الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسس رواية «الكوميك» الصحفية وأضاف للأدب الأميركي بعداً سياسياً معاصراً

أسس رواية «الكوميك» الصحفية وأضاف للأدب الأميركي بعداً سياسياً معاصراً
27 يناير 2010 21:09
تذكر جوي ساكو (49 عاماً) أنه عندما كان صغيراً، اعتاد أن يسمع في الأخبار عن الفلسطينيين مقرونين بعمليات خطف الطائرات والتفجيرات، ولطالما ربطتهم وسائل الإعلام وتصريحات السياسيين بالإرهاب. وعندما كبر وعمل في الصحافة، بدأ يبحث عن جذور المشكلة بنفسه، واكتشف أن مأساة الفلسطينيين مضغوطة إلى حدود هوامش النصوص، أي في أسفلها وبالحرف الصغير، حيث تتم الإشارة أحياناً إلى عدد الضحايا وتواريخ المذابح. وهذا ما حصل في مذبحة خان يونس عام 1956 على أيدي القوات الإسرئيلية. قرر ساكو أن يعيد الهامش إلى الواجهة، فزار غزة والتقى بمن لا يزال يذكر الحادثة، وأصدر كتابه الأخير “هوامش في غزة”، الذي لفت نظر مراجعي الكتب في الصحافة الغربية، لاستمرار تأسيس كاتبه لنوع جديد من الرواية/ الصحافة الكوميكية بمضمون سياسي جاد. ينتهج جوي ساكو في كتابته أسلوب الكرتون، أو ما يعرف بالكوميك، أو الكتابة الجرافيكية. يروي ويرسم تفاصيل الكتب بنفسه، إنها خليط ما بين فن الريبورتاج الصحفي والعمل الروائي. يقدم نفسه كشخصية أساسية في كتبه، يرسم نفسه مراسلاً صحفياً بنظارتين كبيرتين وشفاه ضخمة يحمل مسجلاً ودفتر ملاحظات وقلماً، وأحياناً يرتدي قبعة. في كتبه السابقة، مثل كتابه عن الحرب في البوسنة، توثيق لتغطيته تفاصيلها. كذلك كتابه الأشهر “فلسطين”، الذي قدم له الأكاديمي الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد، وأشار في كلمته إلى نباهة ساكو في تناول قضية ذات حساسية اجتماعية وسياسية. نشرت الكتاب في حينها دار (فانتا غرلفيك)، بعد أن كانت نشرت له التحقيق مسلسلاً على أجزاء، بدءاً من عام 1993. وحصل الكتاب الذي يجمع كل تلك الأجزاء معاً، على جائزة الكتاب الأميركي عام 2001 لأفضل كتاب كوميك أصيل. وكان في حيثيات الجائزة، أنها منحت لكتاب (فلسطين)، لمساهمة المؤلف في الإضافة إلى الأدب الأميركي بتقنية كتابة جديدة. كذلك كوفئت دار النشر، لجرأتها في اتخاذ قرار نشر كتاب عالي المستوى، رغم المخاطر التي قد تحيط بتوزيعه، لكونه يعد نوعاً جديداً من الكتابة، هذا إضافة إلى مضمونه الجاد. وقد وصفت صحيفة “نيويورك تايمز” جهد جوي ساكو، آنذاك، بالتفرد، إذ “لم تكن هناك سابقة يسير على خطاها”، وبالتالي فهو يؤسس لهذا النوع من الكتابة الأدبية. قبل أن يبدأ ساكو بنشر سلسلة حكايات عن فلسطين، زار الضفة الغربية وغزة، وقضى هناك قرابة الشهرين ما بين 1991 ـ 1992، جمع خلالها شهادات من مائة شخصية تقريباً، فلسطينية ويهودية، ليحكي عن مأساة فلسطين والفلسطينيين التي تعود للعام 1948، ومرّ خلالها على الانتفاضتين الشعبيتين في الثمانينات وأوائل التسعينات. كان تكريم الكتاب ومؤلفه، أول اعتراف من نوعه بأهمية هذا النوع من الكتب، خاصة أن كتابه معنيّ بقضية سياسية مع أبعادها التاريخية. ويعدّ ساكو الآن من أبرز من يمارس الكتابة الجرافيكية، المعروفة بالكوميك. ومنذ فوز كتاب “فلسطين” ذاعت شهرته في العالم، وذلك بفضل عمق البحث الذي أجراه قبل تأليف العمل. أصول الهوامش في حوار معه نشر على إحدى مدونات “الإنترنت” المعنونة باسم “نادي كتاب الكلمة الأخيرة”، سئل ساكو بمناسبة صدور كتاب “هوامش في غزة”، عن سبب تركيزه على القضية الفلسطينية للمرة الثانية، وهناك عشرات القضايا في العالم التي تحتاج إلى النبش والاستقصاء؟ قال: إن المشروع بدأ بفكرة سفره هو والصحفي كريس هيدجز في مهمة لمجلة “هاربر”. “كانت الفكرة أن نذهب إلى مدينة واحدة ونركز على تاريخها. وقد اقترحت خان يونس في غزة. كنت منزعجاً من متتاليات الأحداث في المنطقة، وشعرت برغبة جديدة في الكتابة عنها. تذكرت شيئاً بعيداً في الجزء الخلفي من عقلي، قرأته يوماً في كتاب نعوم تشومسكي المعنون “المثلث المهلك”، وكانت تلك الجزيئية الباهتة في ذاكرتي، عن حادثة وقعت أثناء أزمة السويس عام 1956، قتل خلالها عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين على أيدي قوات الجيش الإسرائيلي”. لم يجد ساكو شيئاً يذكر مكتوباً بـ”الإنجليزية” عن تلك الوقائع باستثناء الإشارة في كتاب تشومسكي، رغم أن تقديرات الأمم المتحدة في ذلك الوقت، أشارت إلى أن عدد القتلى بلغ نحو 400، منهم 275 قتيلاً في خان يونس في الثالث من نوفمبر، و111 في رفح القريبة في 12 من الشهر نفسه. لقد وردت المعلومات في هامش قرارات للأمم المتحدة، كأنها لم تكن تعني أحداً، ليلقي الضوء عليها بقوة. وفي محاولة لاكتشاف حقيقة ما يصفه بأنه “هامش التاريخ”، سافر ساكو مرتين إلى غزة، لسؤال شهود الوقائع ممن كانوا قريبين من موقع الحادثتين. واستفاد من تلك المادة ليترجمها على شكل ريبورتاج صحفي روائي. تتنقل الرواية خلال 387 صفحة، بين زيارات ساكو إلى غزة في الفترة بين نوفمبر 2002 ومارس 2003، والأحداث التي وقعت عام 1956 ويضعها في سياق أزمة السويس. وقد نفذ سرده الصحفي برسوم تفصيلية بالأبيض والأسود، بحس ساخر وفاضح للتاريخ. يعتقد ساكو، أن سبب تركيزه على الماضي ـ رداً على تكرار توجيه السؤال له، حتى من قبل الفلسطينيين الذي يطلبون منه أن يركز على ما يحدث لهم في الحاضر ـ هو أن ما يحدث اليوم، مرتبط بذلك التاريخ، ولا يمكن عزله عنه. وهو يؤكد ضرورة إعادة قراءة ذلك الماضي، كي نتمكن من فهم ما يحدث في فلسطين وغزة. إثراء الكتابة الصحفية إذا كانت لجنة جائزة الكتاب الأميركي للعام 2001، نوهت بالإضافة التي قدمها ساكو بالأدب الأميركي بشكل عام، فإنه يجدر أن ننبه إلى إضافته للمنجز الصحفي، إذ يعد جوي ساكو الآن، من رواد الصحافة الكوميكية في العالم، أي التي تنفذ استقصاءاتها الصحفية بطريقة الرسم التفصيلي المصور. في الحقيقة أن ما يفعله، هو مزيج ما بين الصحافة والرواية والرسم الكرتوني، وهذا يعني أنه يمكن الاعتماد على هذه الطريقة الشعبية، لتوصيل القضايا الكبيرة للأفراد بصورة مبسطة وشاملة في الوقت نفسه. ويكفي أن نعرف أن كتابه “فلسطين”، باع ما يقارب 300 ألف نسخة في بريطانيا وحدها. وليست لدينا أرقام كافية بعد عن مبيعات كتاب “هوامش في غزة”، الذي صدر قبل شهور. ينحدر جوي ساكو أساساً من أصول مالطية، عاش طفولته في أستراليا، حتى انتقلت العائلة إلى الولايات المتحدة، حيث حصل على شهادة جامعية في الصحافة عام 1981، وهو يقيم حالياً في نيويورك. والسؤال الفضولي الذي يطرح نفسه الآن، بم يفكر ساكو بعد صدور كتابه الأخير؟ هل سيكتب عن قضية سياسية أخرى، أو يبحث في ثنايا حرب ما في العالم؟ تشير تصريحاته الأخيرة إلى أن مشروعه المقبل، هو عن المهاجرين الأفارقة الذين يحاولون دخول أوروبا. ويعتزم بعدها أخذ فترة راحة من العمل كمراسل صحفي، لفترة من الزمن، من أجل أن يفعل شيئاً آخر، مثل التركيز على الأدب القصصي. لننتظر إذن مفاجآت هذا الكاتب، الذي قالت عنه مجلة “الايكونومست” قبل سنوات، إنه “مقدّر له أن يفوز مرتين”!. فهل يفوز كتابه “هوامش في غزة” بجائزة الكتاب الأميركي لهذا العام أيضاً؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©