الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهند: تصفية تركة «سينج» الصعبة

17 يناير 2014 23:46
أعلن رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج في الثالث من يناير أنه يعتزم أن «يسلم مقاليد الأمور إلى رئيس وزراء جديد»، وكان الخبر مذهلاً. لأنه على رغم معدل تأييد شبه منعدم بلغ 5 في المئة بعد ما يقرب من عقد في المنصب، فإن الرجل البالغ من العمر 81 عاماً كان يبدو أنه يعتزم بالفعل السعي لفترة ولاية ثالثة. وعلى رغم هذا فإن إعلانه الرسمي الذي جاء في ثالث مؤتمر صحفي فحسب يعقده منذ توليه المنصب عام 2004 يهيئ الساحة لانتخابات مهمة من المتوقع إجراؤها في أبريل أو مايو. وفي وقت لاحق من هذا الشهر يتوقع أن يعلن حزب المؤتمر الحاكم عن ترشيح راؤول غاندي البالغ من العمر 43 عاماً، وهو من الجيل الخامس من أسرة غاندي ونهرو ليحل محل سينج. والمنافس الرئيسي لغاندي هو ناريندرا مودي رئيس وزراء ولاية جوجارات، البالغ من العمر 63 عاماً وهو يتجول في البلاد طولاً وعرضاً منذ أن أعلنه حزب المعارضة بهاراتيا جاناتا مرشحاً عنه في شهر سبتمبر الماضي. ويتوقع بعض الخبراء أيضاً أداء قوياً لحزب «المواطن البسيط» مع أن عمره عام واحد فقط ويقوده الناشط المناهض للفساد أرفيند كيجريوال. والسباق الآن هو لاختيار رئيس وزراء جديد يكون أكثر جاذبية شخصية وحيوية من سينج. ويبدو الأمر أحياناً كما لو أن سينج تلاشى تقريباً في ظلال التقاعد. ولكن سجله المحدود سيؤثر على مسار الانتخابات المقبلة. ومع ذلك في كلمته في الثالث من يناير، تحدث سينج عن تحقيق حكومته لأعلى معدل نمو إجمالي في فترة تسع سنوات لتقدم «صفقة جديدة للهند الريفية» من خلال تعزيز الدخول وانتشال 138 مليون شخص من وهدة الفقر. وقد أشاد بقانون جديد لمراقبة الفساد والجهود السابقة لدعم شفافية الحكومة. ولكن الكثير من الهنود ينظرون إلى تركته بتقدير أقل. فرجل الاقتصاد الذي تعلم في أوكسفورد جاء ليحكم شعباً مفعماً بالآمال وترك هذا الشعب مليئاً بالشك واليأس. وقد دخل سينج مكتب رئيس الوزراء باعتباره وزير مالية سابقاً يحظى باحترام كبير وعرفت عنه استقامته واعتزازه الهادئ، ولكن قد يخرج الآن باعتباره مثالاً للضعف والحكومة غير الفاعلة من وجهة نظر منتقديه. وقدر صندوق النقد الدولي معدل نمو اقتصاد الهند بنسبة 3,8 في المئة عام 2013، أي نحو ثلث النسبة التي بلغها في ذروته عند 10,6 في المئة عام 2010. وعلى رغم بذله كل ما في وسعه، فقد فشل سينج في تحقيق انفراجة في العلاقات مع باكستان المجاورة، وفشل أيضاً في تدعيم علاقات الهند بالولايات المتحدة. وقد يبقى المستوى الذي بلغه الفساد في ظل قيادة سينج في الذاكرة أكثر مما ستبقى ذكرى إنجازاته الشخصية. والفضائح التي لطخت سمعة سينج التي كانت بلا شائبة ذات يوم توضح تهافت فكرة توقع أن تؤدي النزاهة الشخصية لرئيس الوزراء إلى كبح الفساد. ففي إحدى قضايا الفساد خسرت البلاد نحو 40 مليار دولار ببيع رخص الهواتف المحمولة بأسعار زهيدة جداً لشركات تمت محاباتها. ولاحقت فضيحة فساد أخرى دورة ألعاب الكومنولث في دلهي عام 2010. ويقول منتقدون: ما النفع من زعيم لا يأكل من الكعكة ولكن الآخرين يلتهمونها أمام عينيه دون أن يفعل شيئاً؟ ويلقي ضعف حضور سينج الضوء على أهمية اختيار رئيس وزراء بالتصويت الشعبي. وقد افتقر سينج للسلطة كي يحكم بشكل فاعل، فقد دفعت به سونيا غاندي رئيسة حزب المؤتمر التي ولدت في إيطاليا ليقود الحكومة كي تتفادى خلافاً بشأن أصولها الأجنبية. وساءت الأمور بعد أن رفض سينج الذي لا يحب الظهور في وسائل الإعلام استغلال المنبر الذي يوفره له منصبه في عصر قنوات التلفزيون الإخبارية التي تبث إرسالها على مدار الساعة وبرامج التواصل الاجتماعي على الإنترنت. وكما في معظم الديمقراطيات الكبيرة يتعين أن تكون درجة ما من التواصل مع الجمهور والصحافة جزءاً من عمل رئيس الوزراء. وبدأ المستثمرون يفقدون ثقتهم في الهند بعد إعادة انتخاب سينج بسهولة عام 2009. وانخفض إجمالي الإنتاج المحلي بشدة. ففي السنوات الست الأولى من ولاية سينج بلغ إجمالي الإنتاج المحلي في المتوسط 8,6 في المئة وفي السنوات الأربع الأخيرة بلغ 4,6 في المتوسط بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي. وهذا أقل مما يخلق 15 مليون وظيفة جديدة تحتاجها البلاد سنوياً لتوظيف مخرجات الهرم السكاني الشاب. وما زالت الهند واحدة من أصعب الأسواق الكبيرة في العالم التي يمكن الاستثمار فيها. وانزلقت ثلاث مراتب لتصبح في المرتبة 134 في تصنيف البنك الدولي لسهولة الاستثمار في عام 2014 وهي بذلك في مرتبة أقل من دول شهيرة بعدم سهولة القيام بنشاط اقتصادي فيها مثل أوكرانيا وباراجواي وإثيوبيا. وبالنسبة للفساد الذي تؤكد حكومة سينج أنها تعمل بجد لمحاربته تضع منظمة الشفافية الدولية الهند في المرتبة 94 من بين 177 على امتداد العالم، وهذا أقل سوءاً من مرتبة 88 التي احتلتها الهند عام 2005. وقد بني سينج سمعته الدولية باعتباره اقتصادياً إصلاحياً وهذا هو السجل الذي ستجري محاسبته عليه بدقة. ولنتذكر أن سينج لم يكن صاحب رؤية اقتصادية بقدرما كان تكنوقراطياً. فعندما عمل في ظل رئيس الوزراء الإصلاحي «ناراسيما راو» بين عامي 1991 و1996 قام سينج بإصلاحات. وعندما عمل في ظل حكم الزعيمة الشعبوية سونيا غاندي واصل إصلاحاته. وأياً كان الشخص الذي سيُنتخب رئيساً لوزراء الهند هذا العام فستكون أمامه مهمة صعبة ليعيد الهند إلى طريق النمو والمكانة الدولية التي بدأ كثيرون من الهنود يعتبرونها أمراً مسلّماً به. ‎ساداناند دوم باحث في معهد أميركان أنتربرايز ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©