الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إنزو باتشي يقارن بين القوانين الأوروبية والتشريعات الإسلامية

إنزو باتشي يقارن بين القوانين الأوروبية والتشريعات الإسلامية
15 يناير 2011 20:14
يتعرض كتاب “الإسلام في أوروبا” لمؤلفه د. إنزو باتشي إلى واحدة من أبرز الإشكاليات المطروحة في السياسة الأوروبية، والمتعلقة، حيث يقدم الكتاب مقارنة بين قوانين وتشريعات فرنسا وألمانيا وإنجلترا وهولندا وبلجيكا والبلدان الاسكندنافية، فضلاً عن بلدان جنوب أوروبا مثل إيطاليا وإسبانيا. يرى كتاب "الإسلام في أوروبا" لمؤلفه د. إنزو باتشي أن غالبية بلدان أوروبا شهدت لحظات توتر اجتماعي وسياسي، وعندما طرحت مسألة الاعتراف العمومي بحقوق أداء العبادة والحرية الدينية للمسلمين، حيث يثير الموضوع ويؤجج انفعالات قوية، تبلغ أحياناً حد الصراعات الأيديولوجية المشحونة. موجات الهجرة يوضح باتشي أن الاعتراف بالأديان لا يطال الأقليات الدينية الأخرى جراء تدفق موجات الهجرة التي شهدت تنظيماً في عديد المجتمعات الأوروبية. وحين يكون الحديث عن الإسلام تظهر مشكلة عويصة، يقول المؤلف "ثمة ما يوحي أننا نفكر في شيء موحد وشامل وجامد وثابت، في نظام من الاعتقادات يمثل منبعاً لهوية دينية متينة ومتماسكة، تعلو فوق سياقات التحولات الاجتماعية والتاريخية، وحين يشير أحد إلى وجود في الواقع تواريخ لشعوب ومجتمعات مختلفة أثرت عليها حضارة الإسلام، عرفت من البدء تعددية داخلية حتى حصول الفتن والمذاهب الفئوية، فمن يشير إلى المسلمين لا يعني ذلك التماهي الكلي، لوجود أنماط عيش متنوعة للإيمان، في دين تغيب فيه الكنيسة وتغيب عنه سلطة مركزية مقدسة، إننا نسعى إلى تصديق تلك الأحكام العامة؛ لأن التمثل الذي صغناه عن المسلمين يرسم نمطاً مجرداً، مبتسراً وخارج الزمن، ولا يولي اهتماماً للمسلمين دماً ولحماً". ويضيف: "إنه قالب جاهز، يملك قوة الجمود الاجتماعي المميزة للقوالب الجاهزة كافة، وبقدر ما يجري التكرار، بقدر ما يكتسب ذلك الحكم صدقية التمثيل الاجتماعي الحقيقي". هويات متعددة يقول باتشي: "يتمثل القالب الجاهز في التالي: شك تمت إزاحته، لا يلح علينا البتة للتفكير في إجراء مقارنة مع الآخرين، يبسط كل شيء، حتى حين يكون الواقع الذي يتجلى أمامنا أكثر تعقداً، لذلك يشكل لنا الإسلام بصفتنا أوروبيين مشكلة مطروحة لصياغة علاقة سليمة بيننا وبين الآخرين، ويبدو أننا قد قبلنا بالمسلم رقماً رمزياً للعلاقات كافة مع الثقافات والأديان الأخرى، التي تعددت كما رأينا، بفضل موجات هجرة عرفتها المجتمعات الأوروبية، وهذا ما يطرح مشكلة قائمة الذات تتجاوز الإسلام نفسه". ثم يتعرض الكاتب إلى فرنسا وألمانيا باعتبارهما نموذجين متقابلين للاندماج يظهران حساسية الظاهرة الإسلامية وما يرتبط بها من تداعيات في العالم الأوروبي، فيخلص إلى أن تطور الإسلام المطرد في المجال العمومي في فرنسا يمكن تفسيره مظهر تصارع بين هويات متعددة، بين من يرتئي عدم إمكانية أن يكون الفرد وفياً إلى الجمهورية ووفياً إلى القرآن في الوقت نفسه، وبين من هو مقتنع بوجوب أن يكون كذلك، لأجل حماية الهوية الإسلامية، وإلا أوشكت على أن تُلغى وتتوارى من الساحة العمومية. شبان فرنسا المسلمون يقول باتشي إن الإسلام خرج من الغياب الاجتماعي وصار موضوعاً واقعياً، ينطق باسمه رجال ونساء، يعرّفون أنفسهم