الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل كان الإسلام وعاء لعلم التاريخ؟

هل كان الإسلام وعاء لعلم التاريخ؟
1 فبراير 2008 23:32
استضافت ''جمعية الجاحظية الثقافية'' بمقرها في الجزائر العاصمة الدكتور أحمد وارث، أستاذ الفلسفة بجامعة الجزائر، لتقديم محاضرة بعنوان ''فلسفة تاريخ الأديان''· في مقدمة المحاضرة أكَّد وارث أنه يريد من خلال محاضرته الإجابة عن جملة من التساؤلات حول معقولية توالي نزول الأديان عبر التاريخ، وهل كان مسار توالي النزول تصاعدياً أم تنازلياً؟ وما هو الموقع الحقيقي للإنسان في هذا المسار؟ في هذا السياق، أكد وارث أن الفلسفات والديانات تشترك في طرح المسائل ذاتها وأهمها الألوهية والإنسان والكون، وتساءل: هل الخطابات الإلهية التي تلقاها الإنسان عبر العصور كانت ذات مستوى واحد من الفهم أم أنها تغيَّرت بتغير الوعي الإنساني وتطوره؟ وألح على ضرورة تبني الجرأة طريقة للتفكير في تاريخ الديانات استناداً إلى مقوِّمات الفكر التنويري الكانطي التي تدعو إلى ضرورة امتلاك الجرأة على النقد لتجاوز حالة القصور والعجز عن استخدام العقل· ونبَّه المحاضر إلى أن هناك ''فلسفة للتاريخ'' داخل كل ديانة، وأن الإنسان يملك بُعدين متناقضين؛ بُعد تاريخي متغير وبُعد ديني ثابت، وكان قدماء المصريين ''يهدون'' النيل فتاة جميلة كل سنة وكأن هذا النهر بشرٌ وبحاجة إليها، وهو ما وصفه المحاضر بـ ''الطفولة الإنسانية''؛ إذ لم يدرك الإنسان بعد تميُّزه وقدرته على تغيير مجرى حياته، وكان يترك كل شيء للآلهة لتتدخَّل لإنقاذه، ففي ''الإلياذة'' كانت الآلهة تتدخَّل في كل مرَّة لإنقاذ الأبطال، وكانت قوى التغيير تنحصر فيها· ويعتقد المحاضر أنه حتى الديانة اليهودية المُحرَّفة كانت أقرب إلى هذه المرحلة؛ فالتوراة تنسبُ الفعل التاريخي حصراً لإلهها الذي احتكرته ''يهوه'' مقابل غياب الفعل الإنساني غياباً كلياً، إذ يتدخَّل ''يهوه'' كل مرَّة لنُصرة ''شعبه المختار''، وقتلِ الشُّعوب المناوئة له، ويسخِّر الشمسَ وقوى الطبيعة لخدمة هذا الشَّعب حصراً· أما المسيحية فقد تجاوزت اليهودية نسبياً برأي المحاضر، لكنها حملت صوراً تقضي بعدم الانفصال بين ما هو لله وما هو للإنسان من خلال اعتبار المسيحَ ابن الله وحاملَ صفاته، ليستمر بذلك التداخل وعدم التمايز بين الفعلين الإلهي والإنساني· وبعدها جاء الإسلام لينقل البشرية من ''مرحلة الطفولة'' إلى ''مرحلة الرُّشد'' بفصله التام بين الإلهي والآدمي وحسمه نهائياً في المسألة قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ (الكهف/ 110)· وصف القرآن الإنسان بأنه ظلومٌ جهولٌ خطَّاء، لكنه توّاب توّاق إلى الكمال لما فيه من بُعد ميتافيزيقي أو ديني، وأعاد الاعتبار للفعل الإنساني والإرادة البشرية من خلال دعوته المستمرة إلى التغيير وتنفيره من السلبية والاتكالية والتعويل على الله لنجدته بمعجزات دون أن يقابلها عمل لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ (الرعد/ 11)· وبعد سرده جملة من النُّصوص الإسلامية التي تحثُّ على العمل والاجتهاد والسعي للتغيير، خلصَ المحاضر إلى أن ''التاريخ شأن إنساني محض؛ لا يكتمل إلا إذا كان هناك نقائص يجب تغييرها'' وأضاف قائلاً: ''التاريخ يصنعه الإنسان وحده، والله منزَّه عن الشَّر الذي يصيبُ به الإنسان نفسه عن جهل''· وأسهب الدكتور وارث في شرح دعوته إلى التغيير، وقال إنه مقرون بشروط أساسية، منها ضرورة معرفة سنن التغيير، واستخلاص القوانين التي أدَّت إلى انتصار الأمم السابقة أو انكسارها، فذلك سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (الأحزاب/ 38)· ومن أخلَّ بهذه السُّنن انكسر وجنى ثمن ذلك، ولا يحق له أن ينسب أخطاءه لله فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (التوبة/70)· من جهة أخرى، أكَّد المحاضر أن الحضارة الإسلامية كانت الوعاءَ الأنسب لظهور علم التاريخ بقوانينه، ولكنها حينما تخلَّت عن جعل الإنسان سيداً وغُيِّبت إرادتُه، وانتشرت الخرافات والبدع والتفكير القدري الجبري، غابت هذه الحضارة، وكان هذا الإهمال والتحوُّل في صالح الحضارة الأوربية التي ''انتقل إليها التاريخ'' في بداية القرن السادس عشر بعد استكمال حملة الترجمة في أوروبا، فترجمت أعمال ابن رشد وابن الطفيل وغيرهما، وكان ذلك من أسباب نهضتها وظهور الحركة التنويرية التي ركزت على الإنسان كـ ''صانع للفعل التاريخي'' استناداً إلى أربعة عناصر، هي: الوعي، والإرادة، والقصدية، والمسؤولية· وطالب المُحاضر بالعودة إلى مفهوم ''الإنسان الفاعل في التاريخ''، وإعادة الاعتبار للإرادة الإنسانية· وفي إشارة إلى الإسلاميين قال: ''لسنا بحاجة إلى أولئك الذين يحدِّثوننا عن الحلول الإلهية لمشاكل البشرية''، وأضاف أن وضع المثقَّفين والمفكِّرين العرب إزاء المحاولات المستمرة والمتعثِّرة للنهضة بات يشبه ''أسطورة سيزيف'' الذي تتدحرج صخرتُه كل مرَّة إلى الأسفل وهو يحاول نقلها إلى الأعلى، لكن ذلك يجب أن لا يحطم معنوياتهم، لذلك ''ينبغي أن تتواصل محاولات النُّهوض بالأمة والعودة بها إلى القمة، من دون هوادة أو النَّظر إليها على أنها عبثية، إنها ليست كذلك وستأتي أُكلها يوماً''
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©