الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جزائريون يجتهدون لكسب لقمة العيش وينتظرون اعتراف السلطات

جزائريون يجتهدون لكسب لقمة العيش وينتظرون اعتراف السلطات
26 يناير 2010 22:15
أطلق عليهم البعض وصف «الكتاب العموميون» باعتبار أنهم وضعوا أنفسهم في خدمة عامة الناس، بينما يصفهم البعض الآخر بـ «الكتاب الأحرار» أو المستقلين لأنهم يشتغلون لحسابهم الخاص وليسوا موظفين تابعين لهيئة أو مؤسسة عمومية أو خاصة. ولكن مهما اختلفت التسميات والأوصاف فإن المضمون واحدٌ والمقصود هو هؤلاء الكتاب الذين نصَّبوا «مكاتب» صغيرة قرب مراكز البريد في الجزائر لملء الحوالات والصكوك ومختلف الأوراق المالية للمواطنين لقاء دراهم معدودات. ينتشر «الكتاب الأحرار» قرب مختلف مراكز البريد في المدن والأرياف الجزائرية، ويندر أن تجد مركزاً يخلو محيطه من وجودهم، ما يعني أن الأمر يتعلق بـ «ظاهرة عامة» وليس بمجرد أشخاص محدودين في مراكز مالية محدودة. ويبدأ عمل هؤلاء الكتاب في حدود الساعة السابعة من صباح كل يوم ولا ينتهي في الغالب إلا أثناء غلق مراكز البريد في الخامسة مساءً، ويحرص الكتاب على نصب «مكاتبهم» قرب مختلف المراكز، وهي في الواقع مجرد طاولات صغيرة يقومون بجلبها معهم كل يوم ثم إعادتها إلى بيوتهم مساءً، ثم يشرعون في ملء شتى الأوراق المالية للزبائن الراغبين بذلك قبل فتح مراكز البريد أبوابها في الثامنة والنصف صباحاً. زبائن أميون يلاحظ أن الأغلبية الساحقة من زبائن مكاتب البريد التي يشتغل الكتاب الأحرار بمحيطها هم المسنون الأميون؛ فهؤلاء يتعذر عليهم ملء مختلف الاستمارات وإنجاز أية معاملة مالية دون الاستعانة بالكتاب الأحرار الذين يقومون بذلك مقابل 10 دنانير جزائرية إلى 20 ديناراً (نحو درهم ونصف)، وهي مبالغ زهيدة. في هذا الصدد، يؤكد الكتاب ببريد رغاية (30 كم شرق الجزائر) أنهم لا يشترطون مبالغ معينة على زبائنهم ويتعاملون معهم بمرونة وحسب أوضاعهم المالية لكسب ودهم، وضمان ديمومة التعامل معهم. وقرب هذا المركز الذي يعجُّ بالزبائن، ينصِّب أربعة كتاب طاولاتٍ صغيرة كل يوم ويشرعون في عملهم مع مئات الزبائن، ويُعد حمادوش عبيد (55 سنة) أقدمَهم فهو يشتغل في هذا المكان منذ 18 سنة، علماً أنه معوق حركياً ولديه 7 أطفال وكان يعمل في مصنع بالجزائر ثم غادره وتحول إلى «كاتب حر». ويؤكد حمادوش أنه مرتاح في هذا العمل وقد ألف الزبائن وألفوه. أما بشير شريف فرحات وآيت الطيب عبد الحميد فقد شرعا في هذه «المهنة» منذ عام 2004، بعد أن سرِّح الأول من شركة عمومية، واستفاد من التقاعد المسبق، وبأجرةٍ زهيدة لا تتجاوز 7 آلاف دينار جزائري شهرياً (ما يعادل 100 دولار)، ولم يجد بدا من العمل ككاتب حر لتحقيق ضروريات أفراد عائلته الستة، يقول فرحات:»أنا في الـ54 من عمري، وليس هناك من يقبل تشغيلي في مثل هذه السن، وكان لا بد أن أخوض غمار أية مهنة حرة لتحقيق الحد الأدنى من متطلبات أطفالي وبعد كثير من التفكير اهتديتُ إلى العمل كاتباً حرا». أما الطيب عبد الحميد (37 سنة) فقد امتهن التعليم لمدة 18 سنة