السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«الفراجي» في انتظار «غودو» أمام مدينة «نرجس»

«الفراجي» في انتظار «غودو» أمام مدينة «نرجس»
9 يوليو 2018 01:02
نوف الموسى (دبي) ككل الأشياء؛ تستفهم دائماً هل يمكن أن تتحاور الأعمال الفنية لمجرد وجودها في حيز متماثل، أو أنها تتقاطع في الطرق المؤدية إلى ظهورها العلني أمام كل الناس؟ حسناً؛ إذا افترضنا أن ما يشبه التتابع الموجي الفيزيائي يحتم عليها الدخول في مجازفة الأدب العبثي، الذي يشي بالكثير من العشوائية المنطقية، والقدرية الساحرة على وصف الوقائع، وتحويلها إلى حقيقة مجردة، فإن معرفة ما يدور في خلد ذلك التواصل بين الأعمال الفنية، يستدعي إنصاتاً فخماً، يرتقي بمستوى التصعيد المتسامي بين الفكرة والشعور في كل عمل، إنصات يشبه تلك اليقظة العميقة التي شعرت بها «تامي أولدهام»، عند استيقاظها بعد كارثة تحطم يخت كانت تبحر فيه مع حبيبها «ريتشارد شارب»، والتيه الذي عاشته في المحيط الهادي، دون إشارة واحدة تمنحها فرصة العودة إلى اليابس مجدداً، إلا أنها ظلت تنصت لـ «ريتشارد» رغم موته مباشرة بعد حادثة العاصفة المدمرة، وكان ممراً وجودياً لأن تبقى حيّة، حتى يتم إنقاذها. مشكلةً بذلك قصة حقيقية ملهمة لفيلم سينمائي للمخرج السينمائي «بالتاسار كورماكور». واللقاء هنا.. بين تجربة الانصات، وتقريبها للمعنى، ليس إلا بحثاً حول ما يمكن أن نتصوره في احتفاء متفرد لـ «سلسلة في انتظار غودو»، في «أيام غاليري»، للفنان صادق الفراجي، و«سأبني مدينة طويلة مترابطة من خلال طريق مسدود» للفنانة نرجس هاشمي، في معرض «ايزابيل فان دن ايندي»، جغرافياً كلاهما في «السركال أفنيو» بمدينة دبي، تتقابل الأعمال بحسب موقع كل غاليري، يفصل أو يتصل بينهما شارع رفيع، تقف بين الجوانب سيارات بشكل طولي، التحرك بينها يفيد للبحث عن ذبذبات ربما، ولكن الوقوف في منتصف الشارع، يستدعي الانتظار قليلاً. بشكل عملي، التحرك بمستوى عرضي بين الأبواب الخارجية لكل غاليري، مفيد أكثر: الزائر يخرج من معرض «ايزابيل فان دن ايندي» للدخول إلى «أيام غاليري»، والعكس. وخلال ذلك الهيام العابر، سيلتقط أو حوار جارف، ستتشكل على هيئة حروف/ كلمات وبعدها جمل قصيرة، ليخلق كلاهما صوتاً رقيقاً يشبه ساق الزهر الذابل، ولكن بالتدرج كل شيء يكبر يكبر ويستقيم، ما عليك سوى ترديد ما تسمعه، كأنها تعويذة وتراتيل، حتى يستقيم الوضع تماماً، وتتجسد الثقة بينك وبين المكان والعمل الفني. وينقلب السحر على الساحر، ستدير بعدها أنت الحوار، وستأتيك الإجابات كأنها شلال منثور بأيادي أمهات الفرح بعد عودة أبنائهم من البعيد المعدم. نحت الفنان صادق الفراجي، ضمن مجموعته «في انتظار غودو» الشهيرة، رجلٌا يقف وينظر إلى السماء، بعد أن حوله جسده إلى غيمة فضفاضة، مليئة بالدمع والمطر، تنتظر الريح المسكونة ببعض من الأمل القاصي، أن يهبط على التراب القاحلة، ويحي ما بقى من أعشاش الحمام، ويلين ممرات النمل نحو جمود الصخر الصامد، التأمل كفيل بأن يجعل المشاهد ينظر إلى تلك الرقصة اللانهائية لهذا الجسد الركامي، وهو ينساب نحو كل الطرق المسدودة التي بنتها الفنانة نرجس من الخيوط الصوفية، المدهش أن «الانسداد» في صناعة الطريق لدى نرجس هي إحدى وسائل الاتصال الأبدي، يكفي أن توصد مساحة معينة، وتفتح أفقاً متباعدة للفراغات بين كل خيط ولون حتى يتسنى لك المرور إلى فضاء مختلف دون صراع أو حتى انصدام بشخص / بفكرة / بمعتقد / بنظرة زائفة، تمشي طويلاً حتى تصل إلى «فلاديمير» و»استراغون» الرجلين الشهيرين الذين انتظرا «غودو» في مسرحية صمويل بيكيت، وتحاول جزافاً البحث عن إجابات، إذا ما أمكن أن تحرر فكرة الفنان صادق عبر تلك الهندسة المعمارية والشبكات ذات الحرية التي لا يمكن تصورها، وسعت الفنانة نرجس إلى تصميمها وتمريرها للعالم، الأعمال الفنية تلتقي هنا، دون موعد، ونحن العابرين المشغولين، بإسماع العالم حول ما يمكن أن يدور بينها!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©