الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضحايا الحروب...تضارب في التقديرات

26 يناير 2010 21:51
جينا مور كاتبة أميركية أظهر تقرير صدر خلال الأسبوع الجاري أن الكلفة البشرية للحروب المعاصرة انخفضت بشكل ملحوظ، متحدياً بذلك النتائج التي اعتمدتها تقارير ودراسات أخرى، فعلى سبيل المثال، رأى تقرير الأمن البشري الصادر عن جامعة "سيمون فرايزر" الكندية أن عدد القتلى الذي يُستشهد به عادة في جمهورية الكونجو الديمقراطية والبالغ 4.5 مليون هو ضعف ما يفترض أن يكون. وفي هذا السياق يشكك التقرير في التقديرات الأخرى، التي وضعتها اللجنة الدولية للإنقاذ، مشيراً في الوقت نفسه إلى الخلافات التي تحيط بعدد القتلى في حروب أخرى مثل النزاع في دارفور والصراع في العراق، والأكثر من ذلك يُسائل التقرير افتراضات عامة حول الصراعات بدءاً من دموية الحرب وليس انتهاء بمدى القدرة على إحصاء عدد القتلى في الحروب. وعن هذا الموضوع يقول "جريج جرينو"، مدير البحوث في برنامج المبادرات الإنسانية التابع لجامعة هارفارد "إن الأمر يتجاوز مجرد صراع حول الأرقام بين التقارير المختلفة إلى الفلسفات المعتمدة في مقاربة السؤال الصعب حول عدد القتلى في الحروب". لكن القضية ليست فقط منهجية، بل هي مرتبطة بالحكومات والجيوش والمسؤولين في المنظمات الإنسانية الذين يهتمون بعدد القتلى الذين يسقطون في الحروب، بحيث تلعب أرقام القتلى دوراً أساسياً في تحديد ردة فعل الحكومات واستجابة الأطراف الأخرى المعنية. ومن بين الافتراضات التي لمح إليها التقرير المثير للجدل أنه لفهم حصيلة القتلى في أي صراع لا بد من الأخذ في الاعتبار أهدافاً أخرى مثل إقناع المانحين بتخصيص الأموال للمساعدات الإنسانية المصاحبة، أو اللاحقة للحروب، وهي المقولة التي قاومها الخبراء في مجال تعقب عدد القتلى في الصراعات. فبعدما نشرت اللجنة الدولية للإنقاذ دراستها الأولى حول حصيلة القتلى في جمهورية الكونجو الديمقراطية ارتفعت المساعدات الإنسانية إلى البلد بحوالي 500 في المئة، ولحقت ذلك بعثة أممية لحفظ السلام تعد حالياً أكبر بعثة أممية في العالم بعدد أفراد يصل إلى 20 ألف عضو. وفي الفترة بين 2000 و2007 أعدت اللجنة خمسة تقارير حول عدد القتلى في الكونجو دون أن تنفي محدودية الدراسات واحتمالات الخطأ، وهو ما يشير إليه "ريتشارد برينان"، الذي ساهم في إنجاز الدراسات الأخيرة في الكونجو قائلًا: "لقد كنا واضحين منذ البداية وأعلنا احتمالات الخطأ، لكن بصفة عامة هناك إجماع بين الخبراء يؤكد ما توصلنا إليه من أرقام بشأن عدد القتلى". ويشكك "برينان" أيضاً في استنتاجات التقرير الأخير المثير للجدل الصادر عن الجامعة الكندية، مشيراً إلى أن "التقرير الأخير قام باختيار أرقام وتجاهل أخرى، وهو لم يستند إلى دراسات بديلة تعارض مع جاء به من معطيات". وفي الحالات المشابهة للكونجو، يسعى الخبراء إلى تحديد عدد الأشخاص الذين لو لم تكن الحرب لظلوا على قيد الحياة ليبرز على السطح ليس الرقم المحدد، بل ميزان معين يقاس به عدد القتلى يعتمد هو بدوره على معطيات قد لا يكون متفق عليها. وقد نتج عن هذا الخلاف بين الدراسات الذي أثاره تقرير الأمن البشري تضارب في تقديرات عدد القتلى في حروب مثل العراق ودارفور، والأمر نفسه ينطبق على الكونجو، وعن الهدف من التقرير الأخير يقول "أندرو ماك"، مدير مشروع البحث الذي أصدر التقرير: "ليس الهدف من الدراسة القول إننا على صواب والآخرين على خطأ، بل أن نثبت بأن بعض التغييرات في الفرضيات التي تم الاستناد إليها لوضع التقديرات قد ينتج عنها تغير كبير في النتائج". لكن بالنسبة لمنتقدي التقرير، وباعتراف "ماك" نفسه، من شأن التشكيك في حصيلة القتلى بالحروب خلق نوع من التعامل الحذر مع الصراعات التي تستدعي التدخل الإنساني العاجل. كما أن هذا التباين في تقدير عدد القتلى ينتج عنه تداعيات واضحة على المستوى السياسي كما يتضح ذلك في الكونجو، فمن دون الأرقام التي تصدرها الوكالات المتخصصة والمنظمات الدولية لن تلتزم الحكومات العالمية بدعم البلد، وهو ما يوضحه "أندرو ماك" قائلاً "المشكلة كما اتضحت في دارفور وفي العراق أن صناع القرار بدؤوا يشككون في حصيلة القتلى، وبدأت التقارير تفقد الكثير من مصداقيتها". والسبب أن تلك التقارير تُستخدم لجذب الانتباه العالمي والأموال الموجهة لبؤر التوتر الكثيرة في العالم، ومع ذلك يبقى الاختلاف ظاهراً بين المدارس العلمية المتضاربة، والتي كل منها يعتمد على منهج خاص في صياغة التقارير وإنجاز الدراسات، هذا الاختلاف في المنهج يقود إلى نتائج متضاربة وأرقام متباينة. غير أن المشكلة تكمن حسب البعض في احتمال توظيف الأرقام والتقارير سياسياً بدل الاحتكام إلى المنهج العلمي الصارم في صياغة التوصيات، وهو احتمال يحذر منه "أنتوني كوردسمان" من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، مؤكداً أن "المقولة التي تذهب إلى أن الحقيقة هي أول ضحايا الحرب تنطبق على الضحايا أنفسهم، إذ هناك ميل لجعل الأرقام قريبة من سياسة المنظمات غير الحكومية، كما أن هناك ميلا آخر من الحكومات للتقليل من تلك الأرقام". ويذكر أن التقرير الأخير أظهر انخفاضاً نسبته 70 في المئة في حدة الصراعات- تلك المعروفة بأن عدد القتلى الذين يسقطون فيها يتجاوز ألف قتيل في السنة- وذلك منذ نهاية الحرب الباردة، فضلًا عن انخفاض عام في عدد النزاعات المسلحة يصل إلى 40 في المئة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©