الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجدة·· جذر عائلي لا يخلو من الأشواك!

الجدة·· جذر عائلي لا يخلو من الأشواك!
10 فبراير 2009 00:46
أساطير الشرق البعيد تحدثنا عن الجدة أو الأم الأولى، وهي ''الشمس'' التي أرسلت حفيدها ليعمر الأرض بدءاً من بلاده· والطفل عندنا وفي مختلف البلدان يتعلم أن يناديها ''تيتا'' مع ''ماما'' و''بابا''، إنها الجدة التي لم يستطع التلفزيون بكل محطاته الأرضية والفضائية أن ينسينا سحر الحكاية التي كانت جداتنا تهدهدنا عليها قبيل النوم كل مساء· ولكن ظروف الحياة المعاصرة بما فيها من مطالب العلم والعمل والاغتراب والعيش بحرية، والابتعاد عن الأهل والتخلي عن التقاليد، إما بتأثير المدنية الغربية أو بفعل الضرورة، غيرت كثيراً من عاداتنا الجميلة، ومنها ابتعاد أطفالنا عن جداتهم، لذلك نجد أكثر هؤلاء الأطفال محرومين من العيش قريباً من جداتهم، وحين يسمعون شيئاً من ذكرياتنا الغالية مع جداتنا يسرح بهم الخيال بعيداً وكأننا نتحدث عن أحلام لا علاقة لها بالواقع· انطلاقاً من أهمية الجدة ودورها التربوي الكبير في بناء خيال الأطفال وتهذيب أذواقهم الفنية والجمالية، لنستمع إلى الأمهات والأبناء وما يقولونه عن جداتهم·· المعلمة ريما عبد الرحمن تقول: عدم وجود الجدات لا يقتصر تأثيره فقط على الأولاد ولكن يؤثر علينا كذلك، لأننا أصبحنا نفتقد إلى الخبرات الحقيقية العتيقة، فالجدة تتميز بالحنان والحكمة أكثر من الأم من حيث التجربة التي مرت بها، ووجودها متنفس حر للأولاد ومعلومات تغنيهم بها في الحياة، من حيث الحكايات والقصص التي ترويها لهم· ولكن بسبب الغربة من ناحية عمل الأم، وكذلك الزيجات المتنوعة من جنسيات مختلفة، هناك حاجز كبير يفصل بين الأجداد وأحفادهم· وتضيف ريما: أعتبر أننا فقدنا بيت العائلة، وإن وجد فلم يعد يحمل المعنى الذي كان شيد عليه· لذلك خسارتنا كبيرة، ولا يوجد سند لنا·· كانت العائلة مثل جسد متماسك وصحيح، الآن هذا الجسد تفرق وكل فرد فيه في بلد، وهذا أثر على الروابط العائلية، وأعتبر أننا كدنا نصل إلى المصالح المتبادلة في العائلة الواحدة· وحول معرفة مدى حب الأطفال إلى جداتهم·· كان لقاؤنا مع رفيعة إسماعيل الحوسني (الصف السادس في مدرسة السمحة للتعليم)، التي تقول: أنا أحب جدتي نعيمة كثيراً، فهي تحكي لي حكايات وقصصاً من التراث، وكذلك تعلمني أناشيد، وتشجعني دائما لكي أكون مجتهدة في دراستي· وتضيف رفيعة إنها من الثلاثة الأوائل في مدرستها ''السمحة'' وهي متفوقة في مادة الكمبيوتر وحصلت على 99%، وأنها تحب اللغة العربية وكذلك الإنجليزية· وسألتها من يشرف على تدريسك؟، قالت: أمي ومعلماتي، وأنا أحفظ عندما يشرحون الدروس· وبمرح وثقة عالية بالنفس قالت لي الطفلة رفيعة: تعلمت غزل الصوف في أسبوع، وأحب أن أشتغل في أشياء من التراث· وتحكي لي جدتي كيف كانت من قبل تعمل بها· وعندما سألتها هل تتذكرين شيئاً من أقوال أو أغاني جدتك؟، قالت رفيعة- وقد ظهر السرور على وجهها- عندما كنت أذهب لحضن الجدة وأنا زعلانة تقول لي ''أحبك يا غلا قلبي·· وأغلى من سكن ذاتي·· أحبك وأحلف بربي·· أحبك أحبك يا إماراتي''· ولكن هذه الطالبة، وهي كذلك بالصف السادس، تقول إنها من العشرة الأوائل: أتمنى أن أكون طبيبة حتى أعالج الناس وأكسب الأجر والثواب، وأنا أحب العلوم والرياضيات، كما أنني تعلمت الغزل الذي تصنع منه أشكال وهو من تراثنا، وجدتي زينب أم أبي أحبها كثيراً، وهي تكلمني عن تراثنا، وأنهن كن يصنعن أشياء ليحققوا هدفاً بما ''يبغون''، كذلك تقول جدتي ''إن الإنسان يمكن أن يتعب، ولكن بعدين يجد هذا التعب بأن يدرس ويحصل''· وتغني ريم مع جدتها في حب الإمارات: أرواحنا تفداك·· الله ما أكبر غلاتك·· الله يدومك ويسعد لنا حياتك· وعندما سألنا بعض الأطباء عن سبب محبة الأحفاد لجداتهم·· قال الدكتور أحمد المعتز من السودان وهو في زيارة إلى أبوظبي: تربيت مع جدتي وجدي، عندهما قيم جميلة جداً يعطيانها إلى الأحفاد، الجدة اسمها في السودان ''الحبوبة''، يعني أنها تعرف قيمة