مسلمين، ينشطون عبر شبكات المساجد والجمعيات، مثل "شبان فرنسا المسلمين" و"جمعية طلبة فرنسا المسلمين"، استطاعت تلك الشرائح أن تُقحم في المجال العمومي مواضيع ودوافع تفكير على صلة بالهوية الدينية للمسلمين، في علاقتها مع مؤسسات دولة فرنسا الجمهورية، وقد شجّع الموقف الداعي إلى الحوار الذي تبنته حكومات اليسار والوسط الفرنسية شق مسارين في قلب تنوعات واقع الإسلام بفرنسا. ويؤكد الكاتب أن كلا طرفي السياق يدفع نحو خلق إسلام يطرح مشكلة تحديد الخاصيات التشريعية والدينية المناسبة، التي تسمح بمشاركة المواطنين المسلمين في دولة القانون الحديثة، وهو ما يسميه بعض المثقفين المسلمين الفرنسيين بـ"التشريع القرآني الديناميكي"، القادر على فتح أبواب التأويل الذكي من جديد، لنصوص الكتاب والسنة، جعل كلمة الوحي رسالة حية في الزمن الحاضر، يعني قبول التغير مع الوفاء للروح والهوية الإسلاميتين، ولا يمثل ذلك تحدياً للمجتمع الفرنسي فحسب، الذي دأب على النظر إلى الأديان خارج الساحة العمومية، بل للمسلمين أنفسهم، الذين صاروا يدركون، مع توالي الأجيال، أنهم فرنسيون من معتنقي الديانة الإسلامية. النموذج الألماني عن النموذج الألماني، يقول باتشي إن النموذج الفرنسي، بصدد البحث عن سبل للتكيف مع قسم من مواطنيه المسلمين، في وقت يشهد فيه نظيره الألماني خوض مراجعة عميقة أيضاً، فمنذ 1982 وإلى اليوم، بات هناك إقرار لدى السلطات السياسية بتجذر المهاجرين الأوائل وأبنائهم، مواليد ألمانيا، وبالتالي قُبلت فكرة إعادة النظر في قانون الجنسية لتيسير إجراءات الحصول عليها، لمن لم يولد في ألمانيا، ويرغب في إقامة دائمة والعيش مواطناً، لذلك كان الهدف هو الدمج المتطور للإسلام في الساحة العمومية. وتميزت المرحلة التحضيرية التي سمحت بهذا التحول بإدخال تدريس الإسلام في المدرسة، لذلك وسّعت مختلف المقاطعات الفيدرالية في ألمانيا من تعاملها المخصص تاريخياً إلى الكنائس، سواء أكانت كاثوليكية أو بروتستانتية، ليشمل الإسلام نفسه، فكل مواطن له حق التحصيل في المدرسة لتعليم ديني بحسب معتقده، تتكفل فيه الدولة بالمدرسين المعنيين، وتتولى دفع أجورهم مع ترك مهمة صياغة البرامج التعليمية للسلطات الدينية، في الوقت نفسه جرى آلياً توسيع المجال ليشمل الهيئة الإسلامية الحديثة التشكل، سنة 1981، لتنال قسطاً من الموارد المجمعة من عائدات ضرائب، يختار كل مواطن ألماني دفعها للكنيسة التي ينتمي إليها. تجربة متطورة عبر هذه التجربة المتطورة التي انطلقت في بعض المقاطعات، من بافاريا إلى رينانيا، مروراً ببرلين، حيث يقيم قسم هام من الجالية التركية، تم الاعتراف بالإسلام ديناً إلى جانب الديانات الأخرى التي صاغت الوعي التاريخي الجماعي للألمان، على الأقل إلى منتهى الحرب العالمية الثانية وانتصاب جدار برلين سنة 1961، تسريع سياسة توسيع حقوق المواطنة لتشمل عموم المهاجرين، بسبب ضغط المكون الديمجرافي لجموع المهاجرين إلى ألمانيا، من ذوي الأصول التركية والمغربية بالدرجة الأولى، هذا وقد تحدد بشكل ما الحصول على حق الاقتراع الإداري، وتشكيل مجالس استشارية على المستوى المحلي، ليست بالضرورة دينية، ترافق المجالس البلدية. فقد جعل تنامي شبكة من الجمعيات الإسلامية التركية والكردية المشهد الاجتماعي السياسي الديني، على المستوى العمومي، أكثر فاعلية مقارنة بما سبق، إذ صارت