الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التعافي من فُقدان عزيز يقتضي تقبل مشاعر الألم ثم مواجهتها بإيجابية

التعافي من فُقدان عزيز يقتضي تقبل مشاعر الألم ثم مواجهتها بإيجابية
17 يناير 2012
عاجلاً أم آجلاً، كل واحد منا سيشعر بتلك الطعنة الموجعة في القلب المسماة "الحزن" جراء فُقدان حبيب أو قريب، فما يكون له من مهرب منها إلا مواجهتها، فلا الجزع والحزن سيُرجع من فقده، ولا الكرب والفزع سيُهون عليه مصيبته. فمن خطف الموت منه عزيزاً يجد نفسه أمام تحدٍ عاطفي صعب لا يُضاهيه في القوة والبأس أي تحد آخر. وقهْر هذا التحدي لا يكون عبر عزل النفس والزهد في الحياة والاتشاح بالسواد، بل من خلال تقبل ألم المصيبة، لكن دون سجن النفس فيها، بل تخطيها لتسريع عملية التعافي والقدرة على مواصلة الحياة. كيف لك أن تستجمع شتات نفسك عندما يُخيم عليها الحزن؟ وكيف تُداوي جروحها وتمضي قُدُماً لإكمال بقية حياتك دون أن يُساورك الشعور بأنك تخون ذاكرة من تحب، أو دون أن يجلدك سوط الضمير عبر إشعارك بأنك كنت أقل وفاءً لذكرى المفقود؟ مشاعر غير متوقعة يقول الدكتور إدوارد كريجان، من القسم الطبي لعلم الأورام بعيادة مايوكلينيك بولاية مينيسوتا الأميركية، إنه يُشاهد كل يوم أشخاصاً مصابين بالسرطان يتصارعون مع الموت بمرارة، وأنه يرى كل يوم أفراد أُسر يستبطئون المصير المحتوم لأقربائهم المصابين بمثل هذه الأمراض المميتة، أسر لا أحد فيها مستعد لذلك الانفجار لعواطف تجتاحهم في تلك اللحظات الأخيرة التي يعتصر فيها الموت قريباً أو حبيباً، فتنجرف مشاعرهم إلى قعر ليس له قرار رغم علمهم المسبق بأن الموت كان المآل الوشيك المنتظر لمن سيبدؤون بتلقي العزاء عنه ومآقيهم لم تجف بعدُ من الدمع المنهمر على الخدود وحتى قبل أن يستعدوا لمواجهة مصابات جليلة كهذه لا يمكن أن تمر دون أن تُخلف نُدوباً نفسيةً وخُدوشاً يتفاوت عمقها حسب درجة استعداد صاحبها، وحسب سجله الماضي في مواجهة الأحزان. ويقول الدكتور إدوارد إنه خرج لممارسة الجري في أحد صباحات فصل الشتاء الباردة قبل حوالي 30 سنةً، وعندما عاد إلى البيت استقبله ابنه الذي لم يكن يتعدى عمره 18 سنةً وهو في حالة انهيار عاطفي سحيق بنبأ صاعق ما زال يُدوي في مسامعه كلما تذكره “أمي ماتت!”. وعلى الرغم من أن الدكتور إدوارد سبق له أن مر بتجربة مماثلة بعد أن تُوفيت والدته في سن مبكرة بعد صراع مع مرض سرطان الثدي، فإن وقْع الخبر عليه كان شديداً وشبيهاً بمن يُمرر على بطنه منشاراً مُسنناً بمنتهى القسوة، ليجد نفسه خائر القوى وهو رب الأسرة! حاول استجماع طاقته المتلاشية حتى لا يتهاوى على الأرض أمام ابنه وبدأ يحث الخطى وكأنه أعمى يتلمس طريقاً ويحتاج من يسنده. وفي الساعات والأيام التي أعقبت هذا المُصاب، أصبح إدوارد يشعر بأن مشاعر الحزن أثقلت وطأها عليه وتحولت من آلام نفسية إلى أوجاع بدنية شلت قدرته وأعجزته عن اتخاذ أي قرارات. إلا أن حاله كان مع ذلك أحسن من حال باقي أفراد أسرته، فجميعهم كانوا غير مستعدين بالمرة لمواجهة مشاعر الارتباك وعدم التنظيم الذي أعقب النبأ. تسريع التعافي ما يزال الدكتور إدوارد يتذكر الحزن الذي سببه له موت أمه، ولا يُخفي أن تلك التجربة فتحت عينيه على واقع عاطفي جديد كان عليه مواجهته. وبالرغم من أنه لا توجد أكاسير سحرية لندوب الحزن وآلام الفراق التي تعتصر قلب الشخص عند فقدان عزيز، فإن الدكتور إدوارد استخلص بعض الدروس وأحالها إلى خطوات تُتيح لمتبعها أن يتعاطى مع فاجعة الفقدان بشكل أسهل