الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبدالله حميد: قديمنا يمنح الحديث نكهة مغايرة

عبدالله حميد: قديمنا يمنح الحديث نكهة مغايرة
17 يناير 2012
في السيرة المهنية للفنان الإماراتي عبدالله حميد ما يشير إلى كونه مخضرماً، لا ينتمي الرجل من حيث فئته العمرية إلى جيل الفنانين الشباب، لكنه لا يعود بالمقابل إلى زمن غابر، لنقل إنه أحد أولئك الذين رفضوا أن يتركوا الزمن يملي عليهم خياراتهم، أو أن يعلنوا الخضوع لمقتضيات اللحظة، هذا التمرد الذي يبديه في سلوكه يعزز استقراراً راسخاً لبقائه على قيد الشباب، فلطالما كان تخطي المعايير السائدة سمة شبابية بامتياز. يبدي حميد شيئاً من العتب المحبب على نسق فني مهيمن لا يراعي حقبات ماضية شكلت جزءاً حيوياً من التاريخ الفني، يحيره ذلك التغاضي المجحف عن أصوات شجية كانت لها بصماتها الواضحة في دنيا الطرب والغناء، يتذكر زملاء له من أصحاب المواهب الحقيقية كيف أصابهم الإحباط ودفعهم للتخلي عن أحلامهم الفنية، يتحدث عن خالد محمد، وإبراهيم الماس، وسالم عثمان، وغيرهم من رفاق الدرب الطويل، يصنفهم كعلامات على جيل فني منسي حكم عليه بالتلاشي والانحسار، ويستغرب كيف أن بلداناً كثيرة تحتضن فنانيها حتى عندما يبلغ العمر بهم عتياً، يشير إلى السيدة فيروز التي لا تزال تقيم الحفلات، وتحظى بحضور قياسي في حفلاتها، بالرغم من تقدمها في السن، كذلك الأمر بالنسبة إلى الفنان وديع الصافي وسواهما كثير، فما معنى، يتساءل حميد، أن يتم التغاضي عن أبناء جيلنا، ونحن لا زلنا في مرحلة نستطيع عبرها العطاء والإجادة، بل يسعنا الزعم، ومن دون مبالغة، أننا يمكننا أن نشكل إضافة ذات شأن إلى اللوحة الفنية المعاصرة، يسعنا الجزم، يتابع حميد بثقة، أن قديمنا يمنح الجديد نكهة متفردة قد لا يسعه إدراكها من دوننا. بداية مبشرة في العام 1983 أطلق عبد الله حميد أغنيته الأولى، كانت بعنوان «كفاني»، أغنية عاطفية راقية وضع كلماتها الشاعر سالم أبوجمهور، ولحنها الفنان عيد الفرج، لا يزال يتذكر بشغف كيف سجلها في إذاعة أبوظبي، كانت الإذاعة يومها تأخذ على عاتقها مهمة تسجيل الأغاني التي ترى فيها قابلية للرواج، التسجيل آنذاك كان يتم بوجود الفرقة الموسيقية، حيث من شأن أي خطأ أن يدفع لإعادة العملية برمتها، قسراً يرى محدثنا نفسه ملزماً بإجراء مقارنة بين الأمس واليوم، التقنيات صارت أكثر تطوراً، لكن الحصول على أغنية بات بمنتهى الصعوبة، فأين الخلل يا ترى؟! الأغنية أخذت حقها من الرواج والشهرة ليس على مستوى الإمارات فحسب بل في دول الخليج قاطبة، ألحقها بعد فترة بأغنية ثانية بعنوان «يا فتوني»، للشاعر أبوجمهور أيضاً، أما اللحن فقد وضعه حميد نفسه، وكان قد امتلك الخبرة والمراس بما يجعله مؤهلاً للتلحين، خاصة أنه تلقى بعض التعليم الموسيقي غير النظامي في مصر.. وقد وضع لاحقاً ألحان معظم أغانيه، كما منح ألحاناً للعديد من الفنانين بينهم للمطربة العمانية آسيا، وللمطرب القطري فرج عبد الكريم، وللفنان الإماراتي أحمد الخميري، وهو الآن بصدد إعطاء لحن للفنان اللبناني خالد العبدالله.. يقول ذلك بقدر محسوب من الاعتداد بالنفس، لكنه يشير مستدركاً إلى أنه لا يمانع في أخذ ألحان من فنانين آخرين إذا وجد لديهم ما يلائمه. هواية وليس احترافاً لأنه يؤمن بأن الفن هواية في البدء والخاتمة، لم يشأ حميد احتراف الفن، هو عمل موظفاً في رئاسة القسم الموسيقي في وزارة الثقافة، ليكتشف لاحقاً صعوبة التوفيق بين الوظيفة وبين العمل الفني، خاصة عندما اضطر للتوقف عن ممارسة الغناء لظروف عائلية ومهنية طيلة