التعددية العرقية والدينية بارزة، وهو ما أفضى إلى إيجاد محاور عمومي تابع لمؤسسة الدولة، وعندما تُسوى مسألة الترابط بين المواطنة والجنسية الألمانية نهائياً، سيكون هذا البلد نموذجاً مهماً للاندماج اللين للإسلام في المجتمع. إرث استعماري ينتقل باتشي إلى تناول النموذج البلجيكي، مشيراً إلى أنه المهاجرون الأوائل حلّوا ببلجيكا مع ستينات القرن الماضي، وانضموا إلى النسيج الاجتماعي الذي يحوي منذ مدة جاليات إيطالية وإسبانية، بالتالي، لم يشكّل وصول المهاجرين من المغرب وتركيا، بالنسبة إلى بلجيكا، ديناً يستوجب الوفاء به مقابل إرث استعماري سابق، ولا نتيجة سياسة تحالفات عالمية خاصة، تربطها ببلدان جنوب المتوسط. ويوضح أنه مرت منذ 1974 حتى تشكيل الهيئة العليا للشعائر الإسلامية، أربع وعشرون سنة، ظهرت على إثرها بعض المشكلات وبعض الشكوك، ما توجب على المجتمع البلجيكي، في عمومه، ومن ضمنه الجالية المسلمة، التعهد من حين لآخر بتذليلها، واختزالاً لما هو مهم من قائمة المشكلات التي شغلت الأجندة السياسية، سواء للحكومات التي تعاقبت منذ 1974 إلى 1998، أو لمختلف الجماعات التي نظمها مسلمو بلجيكا، يمكننا بالتالي حصر ما كان ولا يزال يمثل الإطار الاجتماعي الأساسي الذي تصوره الحالة البلجيكية بشكل لافت كالآتي: الإسلام يمكن الاعتراف به حصراً في حال التكيف مع نمط العلاقات المؤسساتية، التي اختبرت عبر الزمن وجربت على أديان تاريخية أخرى، ويمكن لتلك العلاقات أن تُسوى من طرف الدولة وبفسح هامش من الاستقلالية للجاليات المسلمة، التي تقبل بالانضواء تحت قواعد مؤسساتية أرستها الدولة منذ وقت، وبذلك تتاح لها فرصة واقعية لاكتساب دور عمومي، وبغيابه تفتقد تلك القدرة لأسباب بنيوية، فالإسلام، كما ذكرنا عديد المرات، ليس له كنيسة ولا بابا، وبالتالي فهو بالغ التشظي والتعدد من الداخل. أطر تشريعية نظراً لخاصيات الإسلام الاجتماعية والدينية التي عرضت سابقاً، فإنه لا يتكيف بيسر مع الأطر التشريعية التي نظمت بها عادة الدول الأوروبية الحديثة العلاقة بين الأديان والدولة، لذلك يساهم الإسلام في تكريس التركيب في المجال الاجتماعي والديني، وتعقيد النظام الاجتماعي والمؤسسات التي تحكمه، وحالة التركيب الاجتماعي الديني المستجدة هذه، والمعروضة بمشهدية عالية من طرف الجاليات الإسلامية، يمكن التحكم بها شرط أن تكون المؤسسات العمومية في مستوى تحويل الاختلاف الخارجي إلى اختلاف داخلي، وذلك بالاعتراف بحجج الآخر والتكيف مع مبادئه التنظيمية الخاصة، ويمكن القول إن حضور جالية كبيرة من المسلمين، والتي باتت في حالات عدة، كما هو الشأن في بلجيكا وغيرها، تمثل الدين الثاني، له أثر مباشر في توسيع حدود التعددية الدينية، والأدهى في ما يحدث من تطورات، هو ظهور دين لا يشكّل طرفاً في البنية التكوينية الحديثة للشعب، وهو ما نجده في الحالة البلجيكية. وتمت معالجة المسألة بالبحث عن دمج الإسلام في المشروع السياسي التكويني، الذي يشكّل أساس الهوية الوطنية للبلجيكيين، فما يميز المشروع ويجعله مختلفاً عن الطريقة الفرنسية، وهو الإقرار بمبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة مع الاعتراف للأديان بدور عمومي، ليس ذلك في حدود تاريخية فقط بل هي ممارسات فعلية. ويوضح باتشي أن الانتخابات التي أُجريت منذ سنوات، والتي قادت إلى تشكيل هيئة تمثيلية