الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوليفر ستون: هتلر كان كبش فداء!

أوليفر ستون: هتلر كان كبش فداء!
27 يناير 2010 21:06
استحوذ المخرج الأميركي أوليفر ستون مؤخرا على اهتمام النقاد والمؤرخين وعلى غضب ونفور الأوساط اليهودية المتشددة خصوصا بعد التصريحات التي أطلقها حول فيلمه الوثائقي: “ التاريخ السري لأميركا” الذي انتهى من تنفيذه مؤخرا لصالح قناة (شو تايم) وسيبث قريبا في عشر حلقات متسلسلة بواقع ساعة تلفزيونية لكل حلقة. التصريحات التي أطلقها ستون ساقت معها علامات تعجب كثيرة حول المغزى من إطلاقها في هذا التوقيت بالذات، وحول المفاجآت التاريخية التي تضمنتها، وهي مفاجآت قد تكون صادمة ومقلقة للبعض، وقد تفتح مسارات جديدة في وعي الجيل الأمريكي الجديد المغيب والذاهل عن أسرار وخبايا اللعبة السياسية التي أدارتها أمريكا أو التي أديرت بواسطة أيد خفية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية وشكلت ملامح القرن الجديد، ومعالم الجغرافيا والتاريخ والهوية لأمريكا المعاصرة. قال ستون خلال أحد المؤتمرات الصحفية المروجة للفيلم بأن هتلر كان مجرد كبش فداء، وتم تناوله في الإعلام المعاكس بشكل مبتذل، وأنه كان ضحية لسلسلة من الأحداث التاريخية والعسكرية، وقال: “نحن لا نستطيع الحكم نهائيا على الأشخاص من خلال تصنيفهم كأشرار أو طيبين” وأضاف: “تقمصت في الفيلم شخصية ستالين وهتلر، حتى اكتشف وجهات النظر والدوافع الحقيقية التي تحركا من خلالها، فنحن لا يمكن أن نتلمس التاريخ الحقيقي إذا لم نقترب كثيرا من الشخصيات التي نكرهها، والشعب الأمريكي مازال يجهل حتى الآن الرابط الذي يجمع بين الحرب العالمية الأولى والثانية”. الأمريكي الخائن مثل هذه التصريحات المدويّة دفعت بالكاتب والواعظ اليهودي رابي شمولي بوتياش إلى وصف ستون بأنه مختل، وإن هذه التصريحات لن تكون غريبة على شخص يصادق أعداء أمريكا وحكام (محور الشر) ويحقق أفلاما عنهم مثل كاسترو وشافيز وأحمدي نجاد. وقال بوتياش: “كيف يصف أدولف هتلر بأنه ضحية، ونحن جميعا نعرف أنه وحش نهم ومصاص دماء وخادم للشيطان، على أوليفر ستون أن يخجل من نفسه”. التصريحات ذاتها دفعت أحد المنتمين لمنظمة يهودية متشددة وهو إيب فوكسمان إلى القول إن “أوليفر ستون يتقمص دور أوليفر ستون وليس أحدا آخر، فهو يثير قضايا كبيرة وصادمة لا لهدف حقيقي، ولكن لجلب أقصى ما يمكن من الأموال والأرباح”. وردود الفعل القاسية هذه ضد “ستون” لن تكون مستغربة هي الأخرى مقارنة بالمسيرة السينمائية الحافلة بالشكوك والتأويلات والانتقادات الجارحة التي وصلت إلى حد وصفه بالمتمرد والشرير والخائن، وهي صفات وتهم رافقت الأفلام الروائية والوثائقية التي تصدى لها منذ اقتحامه لمناطق تعتبر من المحرمات والتابوهات السياسية المأهولة بالأسرار والمكائد وعلامات الاستفهام التي لم تفك شفرتها بعد. تضمن فيلم “التاريخ السري لأمريكا” أيضا ـ حسب التقارير الأولية الواردة عنه ـ معلومات ربما يعلن عنها ربما للمرة الأولى عن اللحظات التي سبقت إعلان الرئيس الأمريكي هاري ترومان إلقاء القنبلة الذرية على اليابان في العام 1945، كما سيتناول الفيلم جذور ومسببات الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي سابقا والتغييرات الكبيرة التي طرأت على الدور الأمريكي في العالم بعد سقوط المعسكر الشيوعي في الثمانينات. الفيلم لن يخلو أيضا من التطرق لدور الزعيم الصيني ماو تسي تونغ وللحملة المسعورة التي قادها جوزيف ماكارثي ضد المشتبه بهم في مغازلة الأيديولوجيا الحمراء، أو الموالين للأفكار الشيوعية في أمريكا الخمسينات، وسيظهر الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين بشكل مغاير في فيلم ستون مقارنة بالكم الهائل من الأفلام الوثائقية التي ظهرت عنه في الغرب وروجت لسلوكه الشرس والدموي، بينما يصفه ستون في الفيلم بأنه شخص مختلف له مزاياه وله أخطاؤه، وقال: “لا أريد أن أقول إنه كان بطلا، ولكن الرجل حارب ماكينة القتال الألمانية بقوة أكثر من غيره”. إرث إبداعي والحديث عن أوليفر ستون كمخرج إشكالي ومتصادم مع الأحزاب السياسية والأوساط الشعبية والمؤسسة العسكرية وأباطرة وول ستريت لا يقلل من إرثه الإبداعي الكبير والمتشعب الذي ترجم من خلاله الهاجس الحقيقي للمبدعين الكبار والمتمثل في طرح الأسئلة وتحفيز الخيال وعدم اللجوء