الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحركة الطلابية الفنزويلية··· بعيداً عن غبار الاشتراكيين

الحركة الطلابية الفنزويلية··· بعيداً عن غبار الاشتراكيين
1 يناير 2008 01:17
إذا كان حلم الرئيس ''هوجو شافيز'' هو تحويل فنزويلا إلى كوبا أخرى غنية بالنفط، فإن الفنزويليين الذين يعارضونه اكتشفوا ترياقاً مضاداً لأحلامه الأكثر شططاً والمتمثلة في الحركة الطلابية· وقد تأكد لي ذلك على نحو واضح أثناء الاستفتاء الذي نظم في الشهر الماضي لتغيير دستور البلاد، عندما تعرفت عن قرب على النشطاء من الطلبة الذين قاوموا هذه الخطوة ووقفوا ضدها· وأكثر ما أدهشني فعلا ليست فقط الفعالية التي تحركت بها حركة الطلاب في فنزويلا، بل اختلافها الواضح عن كل التجارب الطلابية السابقة التي شهدتها المنطقة· فاللافت حقاً أن الفنزويليين هذه المرة لا يناضلون من أجل ثورة اشتراكية، بل يتمسكون بالديمقراطية الليبرالية، وبدلا من الركون إلى الأيديولوجيات الجامدة للقرن العشرين، أو المبادئ الرومانسية التي انتعشت في القرن التاسع عشر، اعتنق الفنزويليون النزعة الإنسانية للقرن الثامن عشر· وتعبيرا عن هذا التوجه قال ''يان جوشينشا'' -طالب في القانون بجامعة ''أندري بيلو'' الكاثوليكية، وأحد نشطاء السياسيين-: ''إن صراعنا اليوم ينطوي على أبعاد تاريخية''· وكما وضح ذلك ''جوشينشا'' في معرض كلامه عن الحركة الطلابية بالقول: ''إننا على غرار ''مارتن لوثر كينج'' لا نحارب الإنسان، بل نسعى إلى إقرار الحقوق المدنية لكل فرد في فنزويلا''· ومع أن الطلبة، شأنهم شأن الراديكاليين من قبلهم، يبدون اهتماماً كبيراً بالفقراء، إلا أنهم أيضا يضعون خططاً ملموسة لتطوير بلادهم، كما يجسدون الأمل في تحقيق المصالحة بين فئات المجتمع الفنزويلي المنقسم على ذاته· ويُذكر أن الحركات الطلابية كانت على الدوام عاملا حاسماً في رسم سياسات أميركا اللاتينية، حيث يرجع تاريخ أول حركة طلابية إلى 1918 عندما انتفض الطلبة في الأرجنتين ضد قانون الإصلاح الجامعي· وفي 1921 تم عقد مؤتمر دولي للطلبة في المكسيك الذي كان من أهدافه الأولى حشد الرفض الشعبي ضد ديكتاتور فنزويلا ''فيسانتي جوميز''؛ ومع أن الطلبة فشلوا في الإطاحة بالديكتاتور عام ،1928 إلا أنهم شكلوا النواة الأولى لميثاق ديمقراطي جديد يبدو أنه يُغضب ''شافيز'' خلال هذه الأيام· وخلال انطلاقتها الأولى في أميركا اللاتينية لم تستطع الحركات الطلابية مقاومة إغراء الثورة الروسية التي حققت نجاحاً باهراً في بداية القرن العشرين؛ ووجد الطلبة أنفسهم يتماهون مع ''شاكا يوجليف''، الشخصية المثالية الشهيرة في رواية ''ليونيد أندرييف'' الذي ضحى بحياته في سبيل الحرية؛ وما أن تقلد رموز الطلبة القدامى السلطة حتى انصرفوا عن الديمقراطية وجنحوا أكثر نحو نموذج ''لينين''· وبالطبع تحققت الفكرة على نحو باهر في ثورة ''فيدل كاسترو'' بكوبا لتتحول فيما بعد إلى نموذج ألهب مشاعر الطلبة وسعوا