الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

جيروم سالنجر.. حارس سجن كتاباته الوفيّ

جيروم سالنجر.. حارس سجن كتاباته الوفيّ
12 يوليو 2018 21:28
محمد عريقات (عمّان) كان الأديب والروائي الأميركي جيروم ديفيد سالنجر (1919 ـ 2010) ألقى بعاصفته الأدبية «الحارس في حقل الشوفان» بين أوساط القراء والنقّاد عام 1951 وأغلق بابه بعدها ليعيش في هدوء وعزلة في كوخ على طرف غابة، لا يلتقي أحداً من البشر أبداً، حتى زوجته التي لم يكن تواصلها معه أكثر من مكالمة هاتفية بين وقت وآخر، وكأنه يحقق بذلك حلم بطل روايته تلك «هولدن كولفيلد» الشخصية الأكثر تأثيراً بالشباب حتى وقتنا هذا. بعد وفاته، صرح عدد من المهتمين بإرث سالنجر الأدبي أنه كتب وهو في كوخه العديد من القصص والروايات، لكنه أراد لها أن تظل حبيسة قلقه وأن تشاركه عزلته التي انتقلت إليه من بطل روايته الأولى والوحيدة، وكأنه بات يخشى ذلك القَدَر الذي يخطّه لأبطال رواياته من أن يقع عليه، ولم يفعل سالنجر أن أشرع باب عزلته إلا لمرة واحدة حيث أصدر عملين أدبيين عام 1965، وحققا نجاحاً لافتاً عند القراء والنقاد. هكذا أراد سالنجر لحياته أن تكون أشبه باللغز أمام النقّاد والدارسين الذين اهتموا بتفاصيل حياته الشخصية، ومنهم الأستاذ في مركز دراسة الأديان بموسكو «بوريس فاليكوف» الذي يرى بأن سالنجر ينتمي إلى ذلك النوع من الكتّاب الذين يستلهمون أبطالهم من أعماقهم السيكولوجية. أي أن أعمالهم ليست سيرة ذاتية ترسم سَير الأحداث الخارجية في حياة الكاتب، بقدْر ما هي مرتبطة بحياتهم الداخلية، وهذا ما تؤكده مقولة سالنجر أو كما لقب «عدو الكاميرا»، حيث كاد أن يحطم في قبضته كاميرا لصحافي يتتبعه: «هناك سلام رائع في عدم النشر، إنه انتهاك رهيب لخصوصيّتي. أحب أن أكتب، أعيش لأكتب، لكنني أكتب لنفسي ومتعتي». مؤخراً، انتهيت من قراءة روايته»الحارس في حقل الشوفان«والتي نقلها إلى العربية الروائي الأردني المعروف الراحل غالب هلسا الصادرة عن دار المدى للنشر والتوزيع ببيروت، اعتبرها المترجم هلسا من التحولات المهمة التي طرأت على كتابة الرواية في الغرب، وكانت نموذجاً للكتابات التي عرفت فيما بعد بكتابات الغاضبين، حيث أن بعض الشباب الأميركان الغاضبين والمعارضين رفعوا شعاراً في تظاهراتهم يقول:»كلّنا هولدن كولفيلد». تدور الرواية، التي توجه بها سالنجر إلى فئة المراهقين ولاقت رواجاً كبيراً عند الفئات الأخرى، بشكل أساسي حول»هولدن كولفيلد»المراهق الذي كان ينظر إلى مجتمعه باشمئزاز ورفض، فالكل من وجهة نظره مزيف باستثناء الأطفال، وكردة فعل على ذلك يحرم من استكمال تحصيله العلمي، وتتبلور أفكاره الخاصة بعدها وسط عدد من أصدقائه من مجايليه ومن بعض أساتذته حتى، ليقدم لنا في نهاية مطافه حكمته التي تقول:»لا تروي حكايتك، مثلما فعلت أنا، لأي إنسان، لأنك حين تفعل ذلك فلسوف تفقدهم»، ويبدو أن هذه الحكمة هي التي عمل بها سالنجر بانعزاله ورفضه للظهور الإعلامي الذي كان يحوم بفضول حوله. وعن رفضه الظهور للإعلام، رغم النجومية التي يحظى بها اسمه، فإن سالنجر كفل خصوصيته وعزلته بأن احتاط بكل الإجراءات القانونية لمنع كتّاب السير من تناول حياته، وكذلك صنّاع الأفلام، ودور النشر لحماية حقوق نشر أعماله، وبذلك أحبط محاولات العديد من النقّاد وصانعي الأفلام من اختراق الظل الذي يخيم على كوخه النائي على تخوم غابة. والآن وبعد مرور 18 عاماً على رحيله فإن قراء ونقّاد سالنجر بانتظار إفراج ورثة أعماله التي لم تنشر بإصدار ما امتنع عنه في حياته من سيرة وأدب موثقين خلافاً لكل ما صدر عنه من سير مشكك بها. «حملت كل مظاهر الاستغلال وفقدان الخصوصية التي لا اعتقد أنني قادر على تحملها في حياة واحدة».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©