عقد من السنين امتدت بين العامين 2000 و2009، لكن عزيمته وثقته بقدراته الفنية شجعته على العودة مجدداً إلى المضمار الفني بعد تقاعده من الوظيفة، مدركاً أن لديه ما يقدمه في سياقه، وعن هذه الحيثية يقول الحميد: أعرف أنني تخلفت عن الركب، وأن الذاكرة الفنية قصيرة المدى، وهي لا تختزن الكثير، كما أدرك أن الزمن الحالي هو غيره بالأمس، وأن هناك وجوهاً وأصواتاً تأخذ فرصتها راهناً، لكنني مع ذلك مؤمن بوجود مكان لي، ومصر على أن أشغله. تأسيساً على هذا الإصرار الذي لا يمكن تجاوز مدلولاته عاود عبد الله حميد الدخول مجدداً إلى الساحة الفنية، فعل ذلك من موقع المواءمة بين تاريخه الفني وبين الواقع المستجد، لم يبد التزاماً متشدداً بالنمط الذي كان سائداً في زمنه، ذلك أنه يدرك جيداً أن الأيام تتغير، وأن الذائقة تماشيها في عملية التغير، لكنه بالمقابل لم يتنكر لإرثه الفني ويحاول الانخراط الكلي في النمط الرائج راهناً من الفن، هو كان يدرك خصوصية موقعه، وبدلاً من أن يتعامل مع تلك الخصوصية باعتبارها مشكلة يجدر بها تخطيها، آثر تحويلها ميزة يمكنها استثمارها، هذا ما كان يفعله عندما سجل أغنية جديدة من كلمات الشاعر عمران الحلاني، حملت عنوان «حبيبتي الشمس»، وهي عبارة عن مقطوعة غزلية في حب الوطن والمعشوقة في آن.. إضافة إلى أغنية «عندي حبيبة»، وقد صورت بطريقة الفيديو كليب في دبي، وتوزعت على محطات التلفزة، وأخذت حقها من الشهرة والرواج. ذلك أن الفن الحقيقي، يقول عبدالله، لا بد له أن يفرض نفسه بغض النظر عن الظروف والتحولات. الأغنية موضة لا يبدو عبدالله حميد قلقاً بشأن تقبل الجمهور المعاصر لأغانيه، بل هو يسعى إلى التنويع مستفيداً من هامش القدرة المتاح بفعل براعة الصوت وتمايز التجربة، وآخر إنجازاته، أو لنقل مفاجآته على هذا الصعيد، أغنية باللهجة اللبنانية بعنوان: «بيروت» يقول مطلعها: «يا بيروت اشهدي فيكي أنا حبيت».. وقد كتب كلماتها الشاعر الإماراتي محمد القبيسي، في أول تجربة شعرية باللهجة اللبنانية، كما أن تجربة الغناء بتلك اللهجة هي الأولى للحميد الذي انتهى لتوه من تسجيل الأغنية في إحدى الاستوديوهات اللبنانية، وسيعمد إلى تصويرها بطريقة الفيديو كليب قريباً، وسيكون التصوير في بيروت أيضاً.. إسناداً إلى تجربته المخضرمة يقول حميد: أدرك أن تواجد الفنان في أذهان جمهوره مسألة رئيسية وحاسمة في ترسيخ حضوره الفني، وأدرك كذلك أن الأغنية تشبه الموضة بشكل أو بآخر، وأن المطلوب تقديم ما يستسيغه جمهور اليوم الذي يمتلك ذائقة فنية خاصة به، وهذا من حقه، لذلك فأنا أتقبل التصنيفات الحديثة في عالم الفن، لكنني بالمقابل أعمل على أن تندرج في سياقها الطبيعي، وأن لا تكون على حساب الإبداع الحقيقي، فالأصالة عامل حاسم في تحديد الهوية الفنية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون الهبوط والإسفاف نوعاً من وجهة النظر. الفن الإماراتي يقول عبدالله حميد حول تقييمه لواقع الفن الإماراتي: أرى أن الفن الإماراتي يسود ساحة الغناء الخليجي راهناً، ويفرض وجوده على مساحات أخرى من الوطن العربي، الفنان حسين الجسمي قامة فنية شامخة يحق للإمارات أن تفاخر به، وغيره كثيرون، كذلك نلاحظ أن العديد من كبار الفنانين الخليجيين، أمثال محمد عبده وعبدالمجيد عبدالله وعبدالله الرويشد ونبيل شعيل، يغنون الأغاني الإماراتية، كل ذلك من شأنه أن يتيح الاطمئنان إلى واقع الفن الإماراتي، وإلى مستقبله كذلك، ويجعلنا واثقين من كون الغد يحمل معه الكثير من التباشير المؤنسة.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©