وأيسر. وقد أوجز هذه الخطوات في الاقتراحات الآتية: ? الحداد والحزن بإيجابية. فالحزن شعور داخلي بالضياع والكآبة والفراغ. والحداد هو طريقتك الخاصة في التعبير عن مشاعر حزنك. قد تُخطط لارتداء ملابس ذات ألوان سوداء أو داكنة حسب ثقافة بلدك ومجتمعك، كما قد تحرص على أن يبقى شكل مظهرك يحمل في طياته وقاراً ورزانةً، وقد تقضي عضلات قلبك فترة نقاهة بسبب هُجرانك الضحك أو الابتسام. ويبقى الحداد والحزن كلاهما جزأين طبيعيين وضروريين ضمن مراحل التعافي بعد فُقدان عزيز. ? تقبل الشعور بالألم. فإذا لم تُواجه حزنك، لن تهجُرك جروح المُصاب ولن تبرحك ندوب الفراق. ولذلك، فالأصوب والأحكم أن تتقبل أن الشعور الذي يتملكك هو جزء لا يتجزأ من عملية التعاطي مع الحزن، والانتقال من ثم إلى حالة التعافي والتقبُل والتصالُح مع مشاعرك. ? التمس المواساة والدعم من أحبائك. فقضاؤك بعض الوقت وحيداً هو أمر لا بأس به، لكن عزل نفسك وحيداً ليس طريقةً سليمةً ولا صحيةً لمواجهة الحُزن. فلا تتردد في التماس المواساة والدعم النفسي من أصدق صديق أو أقرب قريب أو حتى من مرجع ديني، فأي واحد من هؤلاء يمكنه مساعدتك على مواصلة رحلتك نحو التعافي. واسمحْ لأحبائك وأقربائك بمقاسمتك حُزنك أو على الأقل الوجود بالقرب منك لسماعك حين تتعالى آهاتك. ? تجنب اتخاذ قرارات كبرى لحظة الحزن. فالحزن يحجُب القدرة على اتخاذ القرارات الحكيمة الواعية. ولذلك، يُفضل أن تؤجل اتخاذ أية قرارات من قبيل الانتقال للعيش في مكان آخر أو إيجاد عمل جديد أو القيام بتغييرات مالية كبرى. وإذا كان لا بُد من اتخاذ قرارات فورية، فالتمس التوجيه والنصح من أصدقاء أو أقرباء تثق في حصافة رأيهم وصدقهم. ? اهتم بنفسك. فالحزن يستهلك جُزءاً كبيراً من طاقتك. ورغبتك في الحياة وقدرتك على مواصلة القيام بأعمالك اليومية الروتينية تفتر إلى أقصى حد وتتآكل بسرعة في لحظات الحزن. ولمواجهة ذلك، حاولْ أن تحصل على قسط كاف من النوم وتتناول غذاءً صحياً وتُمارس بعض التمارين الرياضية الخفيفة كل يوم، وحبذا لو تكون تمارين إفراغ الطاقة السلبية واكتساب الطاقة الإيجابية مثل حركات اليوجا والتاي تشي أو ممارسة التنفس بعمق. وإذا حاولت جهدك لكنك لاحظت أن صحتك تتدهور، فسارع إلى زيارة طبيب للتأكد من أن حزنك لم يؤثر كثيراً على صحتك، خُصوصاً إنْ كنت تُعاني مسبقاً من مرض أو مشكلة صحية ما. ? تذكرْ أن الوقت يُساعد على التعافي، لكنه قد لا يُشفي نهائياً. فالوقت بحد ذاته له القدرة على إحالة ذلك الألم النفسي الحاد والحرج الناتج عن فقدان قريب إلى ألم أخف وجعل عواطفك الحارقة أقل إيلاماً. لكن مشاعر الضياع والفراغ التي تنتابك بسبب فُقدان عزيز قد تأبى هُجرانك والابتعاد عن ذهنك وفكرك. وفي هذه الحال، يغدو تقبل هذه الحالة كوضع طبيعي جديد هو ردة الفعل الأفضل باعتبارها ستُساعدك على التصالُح مع مشاعر الفقدان. وعلى الرغم من كل هذا، يبقى فُقدان حبيب أو قريب بإجماع علماء النفس والاجتماع والدين من أكثر الأحداث إيلاماً للقلب والنفس. لكن عزاء الإنسان هو الإيمان بأن هذه هي سنة الله في أرضه، فالشمس تُشرق بعد كل مغيب، والصبح ينبلج بعد كل ليل بهيم، وكل يوم جديد عليك قد يبدو أكثر إشراقاً من سابقه، وأكثر تحفيزاً لك على عيش حياتك بشكل أفضل، حتى إن كنت تعلم في قرارة نفسك أن حالك دون وجود عزيزك المفقود لن تكون نفسها، وحتى لو عوض فراغ المفقود من هو قريب منه في صفاته ووفائه. هشام أحناش عن «لوس أنجلوس تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©