الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مدونات في العشق

27 يناير 2010 21:07
صدر مؤخراً ديوان الشاعر المغربي محسن أخريف “حصانان خاسران”، وذلك عن منشورات “مفترق الطرق” في الدار البيضاء، وكان هذا الديوان قد توّج بالجائزة الأولى في مسابقة أدبية نظمتها القناة التلفزية المغربية الثانية. في هذا الديوان الذي جاء في 60 صفحة من الحجم الصغير، يتمادى الشاعر في مغازلة الأنثى القطب الرحى في الديوان برمته جاعلاً منه بعداً رمزياً ومتكأً دلالياً يتجاوزان في ذلك، الحديث عن المرأة مسهباً في سرد تفاصيل علاقته بهذا الكائن الجميل، حيث إن الجسد على المستوى الدلالي يمثل بؤرة هذه المجموعة الشعرية. الجسد في مفارقاته المتعددة: ذكورة وأنوثة، ثقافة وطبيعة، حضوراً وغياب لذة وألماً، وأيضاً الجسد “كقطعة من الهامش والمتواري والمسكوت عنه، إذ أنه قديم في غيابه، ومتشابه” غالباً في حضوره، على الرغم من تسكعاته في تكنولوجيا الشارع العصري وخطاباته المستعارة من إكسسوارات الوصلات الإشهارية كما تقول كلمة غلاف هذا الديوان. “إنه الجسد في تاريخه الممتد من ثقافة الخباء وخطابات التخويف”. إن نصوص “حصانان خاسران” ليست، فقط، حديثاً في الحب، وليست غزلاً يعيد إنتاج الذكورة في انتفاخها الوهمي، وليست حديثاً عن الأنوثة في مدونات العشق والوله والهجر والبكاء والوجد، ليست هذه النصوص كتابات عن الوصل والانفصال والخيبة بين العاشق والمعشوق، وإنما هي كلام في الممنوع من النظر والسمع، والمحرم من البوح والتصريح والإفشاء، هي كلام في الحميمية المؤجلة في تمظهرات الجسد العاري من المساحيق والأقنعة، هي كذلك تعرية لمفارقات الطبيعة في زمن ثقافة الإكسسوارات التي أصبحت هي الجوهر، في زمن أصبحت لكل أشياء بدائل، وكأننا نعيش بأعضاء اصطناعية وبأحاسيس اصطناعية. يقول الشاعر محسن أخريف في قصيدته “امرأة من ثلج”: “عَلَيْكِ أنْ تتحلَّيْ بمَا يَكفِي منَ الشَّراهَةِ، تَضَعي ما يكفِي منَ الأَحْمَر على شَفَتَيْكِ. الشِّفاهُ الْبَاردَةُ لاَ تجذِبُني، ثمَّ إنَّ الأحمرَ القَانِي يُضيءُ الْغُرْفَةَ بمَا يَلِيقُ مِنَ الرَّغْبَةِ وَالشَّبَقْ. الأحمرُ مُثيرٌ للشَّهوَةِ كمَا هوَ مُثيرٌ للشَّفقَة حينَ يَسِيلُ منْ غَيْرِ سَبَبٍ وَجِيه. لاَ تَضَعِي الأَزْرَقَ إنَّهُ تَقْلِيعَةٌ غَيْر مُناَسِبَةٍ للحُبِّ. حينَ نَتَوحَّدُ، أَوقِفِي دَقَّاتِ قَلْبِكِ، إنَّهَا تَقْطَعُ عَلَيَّ مُتْعَتِي. تَنهيدَاتُكِ أريدُها مُتوَاصِلَةً، إنَّها تُشعِرني بالزَّهْوِ، إنَّهَا تُشَجِّعُنِي عَلَى تِكْرَارِ الحِْكَايَةِ، وَحِينَ أَنْبَطِحُ عَلَى ظَهْرِي، هَنِّئِينِي بمَا يَلْزَمُ منَ الْقُبَلِ. هُنَّ كَلِمَاتُ إِطْرَاءٍ لاَئِقَة”. هكذا يصور الشاعر المرأة الرمز التي يحلم بها في متخيله الشعري الطافح بالصور والمعاني الشفافة ويجعلها تتشكل رويداً رويداً من الكلمات التي تتجاور تتنافر صانعة إيقاعها الخاص. نساء محسن أخريف في هذا الديوان جميلات، وديعات، يصفهن بقوله في قصيدته التي تحمل عنوان “حِكَايَةُ الرِّجَالِ الَّذينَ مَاتُوا وَفِي قُلُوبِهمْ كَثِيرٌ مِنْ لَوْ”: “بتَنُّورَاتِهِنَّ فَوْقَ الرُّكْبَةِ بقَلِيلٍ، اَلْمُمَرِّضَاتُ الْبَيْضَاوَاتُ يَتَجَوَّلْنَ كَمَا مَلائِكَةٍ بُعِثْنَ كَحُورِ عِينٍ ضَلَلْنَ طريقَهُنَّ إِلَى الجَنَّةِ، يُقَسِّمْنَ الابْتسَاماتِ حَسَبَ الرُّتَبِ العَسْكَريَّةِ. في ديوان “حصانان خاسران” يتحول الشاعر محسن أخريف ليعزف نوتات قصيرة بعد قصائده الطويلة التي يمجّد فيها المرأة والحب والجسد، فنراه يكتب على شاكلة قصائد الهايكو القصيرة والمركزة. قصائد محسن أخريف في هذا العمل الشعري تعمل مثل غيرها من الأعمال الشابة على بلورة التصور الذاتي للعالم ومكامن الجمال فيه بعيداً عن طرق القضايا ذات البعد الكوني أو الإنساني.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©