الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألمانيا.. هل تتهاون مع التطرف؟

25 يناير 2017 23:11
استندت قيم ألمانيا الحديثة- وقدرتها على العودة إلى دور القيادة على المستوى الدولي في السنوات القليلة الماضية- على رفض تام للماضي الشمولي للبلاد، سواء كان نازياً أو شيوعياً، وهذا الرفض يعيش اختباراً حالياً مع تصاعد درجة أكبر من التهاون تجاه التطرف من اليمين واليسار. وتجلى هذا في الآونة الأخيرة في قضيتين. وأولهما، المعركة الضروس بشأن إقالة «أندريه هولم»، وهو متدرب سابق في جهاز «أشتازي» الاستخباراتي في جمهورية ألمانيا الشرقية سابقاً، من حكومة ولاية برلين ومن جامعة هومبولت. والقضية الثانية، تتعلق بقرار للمحكمة الدستورية الألمانية رفض حظر «الحزب الديموقراطي القومي» للنازيين الجدد. ففي عام 1989، وقبل شهور من اختفاء جمهورية ألمانيا الشرقية الشيوعية، كان «هولم» يبلغ من العمر 18 عاماً، ولم يكن يعرف هذه النهاية، فأراد أن يصبح، مثل والده، ضابطاً في جهاز «أشتازي». وتقدم بطلب الانضمام إلى الجهاز، وأدى خمسة شهور من التدريب وانتهى منها وكان مطلوباً منه بعدها أن يتدرب كصحفي، ثم ينضم إلى الجهاز ليكون ربما عميلاً سرياً، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، بل أصبح «هولم»، وهو حفيد شيوعي بارز سابق من ضحايا النازية، باحثاً في علم الاجتماع وأستاذاً جامعياً. وتمسك «هولم» بأفكاره اليسارية، وأصبح من أكبر المعارضين لعملية استثمار أحياء الفقراء في برلين حتى لا تضر بهم. والعام الماضي، أبلت الأحزاب اليسارية بلاءً حسناً في انتخابات ولاية برلين وفاز الحزب «الديموقراطي الاشتراكي» بأكثرية. وعلى المستوى القومي، يتحالف الحزب كشريك أصغر في الائتلاف الحاكم لحزب «الديموقراطيين المسيحيين» من يسار الوسط الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل. أما في برلين، يقيم الحزب تحالفاً مختلفاً مع حزب «دي لينكه» وهو وريث الحزب الشيوعي الحاكم سابقاً في ألمانيا الشرقية ومع حزب «الخضر». ومن بين قائمة أولويات حزب «دي لينكه» حماية مساكن الطبقات العاملة من أطماع المستثمرين، ولذا اختار الحزب «هولم» ليصبح وزيراً للإسكان في الولاية، لكن في ديسمبر الماضي، كشفت صحيفة محلية ماضي «هولم» في جهاز «أشتازي»، وذكرت أنه كذب بهذا الشأن في استبانة توظيفه بجامعة «هومبولت». ووضع التقرير الصحفي التحالف الحاكم في الولاية في موقف حرج، فمثل هذا التحالف على المستوى الاتحادي ربما يكون الطريقة الوحيدة للإطاحة بميركل بعد الانتخابات البرلمانية في 24 سبتمبر المقبل، إذا فاز الحزب «الاشتراكي الديموقراطي» و«دي لينكه» و«الخضر» بأكثر من نصف الأصوات. ولذا لا يريد الحزب «الديموقراطي الاشتراكي» وصمة «أشتازي» هذه لأنها قاتلة في الولايات الغربية خصوصاً، ولذا طالب رئيس حكومة الولاية «هولم» بالاستقالة فترك أستاذ الجامعة الحكومة وأقالته الجامعة أيضاً من منصبه، وهو القرار الذي يطعن فيه «هولم» أمام القضاء. ورغم أن هذا يتماشى مع الممارسات غير المتسامحة مع المتعاونين السابقين مع «أشتازي»، لكن هناك اختلافات قليلة في هذه القضية، فقد أعلنت رئيسة الجامعة أنها ما كانت لتقيل «هولم» لو أنه عبر عن أسفه لعدم قوله الحقيقة في الاستبيان. واحتل الطلاب القاعة التي يحاضر فيها «هولم» واعتصموا بها مطالبين بعودته لأنهم يرون أن القضية مر عليها وقت طويل، وحدثت في بلد مختلف. ودفاعه عن سكان الأحياء الفقيرة سيتواصل وربما يكسبه بعض الزخم. وسوء سمعته دعمت شعبيته وسط جمهوره. أما القضية الثانية، فإن الحزب «القومي الديموقراطي» قد حصل على فرصة حياة جديدة من المحكمة الدستورية الألمانية بعد أن طالبت حكومات ولايات ألمانية بحظر الحزب قانونياً لكن المحكمة أكدت قراراً مثيراً للفضول ذكرت فيه أن الحزب اليميني المتطرف رغم رفضه الديموقراطية وسعيه إلى أهداف غير ديموقراطية مثل تلك التي دافع عنها النازيون، «لا يوجد مؤشرات محددة أو ذات وزن توحي بأن الحزب الديموقراطي القومي سينجح في تحقيق أهدافه غير الدستورية». وأعلنت المحكمة أنه «من المستحيل تماماً فيما يبدو أن ينجح الحزب الديموقراطي القومي في تحقيق هدفه بوسائل ديموقراطية برلمانية أو تتجاوز البرلمان». وأكد القرار أن الحزب ليس لديه ما يكفي من الأنصار ليؤدي أداءً انتخابياً قوياً. والواقع أن الحزب ليس ممثلاً في حكومات الولايات ولم يفز إلا بنحو 1.3 في المئة من الأصوات في الانتخابات القومية السابقة، وهي نسبة أقل بكثير من تلك التي يتعين الحصول عليها لدخول البرلمان، لكن الحكومة أظهرت ميلاً للتسامح مع حزب شبيه بمنظمة نازية ما دام ليس لديه فرصة في الاستيلاء على السلطة. الأيديولوجيات اليمينية واليسارية المتطرفة تسببت في معاناة بالغة لألمانيا في القرن العشرين، لكن هذه الأيديولوجيات أصبحت مقبولة في القرن الحادي والعشرين ولا تقتصر على الهوامش فحسب. وقد يكون هذا دليلاً على وضع طبيعي لأن ألمانيا أظهرت مناعة من التطرف أكبر من أي دول أوروبية أخرى. ففي دول أوروبية أخرى استولت أحزاب متطرفة على السلطة، أو أصبحت على شفا الاستيلاء على السلطة، لكن هذا قد يكون علامة على نهاية الحياة السياسية الألمانية سلسة القياد نسبياً التي سمحت لميركل بالفوز بالانتخابات ثلاث مرات متوالية، وأن السياسة الألمانية أصبحت أكثر جموحاً الآن. *كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©