الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا: الحصار الرقمي وحروب المستقبل

18 يناير 2014 21:52
تؤثر التغيرات في طبيعة الحرب بشكل عميق على طريقة تنظيم الدولة والقانون نفسه. فقد ساهم ظهور البارود والجيوش الصغيرة الدائمة في انتاج الملكيات المطلقة في القرنين السادس عشر والسابع عشر لكن الحشد الكبير للجنود في جيوش نابليون دشن بداية النهاية لهذه الملكيات. وأدت الحاجة إلى جيوش دائمة يتزايد حجمها دوماً إلى إنشاء أجهزة للدولة الحديثة، مثل إحصاء السكان والضرائب والتعليم الأساسي. ويمر عالمنا بمنعطف كبير آخر تعيد فيه التكنولوجيا تشكيل الطريقة التي تجري بها الحروب. وسيشكل مستقبل الحرب الدور الذي تلعبه الطائرات من دون طيار التي يصغر حجمها دوماً واستخدام الإنسان الآلي في ساحات القتال والقدرات الهجومية في الحرب الرقمية والقدرات الاستثنائية في التجسس على ساحات القتال، وعلى أفراد بعينهم والاعتماد الأكبر على قوات العمليات الخاصة في صراعات غير تقليدية وعسكرة الفضاء وتزايد استخدام التكنولوجيا الحيوية، التي سيكون لها تأثير كبير في إنتاج أسلحة بيولوجية. ولنتناول هنا عدداً قليلاً من الجوانب المؤثرة في حروب المستقبل: تصنيع الحياة: يستطيع العلماء الآن انتاج كائنات حية منها فيروسات جديدة، وهذا يفيد العلماء، لكنه من المحتمل أيضاً أن يفيد الإرهابيين وبعض الدول. الطائرات بلا طيار: تسمح هذه الطائرات باغتيال أفراد عن طريق التحكم عن بعد، وهي تنتشر بطرق غير متوقعة. فقد انتهى الاحتكار المؤقت للولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل لهذا النوع من الطائرات الحربية. فقد فاجأت الصين الولايات المتحدة عام 2010 بكشف النقاب عن 25 نموذجاً لطائرات بلا طيار في استعراض جوي عسكري بعضها مزود بقدرة إطلاق صواريخ. لكن البنتاجون، بما يتميز به من تفكير قصير الأمد، يركز كثيراً على «الجاهزية» ولا يركز بما يكفي على «الاستعدادية» وعزف فيما يبدو في الآونة الأخيرة عن الاهتمام الكافي بالطائرات من دون طيار، فقلص الإنفاق عليها بينما واصل تخصيص مليارات الدولارات للطائرات التي يقودها طيار. الحصار الرقمي: أحد التقنيات المحتملة في حرب العالم الجديد هو ما تطلق عليه «ساشا مينراث» من مؤسسة نيو أميركا «حرب الحصار الرقمي». وتتوقع إن العدو الذي يقوض القدرة الأساسية لعمل أجهزة الكمبيوتر التي نستخدمها يستطيع أن يضر بمجتمعنا الذي يتزايد اعتماده على التكنولوجيا وقد يؤدي هذا إلى المزيد من الهجمات الرقمية الكبيرة بعيدة المدى. وتعتقد مينراث أنه يتعين علينا أن نفترض أن الدول الأخرى والقوى غير الحكومية تعمل وفق نفس القواعد. فهل تضع الصين على سبيل المثال «أبوابا خلفية» لسرقة المعلومات في شرائح الكمبيوتر؟ وإذا أرادت الولايات المتحدة حقا أن تحمي البلاد وخصوصية الأفراد مما هو آت، يتعين علينا أن نفكر فيما يتعلق بتوحيد معايير أنظمة الكمبيوتر و«تقويتها» وتجزئة البيانات لمنع الاستحواذ على كميات كبيرة من بيانات المستهلك دفعة واحدة والكشف عن الاختراقات عند حدوثها حتى نقر بالضعف ونعزز الدفاعات، وحماية بيانات المستهلك سواء كانت في الصحة أو المصارف أو الشبكة الاجتماعية. وليس التصنيع العلمي للحياة وانتشار الطائرات بلا طيار وزيادة احتمالات الحصار الرقمي إلا غيض من فيض. فتطور تكنولوجيات التجسس وأسلحة الفضاء والأنظمة الآلية من جميع الأنواع تغير أيضاً مستقبل الحرب. ونشرت التكنولوجيا الجديدة أيضاً أعمال العنف واسعة النطاق، مما مكن أطرافاً ليست دولاً من استخدامها، وهددت باستخدام قوة قاتلة على نطاق لم يكن يرتبط من قبل إلا بالدول وحدها. فقد عصفت هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية بالزعم المريح بأن الولايات المتحدة لا تواجه إلا الدول المعادية التقليدية. ومنذ هذه الهجمات والولايات المتحدة تخوض صراعات من أنواع مختلفة ضد مجموعة من الشبكات من مقاتلين غير تقليديين، مثل «القاعدة» والجماعات المتحالفة معها في أفغانستان والعراق وباكستان والصومال واليمن. وبالنظر إلى الأمور مجتمعة، فإن التغيرات الحديثة في المناهج التكنولوجية للحرب والأعداء الذين نواجههم قد محت الحدود بين ما نعتبره تقليدياً، حربا وسلاما وعسكريا ومدنيا وأجنبيا ومحليا وقوميا ودوليا. إنها طمست الحدود بين القانون العسكري والجنائي في وقت تجد فيه الولايات المتحدة صعوبة في كيفية مقاضاة أعضاء من القاعدة ضالعين في عمل جنائي هو أيضاً حرب ضد الولايات المتحدة وحلفائها. وطمست أيضاً الحدود بين الأدوار العسكرية والمدنية مثلما يحدث في توصيل المساعدات والتنمية. فأعضاء فرق إعادة الإعمار الإقليمي في مناطق الحرب، مثل أفغانستان يصبحون عمال مساعدات مسلحين. وطمست الحدود بين القطاعين العام والخاص. فالمتعاقدون من القطاع الخاص يقومون حالياً بعدد من الوظائف العسكرية كانت من اختصاص موظفي الحكومة سابقاً. وهذا يثير طائفة من الأسئلة المتعلقة بالمحاسبة والمشروعية: على سبيل المثال، هل من الممكن أن يُتهم متعاقد مشارك في برنامج وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للطائرات بلا طيار بالقتل، إذا قتل مدنياً في هجوم بطائرة بلا طيار؟ وطمست الحدود بين الجيش والاستخبارات. فلم يعد هناك سبب لمزيد من التعليق بأن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أصبحت شيئاً شبيهاً بمنظمة شبه عسكرية بعد أن قتلت نحو ثلاثة آلاف شخص في هجمات الطائرات بلا طيار في باكستان واليمن في ظل رئاسة أوباما وحده، مع الأخذ بأكثر التقديرات تحفظاً. وطمست الحدود بين المحلي والأجنبي. فوكالة الأمن القومي تجمع حالياً بيانات هائلة لمئات الملايين من المواطنين الأميركيين العاديين، لأنه من شبه المستحيل تقريباً التمييز بوضوح بين المحلي والأجنبي من الاتصالات. ونالت من المفاهيم التقليدية عن السيادة، فمع تطوير عدد يتزايد من الدول لتكنولوجيا تمكنها من «الوصول إلى داخل» دول أخرى بالقليل نسبياً من المخاطر الآن سواء باستخدام الطائرات بلا طيار أو بأنظمة التجسس الفضائي أو الأدوات الرقمية، فقد تغيرت طبيعة ومعنى السيادة. ‎توماس ريكس كاتب أميركي متخصص في الشؤون العسكرية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©