كاملة ثم شعر بعدم القدرة على الاستمرار في 2003 فاشتغل مراسلاً لجريدة محلية لبعض الوقت ثم توقف وتحوَّل إلى كاتب حر، يقول:»في التعليم لم تكن الأجرة تكفي عائلتي المكونة من 5 أفراد وعانيتُ طويلاً على الصعيد الاجتماعي، فقررتُ المغادرة، وأنا مرتاح جدا في هذا العمل سواءً من ناحية التعامل مع الزبائن أو من الناحية المادية، أكسب يومياً ألف دينار جزائري على الأقل، وهو مبلغ جيد لتحقيق حاجيات الأسرة». ويعد محفوظ محمد أكبرهم سنا إذ بلغ الستين من العمر وحصل على التقاعد ولكن أجرته لا تكفي عائلته ولذا قرر بدوره أن يتحول إلى كاتب حر منذ ثلاث سنوات فقط. وثائق مختلفة لا يقتصر عمل هؤلاء الكتاب الأحرار على ملء الحوالات والصكوك ومختلف الوثائق الخاصة بالبريد فقط، بل يقومون أيضاً بملء وثائق إدارية كثيرة مثل العرائض الخاصة بالمحاكم وطلبات العمل والتصريحات الشرفية والفواتير ووثائق التصريح بالأرباح لقطاع الضرائب وطلبات الفيزا والوثائق الإدارية المختلفة. ولا يرفض الكتاب أي طلب للزبائن، ويقومون بتلبيته فوراً، بينما يستعين آيت الطيب أحياناً بجهاز الإعلام الآلي (البيجر) لتحضير بعض الوثائق مسبقاً للزبائن في بيته وإحضارها لهم في اليوم التالي. ويتعامل الكتاب مع الزبائن باللغتين العربية والفرنسية بحسب رغباتهم وكذا اللغة التي تتعامل بها كل إدارة أو هيئة، وكشف كتاب عن أن زبائنهم ليسوا كلهم أميين كما يعتقد البعض بل إن هناك شباناً ذوي مستوى تربوي محدود بعد أن تسربوا مبكراً من المدرسة، بل حتى بعض المتخرجين في الجامعة من الذين لا يتقنون الفرنسية يطلبون خدماتهم أحياناً حينما يتعلق الأمر بطلبات بهذه اللغة، وقد وقفنا على حالة شاب محدود المستوى استعان بكاتب حر لكتابة طلب عمل بالعربية. وضعية معلقة مع أن الكتاب الأحرار حرصوا كثيراً على الإشادة بظروف العمل، إلا أن عدم تسوية وضعيتهم الإدارية لا يزال ينغص عليهم عملهم؛ فهم ممنوعون من العمل داخل مراكز البريد بموجب قرار من وزارة البريد صدر سنة 1992، وحينما تهطل الأمطار، لا يجدون مناصاً من تنصيب مظلات في ظروف صعبة، والأسوأ من ذلك أنهم يتعرضون لمضايقات الأمن بين الفينة والأخرى. وقد بلغ الأمر ذات مرة أن حرَّر لهم محضراً مثلوا بموجبه أمام المحكمة بتهمة «ممارسة نشاط تجاري دون رخصة»، ومن حسن حظهم أنها راعت ظروفهم الاجتماعية وحكمت ببراءتهم. وقد راسلوا بعدها بلدية الرغاية مراراً لمنحهم رخصة فرفضت ما داموا لا يملكون مكاتب ثابتة. ويبدو أن هذه النقطة تحديداً تنغص كثيراً عمل الكتاب الأحرار ويتمنون تسوية وضعيتهم في أقرب وقت حتى يعملوا بشكل قانوني دون أن يتعرضوا لمضايقة احد أو اتهاماته فهم مستعدون لأي حل والكرة في ملعب البلدية وحدها، علماً أن هناك كتاباً أحراراً تمت تسوية وضعيتهم القانونية في الجزائر الوسطى وهو ما تأكدنا منه أثناء زيارتنا لهم حيث يشتغلون قرب مركز تأمين، وكانت ظروفهم مشابهة لكتاب بلدية الرغاية، إلا أنهم يعملون بآلات راقية كما تمكنوا من مسألة تسوية الوضعية القانونية
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©