لوضع إجابات نهائية وجازمة، ومقارنة مع مخرج إشكالي آخر هو مايكل موور الذي يحاول تقديم إجابات جاهزة في أفلامه التسجيلية من خلال النقد المباشر للأوضاع الاقتصادية والسياسية في أمريكا، فإن ستون يسعى لمنح أفلامه نوعا من الخلود الذي يتشكل من خلال الأسئلة الإنسانية والاجتماعية والتاريخية الكبرى، ونتذكر هنا أفلامه عن الاسكندر الأكبر وأحداث السلفادور الدامية في العام 1980، كما نتذكر فيلمه المحتشد بالألغاز والتلميحات ونظريات المؤامرة: “جي. إف. كيه.” الذي يختصر اسم جون فيتزجيرالد كينيدي الذي حاول ستون من خلاله أن يميط اللثام عن المؤامرة التي دُبّرت في الخفاء وأدت إلى اغتيال هذه الشخصية السياسية الطموحة في التاريخ الأمريكي الحديث، وفي فيلم “دبليو” وهو اختصار للاسم الأوسط للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ذهب ستون نحو الجذور النفسية والفكرية والعقائدية التي كونت شخصية بوش وحولته إلى أكثر رؤساء أمريكا إثارة للجدل والبغض في أرجاء العالم، وفي فيلمه “نيكسون” الذي أخرجه في العام 1995 وأدى فيه أنتوني هوبكنز أحد أقوى أدواره السياسية على الإطلاق، قدم ستون صورة نيكسون كإنسان مدمن ومحطم وسط أجواء سياسية مشحونة بالكراهية والفضائح، والتي توجت بفضيحة ووترغيت وبكل تداعياتها المهلكة على شخصية ظلت تقاوم بشراسة رغم ضعفها وهشاشتها من الداخل. ولا يمكن هنا إهمال الحرب الفيتنامية التي شارك بها ستون في فترة شبابه، وأوحت له بأفكار سينمائية مذهلة حول مدى عبثية هذه الحرب وحول ظلالها الداكنة التي لوثت الجانب الروحي والنفسي لدى الجنود الأمريكان، وكانت ثمرة هذه الأسئلة الكبيرة والانشغالات المقلقة ثلاثة أفلام حققها كي يصفي حسابه مع تأنيب الضمير الشخصي والسياسي العام الذي لوّن حقبتي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وكانت أفلامه “بلاتون” أو الفصيلة و “مولود في الرابع من يوليو” و”السماء والأرض” أشبه بمانيفيستو بصري ضد فظائع الحروب ونتائجها الإنسانية المدمرة. رؤية خلاّقة بغض النظر عن الجدل الذي يثيره فيلم “التاريخ السري لأمريكا” حاليا وسيثار بشكل أضخم وأكثر سخونة عند بث حلقاته العشر على قناة (شو تايم)، فإن أوليفر ستون المولود في مدينة نيويورك العام 1946 يعتبر واحدا من أهم المخرجين في السينما المعاصرة، فهو ورغم اهتمامه بنبش وتوثيق الأرشيفات السياسية الغامضة والمنعطفات المهمة في التاريخ القديم والحديث، فإنه لا يريد أن يصفه أحد “بالمؤرخ السينمائي”، بل هو يؤكد في كل فيلم يقدمه بأنه يميل للجانب الدرامي والجمالي في الأفلام، فهو فنان ومبدع قبل أن تشغله أية صفة أخرى، واسترجاعا للذاكرة السينمائية فإن فيلم مثل: “قتلة بالفطرة” يؤكد على الرؤية الخلاقة لستون عندما قدم درسا في التجريب السينمائي الذي لا يخلو من رغبة حثيثة للوصول إلى منابع العنف في المجتمع الأمريكي الحديث، فمن خلال قصة عاشقين تملأهما البراءة والوحشية في ذات الوقت يغوص ستون بصريا وسرديا في أعماق الشخصية السيكوباتية التي تتمتع بارتكاب الجريمة كما يتمتع طفل صغير بلعبته الجديدة، مزج ستون في هذا الفيلم المدوّخ وسائط بصرية متعددة من خلال كاميرات الفيديو العادية وكاميرات السينما الثلاث الشهيرة 8 ملم و 16 ملم و35 ملم كي يخرج بتوليفات مدهشة ومعبرة عن هلوسات ووجهات النظر الغامضة لمدمني القتل بدم بارد والمتلذذين بمشهد الضحايا وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة، وفي فيلم آخر مهم هو: “ذا دورز” قدمه في العام 1991 ويتحدث فيه عن الفرقة الموسيقية الشهيرة التي حملت ذات الاسم وظهرت إبان الثورة الشبابية في الستينات، حاول ستون أن يحلل الذهنية الانتحارية لقائد الفرقة جيم موريسون، فقدم شريطا دراميا حافلا بالتحليل النفسي حول النزعة الغامضة في تدمير الذات، خصوصا لدى الشبان الذين يصلون لذروة الشهرة ولكنهم يفتقدون في ذات الوقت للتواصل العاطفي والحقيقي الذي يروض جنونهم وعبثهم وطاقتهم الداخلية العارمة. يبقى أوليفر ستون في النهاية علامة فارقة في السينما الأمريكية المختلفة والتي لا تنتمي للسائد التجاري بقدر انتمائها لهاجس التغيير في نمط التعامل مع السينما كفن محفز للأسئلة وللخيال معا، والأهم من ذلك هو الترويج للسينما كضمير حي ونابض في الوعي الجريح للإنسان وللمستقبل
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©