الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كارثة هايتي: المهاجرون وإعادة البناء

15 يناير 2011 21:00
مارجوري فالبران محلل سياسي أميركي من الصعب عليّ أن صدق، أن عاماً قد انقضى على وقوع الزلزال الذي دمر هايتي. والأصعب من ذلك أن أُعِدَّ نفسي لإحياء ذكرى تلك الكارثة المروعة، واستعيد الصور التي تُمزق نياط القلوب، وتستدعي كافة تفاصيل الكارثة. قد يقول قائل إنه من غير المنطقي أن أشعر بكل ذلك الكم من الحزن والأسى لمجرد متابعتي تفاصيل المأساة عبر شاشات التلفزة... لكن الحقيقة هي أن تاريخ الثاني عشر من يناير، الذي وقع فيه الزلزال، بات بالنسبة لنا نحن الأميركيين من أصل هايتي، وصمة على الجبين لا تنمحي، وشرخ في النفسية لا يلتئم. وذلك الشرخ عبارة عن مزيج من الشعور بالحزن والذنب معاً، ذنب يحس به الناجون من كارثة إزاء ضحايا تلك الكارثة. والحقيقة أن ما حدث، يفرض علينا دائماً تذكر الحقيقة المؤكدة، وهي أنه لولا عناية الله، وطموح أجدادنا المهاجرين، والحظ المواتي، لما تمكنا من الهجرة والاستقرار في الولايات المتحدة، ولكان مصيرنا الموت تحت الأنقاض مثل المئتين وخمسين ألفاً الذين قضوا في ذلك الزلزال المدمر، أو على أقل تقدير أن نصبح مثل المليون هايتي الذين تُركوا من دون مأوى، أو مثل عشرات الآلاف الذين تشوهوا جسدياً ونفسياً. لقد كان والدي، "اوسترل فالبرون"، أحد هؤلاء مَن قدرت لهم النجاة من الزلزال الذي يطلق عليه العامة اسماً يثير شعوراً بالرعب الخفي هو "جودو -جودو". لقد شاهد الناس والجيران، وهم يموتون أمام عينيه، ومن بينهم طفلة رضيعة عمرها عام واحد كانت تعيش مع عائلتها في المنزل المقابل عبر الشارع. ورغم المأساة، فإن مسؤولي المساحة في "بورت أوبرنس"، ارتأوا بعد الزلازل، أن بيته الجميل الذي آوى الكثيرين عقب الكارثـة، لم يعد صالحـاً للسكن وبالتالي يجـب هدمـه.لقد رأيته كثيراً وهـو يغالـب دموعـه بعد أن تم نقله بواسطة الصليب الأحمر إلى فلوريدا التي يمتلك بيتاً فيها حيث كان مهاجراً، وحاولت مواساته، لكني لم أنجح كثيراً. لقد حاولت أن أفهم السبب الذي جعلني أشعر بذلك الإحساس الفظيع بالفقد والخسارة، خصوصاً وأنني لم أعش في هايتي على مدى الأربعين عاماً الأخيرة، بل لم أزرها خلال عشر سنوات الأخيرة سوى مرة واحدة يتيمة. لكن كان لديّ خلال سنوات الغربة، شعور راسخ بأن هايتي وعاصمتها الجميلة التي ولدت فيها سوف تكون دوماً هناك: قائمة ومستعدة لاحتضاني متى ما فكرت في العودة إليها. لم يعد ذلك متاحاً اليوم حيث تحولت "بورت أوبرنس" إلى أطلال تنعي من بناها، وإلى معسكرات تتكون من أكواخ الصفيح والكرتون والخشب، يعيش فيها هايتيون بؤساء تحكي عيونهم قصة المأساة. وفي عيد الشكر، لم يتمكن والدي من الاحتفال، ورفض تناول لحم الديك الرومي الذي يتم تناوله كجزء من طقوس هذا الاحتفال، حيث لم يقبل ضميره أن يستمتع بالأكل اللذيذ بينما لا يجد إخوانه في هايتي ما يسد رمقهم. لكن كيف كان شعوري وأنا وأبناء جيلي من الأميركيين المنحدرين من أصل هايتي إزاء الكارثة؟ بالنسبة لي، استطيع القول إنني أحاول حالياً التعامل مع ذلك التأثير الطويل الأمد أو الشرخ الذي استقر في نفسيتي. ودائما ما كنت أسأل نفسي: هل في مقدوري منح جزء من المساحة الخالية في قلبي، أو الغرفة الزائدة في بيتي في أميركا لطفل هايتيّ يتيم؟ وهل يتعين عليّ أن أعود لهايتي وأمكث بها مدة شهر أو شهرين وأتطوع للعمل في مدرسة، أو مستشفى، أو دار أيتام، أو دار عبادة؟ هل أستطيع أن أحقق فارقاً ولو صغيراً في مواجهة التحديات الهائلة والحاجات الملحة؟ وكانت الإجابة التي ترد على ذهني دوماً: نعم أستطيع، أو نعم نستطيع فعل شيء ما. إن أبي، مثله مثل آلاف الآباء الهايتيين الذين هاجروا سعياً لبناء حياة أفضل لأبنائهم في المهجر، ثم أدوا الرسالة وعادوا إلى موطنهم ليعيشوا فيه ما تبقى لهم من عمر. لقد منح عائلتا هدية لا تقدر بثمن: أتاح لنا حياة من الفرص المفتوحة في أميركا لم تكن لتتاح لنا في هايتي. لكنه مع ذلك كان حريصاً على أن نتمسك بتاريخنا، معتزين بوطننا، من خلال الارتباط بذكرياتنا فيه قبل أن نغادره إلى المهجر. وهذا ما جعلني أحب بلادي، رغم أنني غادرتها منذ عشرات السنين، ولا أزورها إلا نادراً لأن أبي علمنا ذلك. في نهاية هذا الشهر، سوف يغادر والدي عائداً إلى هايتي مرة أخرى كي يقيم الأضرار التي حدثت، وليقرر ما الذي سيفعله بمنزله الذي طالته يد الهدم الحكومي. وقد قررت أن أصاحبه عند العودة لأساعده في عملية التقييم وأُنجزُ تقييمي الخاص للأمور هناك وما الذي سيتعين عليّ عمله. لقد أصبح والدي في الثالثة والثمانين من عمره، وآن له أن يستريح بعد أن أدى الكثير ومعه الأجيال الرائعة من الآباء والأمهات الهايتيين المهاجرين. علينا نحن جيل الأبناء أن نحمل الراية من بعدهم، ونحاول اقتفاء آثارهم، وننجز دورنا على الوجه الأكمل، كما فعلوا هم، كي نساعد هايتي على الخروج من براثن المحنة الطاحنة، والوقوف على قدميها مجدداً. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©