إلى تكراره في بلدانهم· واللافت أن الطلبة وليس العمال، أو المزارعون هم من اقتدوا ''بكاسترو''، بل وأغرموا أكثر بالسحر الذي مارسه ''تشي جيفارا'' على عقولهم· هذا التيار الراديكالي الذي تبنته الحركة الطلابية في أميركا اللاتينية مع ما صاحبه ذلك من تنامٍ طبيعي للمشاعر المعادية لأميركا تصاعد على نحو أكبر بعد الانقلاب العسكري لعام 1973 ضد ''سلفادور أليندي'' في تشيلي· وبالطبع كانت النتيجة كارثية، حيث تمت التضحية بعشرات الآلاف من الشباب الماركسي وغير الماركسي في الأرجنتين وتشيلي من قبل النظم العسكرية؛ لكن وسط الكارثة بدأت عملية النضوج السياسي تزحف على الحركات الطلابية والنشطاء السياسيين، حيث ستنقسم أميركا اللاتينية بدءاً من ثمانينيات القرن المنصرم بين الاتجاه الثوري واتجاه تغيير النظام من الداخل؛ وهكذا بدأ يدرك بعض النشطاء في المكسيك، من رواد سنوات الستينيات، فضائل الديمقراطية الليبرالية، ولأول مرة اقترحوا بديلا آخر عن ''الحزب المؤسساتي الثوري''· وقد ساعدت أيضا رياح التغيير التي بدأت تهب من أوروبا الشرقية، لتتم الإطاحة في نهاية التسعينيات بمعظم النظم الديكتاتورية في أميركا اللاتينية، ليس من على ظهور الدبابات كما كان سائداً في السابق، بل من خلال صناديق الاقتراع والانتخابات؛ والأمر نفسه حصل بالنسبة للحركة ''الساندينيستا'' اليسارية في نيكاراجوا، حيث فقدت الميليشيات المقاتلة تلك الهالة المثالية التي كانت تحيط بها· ويبدو أن أميركا اللاتينية هي المنطقة الوحيدة التي يكرر فيها التاريخ نفسه؛ فقد تحولت الحركة الطلابية في فنزويلا إلى خطر حقيقي بعد أن نفضت عن نفسها الغبار وبرزت على الساحة السياسية· ولم يكن الأمر يتعلق بالمستقبل المهني لهؤلاء الطلبة الذين انتفضوا ضد مشروع ''شافيز'' الرامي إلى تغيير الدستور، بقدر ما كان مرتبطاً بمستقبل الديمقراطية في البلاد· وحسب بعض التقديرات فقد انخرط ما لا يقل عن 120 ألف طالب فنزويلي في النشاط السياسي، منذ شهر مايو الماضي عندما أغلقت الحكومة أقدم محطة تلفزيونية في البلاد، في خطوة تهدف إلى تأميم شامل لوسائل الإعلام الخاصة· وجاءت بعد ذلك محاولة ''شافيز'' لمنح نفسه سلطات شبه مطلقة عبر تنظيم استفتاء في شهر ديسمبر الماضي، واجهها الطلبة بحملة مكثفة من الورش التثقيفية والاجتماعات والمسيرات الاحتجاجية، فضلا عن توزيع المنشورات بهدف إقناع الفنزويليين بالتصويت لغير صالح الدستور· ورغم محاولات ''شافيز'' للنيل من مصداقية الطلبة وتحقيرهم عبر وصفهم بـ''أتباع الإمبريالية''، إلا أن ذلك لم يجد نفعاً بالنظر إلى الأصول الشعبية والمتوسطة التي ينحدر منها الطلبة؛ وهو ما يفسر عدم انسياق الفئات الفقيرة في فنزويلا وراء زعيمها المحبوب هذه المرة، مفضلين الاصطفاف وراء الطلبة إما بالتصويت ضد ''شافيز''، أو بالبقاء في منازلهم· كاتب وصحفي مكسيكي متخصص في شؤون أميركا اللاتينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©