وكلمة حنان وتأثيرها على الأطفال، ويكون لها التفادي من صرامة الآباء، أما من الناحية السلبية فإنها تدلع الأولاد· أتذكر بعض المواقف: مرة جاءني ضيف وقدمت له الشاي وبعد أن راح زعلت مني كيف أتركه يروح بدون عشاء، ويقول أحمد ''يا ريت نستغني عن الخدمات ونعيش مع أهلنا مع الجدود والجدات يكون أسلم لأجيالنا''· ولكن لا بد أن لكل إنسان أخطاء وحسنات، ولنتعرف على ما تقوله الأستاذة رفيعة: جدتي من ناحية أمي، تقريباً العلاقات رسمية بيننا ولكن أحن إليها وأحبها كثيراً· أما لماذا العلاقات كذلك، فأنا أشعر أنها تفرق ما بين أحفادها، بين الأبناء والبنات· ؟ سألتها هل السبب برأيك هو الحالة المادية؟ قالت: ممكن، وأظن أن هذا السبب يعود إلى أن بعض الجدات يعتبرن أن الأحفاد من الولد أقرب لهن من أحفادهن من البنت، ويمكن أن يكون ذلك الشعور الموروث عن حب الولد أكثر من البنت، ولكن أنا أنظر لها أنها جدة مثالية، فهي تقوم على تربية أولاد خالي وتعلمهم اللغة وحب التراث، وكذلك أقدر شعورها من ناحية الاهتمام بأولاد الولد أكثر من أولاد البنت، لأن هذا تراثنا دائما مع الذكر وليس مع البنت· ؟ هل حصل وسألتها أنت أو أمك عن ذلك التفريق؟ لا لم نسألها ونعتبر أن ذلك حقها، وتضيف السيدة رفيعة إن الجدة عالم جميل بالنسبة للأحفاد· تصوري أنني لا أعرف جدتي أم أبي، ولكن يقولون إنها كانت طيبة جداً، ودائماً يخطر في بالي لو أعرف عنها أكثر، ولكن لا توجد لها صور، ولكني أشعر كأنني أعرفها، وهذا شيء بداخلي أتصوره كلما جلست مع أبي وعمتي التي تحدثني عنها وعن صفاتها· وتتحدث سميرة يونس أيضاً من الإمارات فتقول: جدتي ''حبابة'' وجودها جداً مهم في البيت وله دور أساسي في تربية الأولاد، تهتم بنظافتهم وأمورهم، نحن لا نستغنى عن الجدة، دائماً في بالمناسبات والأعياد تأتي العائلات إلى بيت العائلة، وليس دورها فقط في التربية، بل يمكن أن تراقب الخدم، مثلا: هل يستأمنون في معاملته للأولاد وتدريبهم كيف يندمجون معهم، وكذلك أول ما تأتي الشغالة نأخذها إلى أمي لتعلمها وتدربها على عاداتنا وفي لبسها تكون محتشمة وكيف يمكن أن تتصرف بين العائلة، وهناك بعض الجدات يتابعون أحفادهن الأولاد ويقمن بتدريسهم· وتضيف سميرة أن الأهم من ذلك كله أحياناً يحصل خلاف في بعض المواقف، فتضرب لنا الأمثال من حياتها وإن أي خلاف يجب أن يحل بالحكمة والروية· لكن الهاجري لها رأي آخر: ليس الكل يمتلكون هذه الحكمة والتعقل، أحياناً يكون في تصرفها شيء من الأنانية وتريد طلباتها ولو فوق كل الاعتبارات، حتى ولو كان الوضع المادي لا يسمح بذلك، فتكون بذلك سببا في إرهاق البيت· وأحيانا تتدخل في كل شيء ويكون دورها سلبيا، وهناك من الجدات من يميزن أولاد الولد عن أولاد البنت، مما يؤدي إلى حساسيات بين الإخوة، ومع كل هذا فإن وجودها ضروري في بيت العائلة، وتمثل ''بركة في البيت''· وتبقى الفضيلة للأفضل وهي الجدة، الحبابة، أمي الكبيرة، الحبوبة، لنرى ما تقول في محبة أحفادها حيث تسرد لنا أم سعيد جانباً من حكايتها: عندي أربعة أولاد لابني، وثلاثة لابنتي، وكلهم يأتون إلى البيت، أسير معهم إلى الطبيعة، وإلى البحر وأحدثهم عن جدهم أبي وعن تراثنا وشيوخنا، وأعلمهم أن الله يحب المجد والصادق والذي يعامل الناس بالطيب والأخلاق، وفي البيت أعمل لهم اللقيمات والمحلا والعصيدة والبلاليط، أحبهم كلهم، لا أقول لواحد منهم رفيقي بعدين يزعل الثاني، كما أحب أولاد اخواني مثلهم وإذا أرادوا أي شيء أشتريه لهم· وتضيف أم سعيد: أنا جدتي أم أمي هي التي ربتني وكانت بدل أمي· ولكن أم علي تنفي مقولة ''أغلى من الولد إلا ولد الولد''، وتقول إن محبة الولد من محبة أبيه، أنا لا أحب مثل ولدي، وإن محبة الأهل كلها واحدة حتى الجيران أحبهم مثل أهلي، وتضيف: المحبة نعمة من الله وهي سر الحياة، يلزم علينا أن نحب بعضنا، الله يقرب ما بيننا على الخير، وإن أغنيتها للأولاد عند النوم: لا إله إلا الله محمد رسول الله، هذه الهدهدة تريح الطفل فيهدأ وينام·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©