للمسلمين، تعتبر عن اللعبة السياسية الثقافية التي أقحمت في الميدان، ضمن سياق الاعتراف بالإسلام، وتبين الحالة كيف أن تشريك عامل اجتماعي ديني، وهو في هذه الحالة مسلمو بلجيكا، في علاقة مع الهياكل السياسية والعمومية للدولة، هدَفَ بالأساس إلى إيجاد مُحاور لتسوية المسائل ذات الصلة كافة بحضور الإسلام على الأراضي البلجيكية بغرض نيل حقوقه والتمتع بامتيازات مالية لفائدة تسيير مؤسساته الدينية. الفضاء الأوروبي يذهب باتشي إلى تفسير النموذج المتوسطي ممثلاً في إسبانيا، فيقول إن الشكل الذي واجهت به الدولة الإسبانية الاعتراف بالإسلام متفرداً في الفضاء الأوروبي، ولعل المبررات التاريخية تساعد على تفهم الأسباب، فالصورة التي نكونها اليوم عن الإسلام تعود أيضاً إلى التوترات والترسبات التي تختزنها الذاكرة الجماعية، مع عالم يبدو لنا بعيداً وغريباً عما يميز مركزيتنا الأوروبية، ينبغي التذكير أساساً بأمرين: الأول على صلة بما أرساه الدستور الإسباني الجديد، العائد إلى فترة ما بعد فرانكو سنة 1978، والثاني بقانون الحرية الدينية الصادر سنة 1980. ويقر نص الدستور الدولة بصون الحرية الدينية، فالدولة هي التي ترعى الخيارات الحرة للمواطنين في المجال الديني، وتتولى من حين إلى آخر إبرام اتفاقات مع الأديان الحاضرة والمتجذرة في المجتمع الإسباني، سنة 1980 أقر القانون الجديد المتعلق بالحريات الدينية إنشاء هيئة خاصة، داخل وزارة العفو والعدل، تسهر على تنفيذ المبادئ الدستورية والسير قدماً نحو الاعتراف بمختلف الديانات، وهكذا نجد، للمرة الأولى في هذه الهيئة، ممثلين من جمعيات إسلامية إسبانية، مضت أكثر من عشر سنوات، قبل أن تصوغ الهيئة نص اتفاقية التعاون بين الدولة والجالية المسلمة الموجودة بإسبانيا، تمت الموافقة على القانون سنة 1992، وقد جاء ثمرة سلسلة من جلسات التفاوض، بين تكتل من الجمعيات ضم مختلف مكونات الإسلام الإسباني تحت اسم "اللجنة الإسلامية بإسبانيا" وممثلي الحكومة. أتباع الإسلام من العناصر المحورية في “الإسلام في أوروبا” لمؤلفه د. إنزو باتشي ثلاثة، المتعلقة بالمسلمين الإسبان، اعتبار أن أتباع الإسلام غير أجانب، مواطنون على قدم المساواة مع غيرهم، يعتنقون ديانة تعترف بها الدولة، نظراً للدور الذي لعبته في تاريخ إسبانيا. وأما العنصر الثاني، فيقر باعتراف الدولة بدين الإسلام، نظام اعتقاد يُضاف إلى الجذور التاريخية للهوية الإسبانية، في الفقرة 39 من نص الاتفاقية، نقرأ “تتعاون الدولة واللجنة الإسلامية بإسبانيا على رعاية وتطوير الإرث التاريخي والفني والثقافي الإسلامي في إسبانيا، وهو ما يشكّل مجالاً خصباً للتأمل والدراسة، لصالح أفراد المجتمع الإسباني كافة”، وبفضل ذلك الاعتراف سمحت الاتفاقية بتسوية شاملة للنقاط كافة المتعلقة بالممارسة الحرة للدين الإسلامي. نبذة عن المؤلف مؤلف الكتاب هو الدكتور إنزو باتشي، إيطالي من مواليد مدينة بادوفا، أحد أبرز علماء الاجتماع في إيطاليا المنشغلين بعلم الاجتماع الديني وبالإسلام، يتولى في الوقت الحالي رئاسة قسم علم الاجتماع في جامعة بادوفا، فضلاً عن رئاسة الجمعية العالمية لعلم الاجتماع الديني.. من أعماله المنشورة: “النحل” 1997، “الإسلام والغرب” 2002، “سيسيولوجيا الإسلام” 2004، و”لماذا تخوض الأديان الحروب؟” 2006.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©