة الى نهايتها، والى افقها الأبعد، يمد مجسّاته، وخيالاته، قابضاً على الرمل، مكتشفاً عبر أصابعه قارة جديدة: ماءها، وقصورها، ... ورب سؤال يُطرح: هل القصر الذي يشيّد، ويسوّر، بالصدف يمثل رغبة داخلية، مقموعة، دفينة في اللاوعي، ثم أستعادها وهو بمواجهة الطبيعة، الشاطيء المترامي، والأفق الأزرق الممتد، والرمل الأصفر، والغيوم المحملة بالمطر؟ بالتأكيد: كانت الطبيعة قد منحت المفتاح لاكتشاف العالم، المفتاح الذي يتشكل من الحلم زائداً الفعل، ومن يمتلك حلمه الخاص، سيقوده الى الفعل الخلاق. لقد نجحت الفنانة ريم وليد العسكري في قراءتها للعنوان، فرسمت قصراً مشرّع النوافذ، نحو البحر الواسع، والأفق الرحيب الأزرق، ولون الرمل الأصفر الذي يسيطر على اللوحة، على شاطيء رملي، وموجات هادئة، تترك أثر خطوات على الرمل، وثمة قواقع، وأصداف، ومجرفة، وخفّين، وطفل محدّق مندهش بالعالم، يشيّد قصراً، ويسوّره بالرمل، قافزاً تاركاً خفّيه، وآثار خطوات تصل الى الفهرست، حاذفاً أرقام القصائد في تقنية فنية مبدعة، تشف عن رهافة في الرسوم وفي توزيع الألوان التي تلفت نظر الطفل، وتربي ذوقه، وتقوده الى مواطن الجمال، من خلال إنسجام الألوان، وإتّساقها، وابعادها الجمالية، تساعد كلها في صقل وشحذ مجسّاته، وتدريب حواسه، وتوسيع خياله. الفنانة نجحت في رسم الغلاف، وتصميمه، بعد قراءة متمعنة للنص، وفق نظرة طفل مندهش الى العالم وعناصره، معيداً تشكيله برؤية جديدة، بعيدة عن رؤية الكبار ومنطقهم الجامد. الفنانة أعادت ترتيب أجزاء الصورة، كما أوحى لها النص وفق رؤية تخيّليّة، جماليّة. اشتغلت الرسامة على ثنائية (الحضور والغياب) للذاكرة، واللاوعي، فعندما تكون الألوان مبهجة، ومشرقة، تعني حضور الذاكرة، والزمان، والمكان، أما حين تكون الألوان خفيفة، خافتة الضوء، أو داكنة، فتعني تراجعها، وترسّبها في اللاوعي. والمزاوجة بين ثنائية (الحضور والغياب) أنتج لنا رسوماً ندركها بالبصر، والبصيرة، ونحسّها بيقظة الحواس. قسمات مشتركة بين النصوص ثمة مشتركات فنية، طبعت النصوص كلها، وشكّلت خيطاً، انتظمت النصوص به وهي: لجأ الشاعر الى الأنسنة، أنسنة الجماد والحيوان (ثمانية نصوص ذهبت الى الحيوان، وعشرة نصوص للجماد، ونصان فقط للأنسان). يعني أن الشاعر قد واجه الطبيعة وأندمج بها، فأعطته عذريتها، وتلقائيتها، وعذوبتها، وأسئلتها المندهشة. يعني أن النصوص قد نمت، وتشكّلت في حاضنة الطبيعة. النصوص تتكون من 8 ـ 30 كلمة. يعني أن الشاعر قد لجأ الى اسلوب اللعبة/ الصورة/ الأيقاع، وهو نمط مكثف جداً يقترب من اسلوب القصيدة الشعبية للأطفال، التي تتوفر على عناصر اللعب، والحركة، والايقاع الموسيقي الراقص. استخدم الشاعر خياله، وهو ضروري لتوسيع أفق القصيدة، وبناء شخصية الطفل، الذي لا يقتنع بالصورة النمطية، بل يتعداه الى الخيال الأبداعي الفنتازي، وأحلام اليقظة. لجأ الشاعر الى الفنتازيا، ولغة الحلم، ومال الى اللغز في نصوصه مازجا بين فن قصائد الكبار والصغار، محاولا كسر الجليد المتراكم بينهما، لكنه مزج اللفظ بالمعنى في متن بسيط، وجميل، وقوي، يلامس الواقع بأيقاع مُنغّم، مراعياً نمو الأطفال العاطفي والعقلي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©